كتاب

شعارالغاية تبرر الوسيلة



تقول الحكمة إذا أردت الوصول إلى نفسك فاسلك الطرق الواضحة. ينفق العالم ملايين الدنانير على المحاضرات والمؤتمرات والندوات والكتب كنوع من التطوير للعنصر البشري وجزء من ذلك يتعلق بتطوير الذات في مجتمعات يحكمها صراع أزلي بين قوى الخير والشر.

يضع البعض أحلاماً ويسعون بالفعل إلى تحقيقها ولكن الكارثة الكبرى حين تكون قيمهم سيئة إلى حد يجعل كل ما يقومون به فردي ولا أهمية له. في أواسط السبعينات بدأ عالم النفس روي باومستر يدرس مفهوم الشر في البشر وركز في دراسته على الأشخاص الذين فعلوا أشياء سيئة وما هي الأسباب التي جعلتهم يقومون بتلك الأفعال.

لقد كانت الفرضية وقتها تقول بأن الناس يفعلون الأشياء السيئة لأن شعورهم تجاه أنفسهم سيئ، لكن باومستر اكتشف في دراسته بأن هذه الفرضية غير صحيحة وأن أسوأ البشر ينظر إلى نفسه نظرة حسنة تماماً ويشعر بالارتياح تجاه ما يفعل دون أي اعتبار للحقائق المحيطة من حوله، مما يمنح هؤلاء البشر القدرة على إيقاع الأذى بالآخرين دون أدنى شعور بالذنب. فالشرير لا يعتقد بأنه كذلك بل يعتقد أن كل من هو ضده أو يهدد مصالحه يجب معاقبته وإيقاع الأذى به وجميع الطرق مباحة.

إن هذا النوع من البشر حين يفعل أشياء فظيعة للآخرين يكون على قناعة بأن عمله مبرر وأنه شخص صالح ومن حقه أن يفعل ما يفعله. إحساس خبيث بالاستحقاق يحمل شعار الغاية تبرر الوسيلة لذلك يعتقد هو بأنه يستحق أن يأخذ ما يريد بل وحتى أن يأخذه بالقوة.

إن الطريقة الوحيدة لحل مشكلات هذه الفئة من البشر هو الاعتراف بأن أفعالهم خاطئة ولا تجدي نفعاً. إذا لم يعترف المرء بأنه مخطئ لن يحدث أي تغير أو نمو حقيقي في شحصيته أو أفعاله، عليك أن تعري مواضع الخلل والانحياز في نفسك وتنظر إليها بعمق وتحدق في وجهك وتعترف لنفسك أنك كنت مخطئاً. تقول الحكمة القديمة الرجل المتيقن من أنه يعرف كل شيء لا يستطيع أن يتعلم شيئاً.

يقول درويش في قصيدة عذبة «سيري ببطء يا حياةُ لكي أراك بكامل النقصان حولي، وكلما أدركت سراً منك قلت بقسوة ما أجهلك»، جهلنا ببعض التفاصيل في الحياة والبشر أكبر منا جميعا. إن اعتراف المرء بأنه مخطئاً هو ما يُحدث نمواً وتغيراً حقيقياً في شخصيته.

مع التقدم بالعمر تشعر بأنك اكتسبت مخزوناً من الخبرة كفيلاً بأن يجعلك قادراً على اتخاذ العديد من القرارت الصحيحة في حياتك، لكن أبداً لن تستطيع أن تزعم أنك تملك القدرة على شفاء القطة من جراحها. إن عدم اليقين هو أساس كل تقدم ونمو كلما ازداد إعترافك بأنك لا تعرف كلما ازدادت فرصتك في النجاح وفي اكتساب مهارات المعرفة الإنسانية.

a_altaher@asu.edu.jo