إن حصول جلالة الملك على جائزة رجل الدولة – الباحث هو تعبير حقيقي عن مدى الامتداد الأممي والدولي والتقدير الاستثنائي ليس فقط لما انجزه في الإطار العملي على صعيد الوطن من مشروع الإصلاح الشامل في كل المجالات، إنما أيضاً على جهوده الأكاديمية والبحثية التي ارتكزت على تشخيص متطور واستثنائي للواقع الموضوعي والعامل الذاتي على الصعيد المحلي والإقليمي والدولي.
ونعني هنا أن القراءة الاستشرافية لجلالته وشمولية رؤيته للتطورات السياسية وآثارها على المنطقة هي التي جعلته مرجعية لا غنى عنها في تحليل جوهر الأزمات في المنطقة والأزمات التراكمية في تبدل الوعي الجمعي العالمي نحو التطرف والانعزال والتقوقع الذاتي وهذا بالضبط ما ترجمته رسالة عمان والتي استبقت كل التحولات والاتجاهات نحو التطرف هذه الرسالة والتي كانت مع بداية هذا القرن تؤكد أن السياسات الدولية تتجه بنتائجها إلى ظهور ظواهر التطرف والإرهاب والانزياح الفكري حول التطرف أو بشكل أدق نحو اليمين وعندما لم تستجب القوى مح?ياً وإقليمياً ودولياً لهذه القراءة الاستشرافية ظهرت تلك الأزمات التي عصفت في المنطقة أولاً، وفي ظهور الشعبوية الترمبية والذهاب إلى أقصى اليمين في الدول الغربية وانتهاء دور الراسمالية الاجتماعية وانحطاط أفاقها الفكرية لتناقضها الجذري بين ما تطرحه من شعارات لحقوق الإنسان ودعم الوئام والتسامح البيني والانفتاح السياسي والاجتماعي والعولمة الاقتصادية والتنموية وما بين الممارسات المباشرة في القمع وعدم احترام تلك الحقوق وصولاً إلى الضرب بعرض الحائط الاجماع الدولي المرتكز على حقوق الشعوب وحقها في تقرير مصيرها وعدم ?لتدخل في شؤونها.
كل تلك التناقضات وآفاقها والرد المباشر عليها بإطار بحثي علمي أكاديمي واقعي كان من قبل جلالة الملك في تجسيد مفهوم الوئام والتسامح الديني والاجتماعي واحترام الفكر والعقيدة والآخر كل ذلك تجسد من خلال ما تبنته هيئة الأمم المتحدة من مبادرة لجلالته تحت عنوان أسبوع الوئام بين المجتمعات والأديان وجائزة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين للوئام بين الأديان والمجتمعات كل ذلك تعبير من قبل الهيئة الدولية عن امتنان حقيقي لجلالته في ترسيخ مفهوم أنسنة العلاقات الدولية وجعل الحوار والإنسان هما المحور الأصيل لقراراتها هذا من ?انب، من جانب آخر إن هذه الجائزة والتي تعنون بالباحث لمن يستلمها تعني أيضاً الانخراط من قبل القيادات الرسمية وغير الرسمية والانغماس في البحث الاكاديمي والفكري للخروج بمستخلصات ترتكز الى منهجية علمية واضحة المعالم في قراءة الواقع الموضوعي وتوازنات العامل الذاتي في إنجاز استخلاصات تلك البحوث وهنا نقصد بشكل دقيق الأوراق النقاشية لجلالة الملك والتي واكبت وأسست لمرحلة تحول استراتيجي منهجي متدرج للإصلاح السياسي الشامل في الأردن من مرحلة التركيز على تغير مرتكزات الوعي الجمعي لتتماهى مع التغيرات الجذرية التي تحصل ع?ى مستوى عالمي، هذا هو بشكل مقتضب السبب الحقيقي في رؤية كل المنظمات الإنسانية الدولية الى جلالته واعتباره ليس ملكا بسلطات رسمية فقط، وسياسيا محنكا، إنما هو بكل ما تعني الكلمة من معنى باحث أكاديمي ينطلق من منظومة بنيوية ومنطلقات نظرية وفلسفية وواقعية في الاستخلاص والتشخيص والنتائج.
مواضيع ذات صلة