كتاب

قراءة ملكية لضرورة تاريخية..

في جلسة حوارية نظمها معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى قال جلالة الملك «آمِنوا بشعوبكم، فهم يريدون فعل الصواب ولكن أعطوهم الفرصة ليقوموا بذلك. وأنا لا أتحدث عن منطقتنا في الشرق الأوسط فحسب، هذا ينطبق على الجميع. امنحوا الشباب محبتكم واهتمامكم، فهم سيجعلون العالم مكانا أفضل إذا ما أعطيناهم الفرصة». هذا هو جوهر الموضوع دون تسويف ونظريات مؤامرة رغم حضورها اللافت إنما الأهم هو أن المنطقة تشهد تحولا بنيويا في التفكير والمطالب والقوى المحركة، وأن هذه القوى ومعظمها من الشباب لا يمكنها أن تقبل بإعادة إنتاج الحلول والقواعد الجافة الخالية من التنوع والمعاصرة والحداثة والجمود الذاتي دون تطوير أو دينامية متحركة تتماهى وتطور احتياجاتها وفكرها ووعيها الجمعي والناتج عن رقي مستوى تواصلها وتبادل خبراتها وأساليب عملها وابداعها في خلق آليات وأدوات جديدة لتعبر عن شغفها إلى الحرية والكرامة وحق الانفتاح والتواصل وإفساح المجال لها لتقود مجتمعاتها إلى مصاف المجتمعات المتطورة والتي تعتبر الفرد والإنسان هو المحور والهدف الأصيل لكل تطور معرفي، وكل ما ينتج عن أصالة هذا المحور من حقوق الأفراد والمجتمعات واحترام التعددية الدينية والعقدية والتنويع كسمة من سمات هذا الوجود ومحاربة الشعبوية والانعتاق من الجمود العقائدي والمحاصصة القائمة على الطوائف والعشائر والجغرافية المكانية. والسلفية الزمانية وقداسة الأوائل. وهو نتاج شعور انفعالي بين المجتمعات والافراد في المنطقة ولهذا هو قابل على الاستهواء من كل الشباب ومشاركة وجدانية ترتكز على نجاعة الوصول إلى المثالية البسيطة والتي تقوم أساسا على العدالة وتكافؤ الفرص والقدرة على التأثير والتغيير، هذه هي أهداف وجوهر ورسالة التحولات الكبرى في المنطقة وهذا بالضبط ما يجب أن تتبناه القوى السياسية والذي سيحدد سلوكها السياسي لأنها ليست انتفاضات قائمة خارج التحولات الموضوعية والتاريخية بل أنها في صلب حركة المجتمعات وهي دوافع فطرية في سياقها الاجتماعي والتاريخي وهي تحولات بنيوية في الفكر والوعي الاجتماعي وتغيير يتماهى مع المساق التاريخي للأحداث في محددات عصرية تقفز إلى الأمام دون النظر إلى الوراء على قاعدة عدم المراوحة المكانية والزمانية ووقوف أمام حركة التاريخ الموضوعية. وهذا بالضبط ما نوه له جلالة الملك حين قال: «إن ما يُعرف بالربيع العربي، قاده شباب اشتد إحباطهم وأرادوا فرصا، وأتمنى أن نتذكر هذه اللحظة من التاريخ التي تمثل مرحلة مفصلية في التاريخ الإسلامي والعربي كتقاطع طرق كان لا بد لنا أن نعبره، وهناك العديد من التشابهات مع أوروبا في هذا الصدد، مثل التحديات في الداخل المسيحي قبل 400 و500 سنة، وأعتقد أننا اليوم نقف على تقاطع طرق مشابه».