في آذار الماضي أصدر وزير التربية والتعليم والتعليم العالي السابق تعميماً على مديري مديريات التربية والتعليم بضرورة الالتزام بالتعليمات التي تمنع إيقاع العقاب البدني بمختلف أنواعه على الطلبة أو إلحاق الأذى بأي منهم.
وتضمن التعميم كذلك منع حمل العصا أو ما شابهها كأداة للضرب داخل المدارس، ووجّه مديري المدارس والمعلمين للالتزام باتباع الأساليب التربوية.
وبين التعميم أن مخالفة التعليمات من شأنها تعريض المخالفين للمساءلة وفقا لأحكام نظام الخدمة المدنية.
وتنص الفقرة (و) من المادة (68) من نظام الخدمة المدنية على أنه «يحظر على الموظف وتحت طائلة المسؤولية التأديبية الإقدام على أي من الأعمال التالية: إيقاع عقاب بدني بأي صورة من الصور على أيٍّ من الأطفال الموجودين في الدوائر بما في ذلك المؤسسات التعليمية أو التأهيلية أو التدريبية أو دور الرعاية أو الحماية أو إلحاق أذى بأي منهم».
وتنص الفقرة (ب) من المادة (142) من نفس النظام على: «إذا ارتكب الموظف أيا من المخالفات المنصوص عليها في الفقرة (و) من المادة (68) من النظام تُوقَع عليه بقرار من الوزير إحدى العقوبات التأديبية المتمثلة بـ«الإنذار، حسم سبعة أيام من الراتب الشهري الأساسي، حجب الزيادة السنوية لمدة 3 سنوات، استغناء عن الخدمة، العزل».
لكن إلى أي درجة شكّل هذا التعميم رادعاً للمعلمين؟ وبخاصة في المدارس الحكومية..؟
معلمون وتربويون لاحظوا أن هذا التعميم ليس الأول، وأنه لا تكاد تمر سنة دراسية إلا وترسل الوزارة تعميماً مشابهاً بذات المضامين.
$ جالت على عدد من المدارس لترى أثر هذا التعميم وهل تم تطبيقه؟ من خلال سؤال بعض الطلبة (هل تتعرضون للضرب من المعلمين؟)، وكذلك سؤال بعض المعلمين ومديري المدارس العاملين، والمتقاعدين.
«الضرب مستمر..»
يقول الطالب أحمد العبادي من الصف التاسع: «نعم, ما نزال نتعرض للضرب»، وعند سؤاله عما يستخدمه المعلمون للضرب، أجاب: «كفوف, شلاليت, أو بالعصا التي يحملها بعض الأساتذة».
ويؤكد الطالب عبد القادر العشا قَوْلَ زميله، ويروي حادثة حصلت معه إذ تعرض للضرب والإهانة من قِبل المعلم أمام زملائه في الصف، فلجأ إلى أخيه وهو طالب في المرحلة الثانوية الذي كاد أن «يتشاجر» مع المعلم لولا أنه أقنعه بالعدول عن ذلك, ليشتكي والدُه في اليوم التالي لدى الوزارة التي «اتخذت الإجراء في حق المعلم».
ويصرح مدير مدرسة حكومية في محافظة البلقاء إلى $ أن المعلمين، وحتى هو، لم يتوقفوا عن ضرب الطلاب حتى بعد صدور التعميم؛ «لقد تربينا ونحن طلاب على ذلك واعتدنا على هذه الطريقة، وهي طريقة ناجعة في السيطرة على الطلاب».
وعند سؤال المدير، الذي طلب عدم نشر اسمه، عن كيفية ضرب الطالب أجاب: «حسب النفسية..!»
ويقول أستاذ اللغة الانجليزية شريف حابس أبو علوش إن هناك معلمين «يضربون الطلاب، وآخرين لا يفعلون، وأنا منهم».
وهو يلاحظ تزايد قناعات كثير من المعلمين بالابتعاد عن الضرب، ويعزو الكثير من ذلك إلى «نوعية الدورات التي يلتحق بها المعلم، وبخاصة في «أكاديمية الملكة رانيا للمعلمين» حيث يتلقون تدريباً على التنويع في استراتيجيات التدريس وأساليبه حتى لا يملّ الطالب».
ويعتقد أبو علوش أن الضرب سلاح يلجأ إليه أولئك الذين لا يمتلكون القدرة على التعامل مع الطلبة بثقة أو يعانون من ضعف الشخصية.
غير أنه في الوقت ذاته يعتقد أنه عندما يضطر الأستاذ لضرب أحد الطلاب «فلا بدّ أن يكون لسبب وجيه وقوي». ويشدد هنا على أنه إذا كان ولا بد من الضرب؛ فعلى «ألا يكون ضربا مُبرحا ومؤذيا، مع التوضيح للطالب لمَ ضربه».
ويقول: «مهما كان المعلم متفوقا أكاديميا دون أن يملك القدرة على إيصال المعلومة ويمارس أسلوب التلقين الروتيني، فسيفضي ذلك إلى تململ الطلاب وتنمرهم عليه».
ويبين أبو علوش أن طريقة التواصل وتعليم الطلاب «تختلف باختلاف المرحلة الدراسية».. فالتعامل مع طلبة الصفوف الأساسية الأولى يختلف عنه مع الأكبر عمراً أو مع طلبة المرحلة الثانوية.
ويثني أبو علوش على تجربة المعلمة حنان الحروب التي حازت على جائزة أفضل مدرس في العالم والتي اعتمدت التعلم من خلال اللعب».
ويعدد أبو علوش بعض الأسباب التي تضطر الأساتذة لضرب الطلبة؛ وأهمها: «اكتظاظ الصفوف المدرسية؛ حيث أن بعض الصفوف تحتوي على 70 طالباً؛ فيتحدث بعض الطلاب ويتضارب آخرون في الحصة، ما يشتت تركيز المعلم ويقطع التواصل بينه والطلاب ويعيق سير الحصة».
ومنها كذلك: أن بعض الطلاب يعانون مشاكل نفسية بسبب الخلافات الأسرية في المنزل كضرب الأب للأم، «فيُسقط الطالبُ العنفَ الأسري الذي يتعرض له على زملائه، ما يضطر المعلم للتدخل ويضيع وقتاً كبيراً من الحصة».
كما يتصف بعض الطلاب، وفق أبو علوش، بالإهمال؛ إذ «لا يلتزمون بإحضار مسلتزمات الدراسة ولا الكتب ولا الدفاتر»، فيضطر المعلم إلى ضربه «من باب الحفاظ على مصلحته».
ويشدد أبو علوش على ضرورة «أن يتعرف المعلم على ميزات الطالب الإيجابية ليعززها حتى يتحول من سلبي إلى إيجابي».
ويذهب إلى أن معظم المعلمين الذين يلجأون للضرب يكون هدفهم «تأديبيا».
ويعتقد أننا «أمام قضية وطن.. تحتاج دراسات معمقة من قبل أخصائيين على الطلاب في المراحل العمرية من 7 إلى 15 عاما»، خصوصا أن الدراسات تشير إلى أن الضرب «يؤثر على نفسية الطلاب على المدى البعيد».
المفارقة في الوقت ذاته، أنه لا يميل كثيرا إلى هذا الرأي؛ «لأنني عندما كنت طالبا كان أساتذتي يضربونني ولم يؤثر ذلك على نفسيتي وأصبحت رجلا يعتمد عليه».
ويقول أستاذ للغة العربية، متقاعد، خدم في سلك التعليم 28 عاما، أن الجيل السابق يختلف عن الحالي بكثير؛ «فنادرا ما كنت ألجأ للضرب.. فهم أكثر تأدباً واحتراما وتقديرا للمعلم..». أما الجيل الجديد فـ«يرفض الدراسة وليس لديه رغبة للتعلم وكلما زاد انفتاحه على مواقع التواصل قلّ أدبه».
ولا ينكر هذا المعلم المتقاعد، الذي طلب عدم نشر اسمه، معاقبة طلابه بالضرب ولكن «بعد أن أستنفد كل الوسائل الممكنة».
ويوضح أنه إذا اضطر لضرب طالب يكون السبب أنه يشاغب ويضرّ بسير الحصة ويؤثر على مصلحة زملائه وحقهم في التعلم، فيضربه عصاتين على يده، رغم أنه يعتقد أحيانا أن الضرب «قد لا يردع الطلاب».
المعلمون: نحن الحلقة الأضعف
ويسترجع هذا المعلم بالقول إنه ضد الضرب المبرح؛ وهو دوما يضع نفسه مكان والد الطالب؛ كما أنه يعرف تبِعات الضرب؛ فالمعلم هو «الحلقة الأضعف، وبكل سهولة يمكن لذوي الطالب أن يشتكوا على المعلم ويستخرجوا تقريرا طبيا ويودَع المعلم في النظارة ويُهان».
أما عن الشعور بالندم على ضرب الطالب فيقول: «أشعر بالندم منذ اللحظة التي أضربه بها لأنني تصرفت بشكل غير مهني؛ فأخبر الطالب بأنني آسف لكني مضطر لمعاقبتك بالضرب».
وهو يرى أن المعلم المتمرس قادر على فرض سيطرته على الطلاب في الغرفة الصفية لأنه يمتلك العلم والشخصية القوية كأدوات للتعليم ويحضّر للحصة جيدا»، على رغم حجم الضغوطات والتوتر الذي يتعرض له نتيجة التدريس والتربية والتعامل مع أمزجة وعقول ونتاجات بيئات مختلفة؟
وهو يحمد الله على أنه تقاعد وهو بكامل صحته؛ لأن العديد من زملائه «خرجوا من هذه المهنة بمشاكل صحية مزمنة وجلطات بسبب الطلاب».
وفي ذات الوقت يشعر بالفخر عندما يأتي أحد طلابه الخريجين من مهندسين وأطباء ليلقوا التحية ويظهروا احترامهم له ويثنوا على دوره بحياتهم والبصمة التي تركها عليهم».
المعلمون عرضة للاستفزاز
معلمة للغة العربية، في المرحلة الأساسية في منطقة ديرعلا، تعتقد أنه منذ منع الضرب في المدارس «ضاعت هيبة المعلم..».
وفصّلت بالقول: «جميع القوانين والأنظمة تقف في صف الطالب، والأستاذ ممنوع أن يضرب أو حتى ينظر بازدراء على الطالب، وعليه أن يتحمل شغبه وتجاوزاته وتعدياته واستهزاءه به لفظاً أو إيماءً».
وتستطرد بالقول: «كثير من فتيات هذا الجيل يستفززن المعلمات وبوقاحة، لكننا نختصر الشر». وهي لاحظت أنه «في كل صف يمكن أن يكون هناك طالبتان أو ثلاث متنمرات ومشاغبات يؤثرن سلبا على سير الحصة التدريسية».
المعلمة، التي طلبت عدم نشر اسمها، تؤكد أهمية دور أولياء الأمور. وتعتقد أن بعضهم مقصرون في تربية أبنائهم، ومنهم من «لا يعرف في أي صف ابنه أو ابنته».
وكانت $ سألت طالبات في مدارس حكومية، إذا ما كنَّ يتعرضن للتعنيف بالضرب من قبل المعلمات؟ فكانت الإجابة بالنفي، وأجابت إحداهن باستهزاء: «المعلمات لا يجرؤن على رفع صوتهن علينا، فكيف بالضرب!».
غير أن إحدى الأمهات في موقع للتواصل الاجتماعي عرضت قضية تعرُّض ابنتها للضرب من معلمة، ما سبب كسراً في يدها..
أستاذ الكيمياء في محافظة الكرك عامر سميح الملكاوي يقول إنه لا يلجأ إلى الضرب. وهو يؤمن بأنه إذا كان المعلم متمكناً من مادته وحضّر لدرسه جيداً يدخل الصف بكل ثقة ويشغِلُ طلابه بالمادة وحل المسائل.. «فتمر الحصة بسرعة».
الملكاوي، الذي يدرّس فئة عمرية حساسة (من العاشر حتى التوجيهي) وهو سن المراهقة، ينبه إلى أنه إذا أحس الطلاب أن المعلم غير متمكن «سيتنمَّرون عليه ويستهزئون به ويجعلون منه أضحوكة».
وهو يحض المعلم على أن يمسك العصا من الوسط؛ «فلا يكون ليِّناً ولا شديدا» ويؤكد أن الطالب «إذا أحب المعلم يحترمه».
ويؤشر إلى وسائل أخرى للعقاب يمكن أن تردع الطالب؛ مثل «خصم العلامات وتبليغ ولي أمر الطالب أو إحالته للمرشد الاجتماعي».
لكن هناك بعض الطلاب لا يرتدعون رغم كل هذه الوسائل، وهنا يقول بتندر: «وما بجيبه غير العصاية وبصير ساعتها مثل المسطرة».
ماذا عن الآباء والأمهات؟
أم قصي حداد لا تسمح لأحد «بمد يده» على ابنها. وتقول: «إذا كنت أنا نفسي لا أضربه، فكيف أقبل أن يضربه؟!».
وتصف الضرب بـ«الأمر المتخلف»؛ وتقول: «نحن وصلنا إلى تطور كبير في جميع المجالات ولا يمكننا استخدام الأساليب التي كانت تستخدم قبل خمسين عاما».
وتقترح أم قصي التدرج بأساليب العقاب الأخرى «كالتنبيه والإنذار والنقل والفصل أو النقل».
أبو كمال، الذي يبلغ ابنه خمسة عشر عاما، يقول إن ابنه ضرب أستاذه كردّة فعل لأنه شدّه من شعره أمام زملائه في الصف.
ويعتقد أن تصرف المعلم كان خاطئا؛ «فالأَولى عند ما رأى تصرفا من ابني لا يعجبه، أن يتبع أساليب العقاب الأخرى كطرده من الحصة أو إرساله إلى المدير ليعالج المسألة, أو يستدعي ولي أمره. وإذا كان لا بدّ من ضربه جراء ارتكابه غلطة فادحة فلا يكون أمام زملائه بل في غرفة المدير أو المعلمين «مراعاة لحالة الطالب النفسية لأن فترة المراهقة صعبة».
ويلقي أبو كمال اللوم على المعلمين «فالانفتاح والمزح الذي يحصل بين الأساتذة والطلاب في أيامنا هذه أضاعت هيبة المعلم، فلم يعد هناك حواجز بينهم، مما جعل الطلاب يتمادون على أساتذتهم».
الشكاوى
يبين الناطق الإعلامي لوزارة التربية والتعليم وليد الجلاد لـ $ أن «حالات ضرب الطلاب في المدارس «فردية وهي ليست ظاهرة».
ويشير الجلاد إلى وجود «قسم الحماية من الإساءة» في الوزارة، وهو يستقبل البلاغات والشكاوى من قبل الطلبة وأولياء أمورهم الذين يتعرضون لمظاهر العنف من المعلمين عبر الخط الساخن أو الحضور شخصيا لتقديم الشكاوى الخطية.
ويبين أنه يجري التعامل مع هذه الشكاوى بالتواصل مع ضابط ارتباط الحماية في المديريات, وتُشكَّل لجان للتحقق من صحة الشكوى المقدمة واتخاذ الإجراءات المناسبة إذا ثبت صحتها وفق نظام الخدمة المشار إليه أعلاه, وترصد هذه الحالات في السجلات الخاصة بالقسم».
ويقول الجلاد إنه «يتم التعامل مع هذه الحالات من خلال تطبيق نظام الخدمة المدنية وفق التشريعات الناظمة في هذا المجال».
إجراءات وقائية
ويبين الجلاد أن «الوزارة تعقد دورات تأهيلية تدريبية لمعلمي المدارس في مجال حماية الطفل وكيفية التعامل معه واستخدام الأساليب التربوية الإيجابية للتعامل مع مشكلات الطلبة واستخدام بدائل العقاب على مدار العام الدراسي, وتركز على المدارس لإعداد مدونات السلوك المدرسي في بداية كل عام دراسي من خلال مجلس البيئة المدرسية الآمنة».
ويشدد الجلاد على «رفض الوزارة للعنف بأشكاله كافة».
وهو يؤكد حرص الوزارة على «عدم المساس بهيبة المعلمين وكرامتهم ورفضها الاعتداء عليهم بأي شكل من الأشكال» في ذات الوقت الذي «تحرص على عدم المساس بكرامة الطلبة والاعتداء عليهم».
ويوضح أن الوزارة تحض المعلمين باستمرار على «استخدام الأساليب التربوية في معالجة سلوكيات الطلاب السلبية وتصويبها». وينبه كذلك إلى أن لدى المدارس والمعلمين فرصة ذهبية يمكنهم استثمارها؛ وهي «اللجوء إلى المرشدين التربويين لمعاونتهم في معالجة مشاكل الطلاب أو الطلبة الإشكاليين».
العقوبات التي تفرضها النقابة
وفي السياق ذاته يقول المحامي محمد السرهيد المكلف من نقابة المعلمين بالترافع عن المعلمين والدفاع عنهم أنه في حال الشكوى على أحد المعلمين وثبوت اعتدائه على الطالب، فيُلجَأ إلى قانون النقابة..
وتنص المادة (41- أ) من قانون النقابة على: «كل عضو يخِلُّ بواجباته المهنية خلافا لأحكام القانون أو أي نظام أو تعليمات صادرة بمقتضاه أو يرتكب مخالفة مهنية أو يرفض التقيد بقرارات النقابة أو يُقْدِم على ممارسة عمل يمس شرف المهنة وكرامتها أو يتصرف تصرفا يحط من قدرها أو يسيء للنقابة أو لهيئتها المركزية أو لأحد أعضائها يعرض نفسه للإجراءات القانونية أمام لجنة الانضباط المهني».
ويتابع السرهيد «ووفقا للمادة (31) من النظام الداخلي للنقابة، المادة (47) للجنة الانضباط المهني فرض عقوبة واحدة أو أكثر من العقوبات التالية دون اشتراط التدرج فيها: التنبيه, الإنذار, الحرمان من الانتفاع من الخدمات والصناديق المختلفة للنقابة لمدة تراوح من ستة أشهر إلى سنتين, إسقاط العضوية من الهيئات المختلفة للنقابة للمدة المتبقية للدورة الانتخابية, تعليق العضوية لمدة تصل إلى ثلاث سنوات, فقدان العضوية».
ووفقا لعسكر «بلغ عدد القضايا المرفوعة من قبل المعلمين على أولياء الأمور 421 قضية خلال السنوات الخمس الأخيرة وحتى تاريخه، فيما سجلت 3 قضايا على المعلمين باستثناء قضية على المعلمين، وأمس وصلت قضية جديدة».
ويشير عسكر إلى أن أعداد الاعتداءات على المعلمين «بالمئات وهناك قضايا جرى حلّها دون اللجوء إلى النقابة وحلّ بعضها في المراكز الأمنية».
الأبعاد النفسية والاجتماعية
وتُعرّف المستشارة التربوية والأسرية الدكتورة أمينة التميمي العقوبة البدنية في المدرسة بأنها «إلحاق الأذى البدني للطفل، مثل الضرب باليد على الأرداف واليدين أو باستخدام المسطرة وغير ذلك التي قد يقصد بها مثلاُ ردع الطالب عن سلوك ما غير مرغوب فيه، أو إطاعة أمر ما يتوجب عليه فعله».
وتحذر من أن هذه العقوبة أو الأذى «لا يتسبب في الألم البدني فحسب، بل له أبعاد نفسية اجتماعية عميقة على الطفل والمجتمع المحيط به كنتيجة ردود فعل ذلك الطفل المتعرض للعنف أو الذي أسيئت معاملته».
وتلفت التميمي إلى أن الأدلة العلمية والدراسات أثبتت عدم فعالية العقوبة البدنية على المدى الطويل، لأنها «تتداخل مع التعلم، وتحد من الإبداع؛ لأن الطالب وفي كثير من الأحيان يلجأ إلى بعض السلوكات المعادية للتهرب من التطبيق».
ولا يقصُر الأمر على ذلك فقط، وإنما «تنقص الدافعية الداخلية للتعلم, فيتدنى التحصيل الدراسي للطالب، ويضعف الانتباه ويقل إنجازه، كما يشجع على التسرب من المدرسة هروبا من دائرة الألم الجسدي».
وتشير التميمي إلى أن هناك علاقة بين العدوان والعقاب الجسدي والنظرة الدونية المرتبطة بالذات التي يمتلكها الإنسان عن نفسه؛ فهو، باعتراف السلطة العليا متمثلة بالمدرسة والبيت، «مخطئ وفاشل ولا جدوى مما يقوم به، وليثبت أنه عكس ذلك طبقا لقواعد السلوك عليه أن يشعر ويتصرف عكس ذلك».
وهي تستدرك بالتوضيح «ولأنه لا يمتلك المهارة التي تساعده في إحداث هذا التوازن، يعمل جاهداّ ليظهر قوته في مجال آخر، أو يبدو بارزاً في مكان آخر كنوع من تحقيق الذات وجذب الانتباه والاستحسان، فقد يلجأ للتدخين مثلا ليثبت أنه صاحب سلطة وهيمنة على حياته».
ووفقا للتميمي تشير بعض الدراسات إلى أن «العقاب البدني للطلاب يُنتِج العديد من النتائج السلبية كالسلوك العدواني والفوضوي المدمر، والتخريب داخل مرافق المدارس أو خارجيا كنوع من التنفيس عن الغضب الانفعالي وتجنب المدرسة».
وترصد التميمي آثارا أخرى للعقاب البدني، غير تدني الثقة بالذات والقلق، «فقد يلجأ الأطفال إلى الشكاوى الجسدية طلبا للتغيب والتهرب من المدرسة، وقد تستفحل الحال لدى بعضهم إلى درجة الاكتئاب أو الانتحار أو الانتقام من المعلمين».
الضرب أضعف وسائل التربية
ويتفق أستاذ أصول التربية في الجامعة الأردنية الدكتور محمد سليم الزبون مع التميمي، وهو يرى أن الضرب «أضعف الوسائل المتبعة لتهذيب الطلبة وهي وسيلة هدم لا بناء».
ويحذر الزبون من أن ضرب الطلبة قد يؤدي إلى فقدان الطالب لذاته الايجابية وتدني مستوى احترام الذات، وهذا «ينعكس على سلوكه وعلى تعامله مع الآخرين».
كما يحدّ من تعبير الطالب عن القدرات الكامنة التي يمتلكها، ما ينعكس على تحصيله الدراسي، ويُحدِث اضطرابا في الشخصية؛ وبالتالي عدم الرغبة في مواصلة تعليمه».
كما يولِّد لديه الخوف من تحمّل المسؤولية؛ إذ «يخشى من العقاب؛ فهو يتوقع العقاب قبل الثواب حتى ولو كان مصيبا».
اهتزاز ثقة الطالب بنفسه
الزبون كذلك ينبه إلى خطورة «فقدان الثقة بالنفس»؛ فالضرب «يؤثر على شخصية الطالب، فتنتابه مشاعر الكآبة والقلق والخوف نتيجة توقع ما قد يعود عليه من تقريع وإدانة جرّاء أفعاله». كما يكرس في نفسه «التمرد والعدوانية واستخدام العنف وسيلةً لتحقيق الهدف وحل المشاكل وقد يؤدي به إلى كراهية الآخر أكان طالبا أم معلما».
ويؤكد كذلك ما أوردته التميمي، من أن الضرب يؤدي إلى «عدم القدرة على مواجهة الأحداث والمواقف والخوف عند اتخاذ القرار. إضافة إلى التسرب من المدرسة».
وتُحيل التميمي إلى أن طرق التربية الحديثة «توصي بإلحاق المعلمين بتدريبات ودورات تتناول موضوعات مثل بدائل العقاب البدني، والاستراتيجيات اللاعنيفة المختلفة لإدارة السلوك، والتعديلات على البيئة المدرسية، وزيادة الدعم للمعلمين، والتدريب على التعليم من خلال التفكير واللعب..».
عنف ضد المعلمين
في المقابل، يؤشر السرهيد إلى أن في الطرف الآخر تبرز ظاهرة الاعتداء على المعلمين، أكان من قبل الطلبة أو أهاليهم.. والأدهى من ذلك، التعدي على هيبة المعلمين وكرامتهم من خلال توقيفهم واعتقالهم واقتيادهم من مدارسهم أمام الطلبة نتيجة أي شكوى من طالب أو ذويه، أكانت الشكوى صحيحة أم كيدية..
ويوضح أن النقابة تعمل جاهدة للحد من هذه التعديات على المعلم وكرامته وسمعة المهنة.
وتستمر دائرة العنف بين المعلم والطالب وسط ظروف معيشية واقتصادية وبيئية تشحن كلاً منهما على الآخر, فلا بيئة صفية صحية تنصف كلاً منهما ولا حوافز مادية ومالية لتحفز كلاً منهما على الإخلاص والإبداع..
الضرب في المدارس مستمر.. رغم المنع
10:45 5-1-2020
آخر تعديل :
الأحد