كتاب

بلاك فرايدي

أول الجمعة السوداء حيث أسعار السلع الإستهلاكية تنزل الى النصف أو أكثر، حيث تغزو العائلات الأسواق والمولات في حملة محمومة للشراء.

لكن لماذا تذهب كل العائلة الى السوق والمول؟.

على الأرجح هناك هدفان للذهاب أو الغزو الجماعي للمول، أما الأول، فهي الذاكرة الجمعية، فما قد ينسى الأب شراءه تتذكره الأم وما قد ينساه كلاهما يتذكره أحد الأبناء وهكذا، أما السبب الثاني فهو الحاجة لأيدٍ كثيرة لحمل الأشياء دون أن يغفل أحد عن حملها.

بسرعة وما أن تصبح الأقدام والأجساد في داخل المول بعد تدافع عند الأبواب، تستخدم فيه كل القوى، وتتحرك فيه كل الأعضاء في الجسم وتستيقظ فيه كل الحواس، تبدأ عملية الانتشار، وأظن أن خطة مدروسة بعناية كانت قد رسمت قبل الغزو، فيها خرائط وتحديد دقيق لمواقع السلع، وتوزيع مدروس على الأقسام، فمهمة الأم والبنات هي ارفف الأدوات المنزلية، وأدوات المطبخ، ومهمة الأبناء هي الأدوات الكهربائية، وعروض الكمبيوتر والهواتف وغيرها، أما الأب فمهمته أن يكون قريبا من الكاشيير لضمان إنسحاب سريع وآمن بعد إتمام عملية الجمع لكن له دور أخر وهو ضمان أن لا تنفلت الأمور كأن يحمل واحد من الأبناء سلعة لم يجر بشأنها إتفاق عندما وضعت خطة ما قبل الغزو فبغمز بنعم ويلوي شفتيه بلا.

إنه عالم مجنون من الاستهلاك، يختزل كله في يوم واحد وفي ليلة واحدة، تفرغ المولات من محتواها وتنظف الأرفف من آلاف السلع، لتنتقل الى البيوت، حتى أن أشياء لا تحتاجها الأسر تشتريها ربما قد تحتاج اليها بعد سنة، لما لا ما دامت قابلة للتخزين، لما لا ما دام سعرها لن يبقى رخيصا، بفضل التضخم.

الجمعة السوداء بنسختها العربية هي ابتكار أميركي، حيث تعلن مراكز التسوق عن تخفيضات كبيرة على الأسعار، ليتهافت الناس بعدها إلى هذه المراكز لشراء حاجياتهم، أما من سماها الجمعة السوداء فهم شرطة فيلادلفيا إذ يعملون على مدار ٢٤ ساعة لتنظيم حركة السير والناس فهي بالنسبة لهم سوداء بكل ما تحمله الكلمة من معنى،

أولا لأنهم سيعملون بشكل مضاعف

وثانيا لأنهم لن يتمكنوا من المشاركة في هذا الفعل الاستهلاكي الكبير فلا فائدة لهم منه.

بالمناسبة صفقة القرن صيغة على طريقة بلاك فرايدي الأميركي، عروض هائلة، وتنزيلات ضخمة، لكن في هذه المرة لم تكن للمستهلك بل للتاجر فقط.