«وجهك مش غريب علي؟»، أغلب الناس استمعوا لهذه العبارة من أشخاص التقوا بهم صدفة، وهذا ما يتكرر مع كثيرين في مواقف مماثلة، وعلى سبيل المثال كأن يقول احدهما للاّخر عبر مكالمة تليفونية (هالصوت مألوف بالنسبة اليّ !)، او عندما يحدث خلط ما او سوء فهم في التمييز بين اثنين، ويحسم الخلاف في ترديد المثل الشعبي السائد (يخلق من الشبه اربعين)، وفي حالة حضور شقيقين توأم يصعب التفريق بينهما يكون تعبير الموجودين عن حالة الذهول (فوله واتقسمت نصين) السينما العربية لم تتأخر في التقاط هذه الفكرة وراحت تتناولها بالعديد من الافلام، بدأ ذلك في اوائل اربعينيات القرن الماضي وأغلبها دون المستوى وهذا لاخلاف عليه،الا ان بعض الاعمال حققت ارباحا خيالية وخصوصاً وفي الاّونة الأخيرة.
توأم..
«التوأم» واحدة من الافكار المرتبطة بموضوع التشابه التي تم صياغتها سينمائيا، وتكررت بمجموعة افلام يدور معظمها حول فكرة الصراع الأزلي بين الخير الذي يمثله احد التوأمين، والشر او المشاكسة المتمثلة في الاّخر، وبالتالي اتجه غالبيتها لخلق حالة من المتعة والتشويق باصطناع حبكة درامية كوميدية، أو جادة احيانا مبعثها سوء الفهم او الاحراج الذي يسببه احدهما للاّخر.
ومع اجماع العديد من النقاد ان حضور التوأم على الشاشة يكون مقنعا اذا تطلب الموقف الدرامي ذلك، او ما يطلق عليه بالحتمية الدرامية، ومن باب الاجتهاد فإن فيلم (نادية) انتاج عام 1969 يعتبر من الاعمال القليلة التي ينطبق عليها ذلك وهو مأخوذ بالأصل عن رواية بالاسم نفسه ليوسف السباعي، وموضوع الفيلم حول شقيقتين توأم، وادت سعاد حسني دور الشخصيتين وهما (نادية) الخجولة، و(منى) الجريئة التي تتوفى حسب القصة، وتقوم نادية بانتحال شخصية منى حسب تسلسل الاحداث،لتنتقل بأدائها للدور النقيض، وهنا برزت قدرات سعاد كنجمة سينمائية من الطراز الاول.
وفيما يتعلق بحضور (التوأم) بالأعمال السينمائية الكوميدية أو الجادة، قدم نجوم السينما العربية العديد من هذه الافلام ومنهم عماد حمدي بفيلم (جنون الحب) 1954، اسماعيل ياسين (اسماعيل ياسين في الطيران) 1959، فريد شوقي (النصاب) 1961، محمود المليجي (القصر الملعون) 1962، محمد عوض قدم دور اربعة توائم بفيلم (مجانين بالوراثة) 1975، عادل امام (مين فينا الحرامي) 1984، ومن سوريا دريد لحام بفيلم (لاعب الكرة) 1968.
ومن النجوم الحاليين خاض هذه التجربة الفنان احمد حلمي بفيلم (كده رضا) 2007، محمد هنيدي (عندليب الدقي) 2008، احمد عز (بدل فاقد) 2009، وعمرو واكد (المشتبه) 2009.
شكل ومضمون..
وبالإضافة لموضوع التوأم، تطرقت السينما المصرية لفكرة التشابه بين شخصين وكل منهما نسخة عن الاخر، وينتمي احدهما على سبيل المثال لبيئة فقيرة، والاّخر من عائلة ثرية ارستقراطية، وذلك ضمن حبكة درامية، كأن يقوم الاول بانتحال شخصية الثاني بالاتفاق المسبق او التحايل، ما ينجم عنه العديد من المواقف الدرامية المثيرة والمسلية في الوقت نفسه.
من هذه الاعمال قدم نجيب الريحاني فيلم (سي عمر) 1941، اسماعيل ياسين (المليونير) 1950، فريد شوقي (صاحب الجلالة) 1963 و(ابن الحتة) 1968 و(سكرتير ماما) 1969، فؤاد المهندس (اخطر رجل في العالم) 1967، (العتبة جزاز) 1969 و(عودة اخطر رجل في العالم) 1972،محمود ياسين (الأيدي القذرة) 1979، محمد عوض (عمل ايه الحب في بابا) 1980، وفيلم (اعدام ميت) 1985 للفنان محمود عبد العزيز.
شخصيات عامة..
تقديم الشخصيات العامة في الدراما السينمائية يتطلب تشابه الاشكال بقدرما مع توظيف الماكياج لإحداث هذا التقارب قدر الامكان، قدم هذه النوعية من الادوار الفنان احمد زكي بتقمصه لشخصية الرئيس جمال عبد الناصر بفيلم (ناصر 56) انتاج عام 1996، وتماهى مع هذا الدور لدرجة ان غضب في احدى المرات اثناء تصوير الفيلم عندما شاهد بعض العمال يتناولون الغداء في الاستوديو، وصرخ غاضبا مستهجنا (في حد بياكل قدام الرئيس !)، وقدم ايضا شخصية الرئيس السادات وعبد الحليم بفيلمي (ايام السادات) 2001 و(حليم) 2005.
وبفيلم (قاهر الظلام) 1978 أدى الفنان محمود ياسين باقتدار شخصية طه حسين وتوافق الشكل مع الأداء لدرجة كبيرة وظهرت فردوس عبد الحميد في دور ام كلثوم بفيلم (كوكب الشرق) 1999، وبفيلم (ناجي العلي) قدم نور الشريف شخصية ناجي، واجتهد بالاقتراب من الشخصية بالشكل والمضمون لدرجة كبيرة باستثناء بعض (الفلتات) في نطق اللهجة الفلسطينية احيانا، وحقق له هذا العمل نجاحا بارزا اثار حفيظة وحسد بعض زملائه من الوسط، وتفاقمت الأزمة لدرجة توقفه عن العمل لفترة طويلة كما ذكر في لقاء تلفزيوني قبل وفاته بفترة قصيرة.
فصام..
امتحان ليس بالسهل يواجهه الممثل المكلف بتمثيل دورين واكثر، الا انها فرصة على طبق من ذهب استغلها البعض ليثبت قدراته، وأصعبها عندما يؤدي الفنان دور انسان يعاني من حالة فصام في الشخصية، سعاد حسني نجحت أيضا بهذا الدور بفيلم (بئر الحرمان) 1972 وعن قصة لإحسان عبد القدوس، وكذلك الفنانة شادية بفيلم (ذات الوجهين) 1973 ومحممود ياسين بفيلم (اين عقلي) 1974، ومن منظور اخر مشابه فان الفنان عماد حمدي ادى في عام 1952 دورين مختلفين بفيلم (المنزل رقم 13)، ويدورحول علاقته بطبيب الامراض النفسية الذي يعالجه ويقوم باستغلاله تحت تأثير التنويم المغناطيسي ويوجهه لارتكاب جريمة قتل، ويعود بعدها لحياته الطبيعية كانسان عادي لايدري ما حدث.
أصوات ووجوه..
وكما تتشابه الوجوه والأسماء، كذلك هي الأصوات، فيلم (عبيد المال) 1953 لعماد حمدي وفاتن حمامة وظف هذه الدلالة من خلال قصة شاب فقد بصره وتوفيت زوجته بعدها،و تم الاستعانة بفتاة صوتها شبيه بصوت زوجته بهدف التحايل للاستيلاء على ثروته، ومن الصور الفكاهية الساخرة بهذا الصدد تقليد عبد المنعم ابراهيم لصوت يوسف وهبي بفيلم (اشاعة حب) 1960.
وفي السينما الغنائية تم تقديم فقرات لتقليد اصوات المطربين والممثلين، ومنها تقليد لبلبة في طفولتها لمجموعة مطربين بفيلم (اربع بنات وضابط) 1954، ومنهم عبد العزيز محمود وفريد الأطرش، ومنير مراد بفيلم (انا وحبيبي) 1953 قدم مونولوج (هنا القاهرة) تخلله فقرة تقليد غنائية لأصوات مشاهير الطرب وقتها مثل: محمد عبد الوهاب ومحمد فوزي وليلى مراد ومحمد عبد المطلب.
احتكار..
تشابه اصوات مطربين جدد مع نجوم الغناء الذين سبقوهم ظاهرة تكررت بفترة الخمسينيات والستينيات واحتكرتها السينما بشكل خاطئ ما عاد بالضرر على المبتدئين منهم، خاصة من تشابهت اصواتهم مع عبد الحليم مثلا، وراح المنتجون يسندون اليهم اعمالا على نمط افلام حليم ايضا،ولم تحقق هذه الاعمال وابطالها النجاح بطبيعة الحال ومنهم: كمال حسني بفيلم (ربيع الحب)1956، ماهر العطار (النغم الحزين) 1960، عبد اللطيف التلباني (نمر التلامذة) 1964.
تشابه الظروف التي يعيشها بطل الفيلم اصبحت نسخة مكررة بالعديد من الأفلام ومُقَلِّده لبعضها لدرجة ان اصبح المشاهد يعرف البداية والنهاية للفيلم مسبقا، وينطبق هذا على الافلام العاطفية والاستعراضية، وافلام الحركة التي تتناول حياة الفتوات وقضايا المخدرات، والبلطجة التي اصبحت ظاهرة سينمائية هذه الأيام.
مطبات..
تشابه الأسماء بين الناس اوجد اشكاليات و(مطبات) عديدة في طبيعة العلاقات الانسانية الهمت العديد من الكتَّاب والمخرجين بانجاز مجموعة اعمال سينمائية في إطار كوميدي أو اجتماعي أو سياسي، ولم تخلُ من بعض افلام ناقدة وبشكل غير مباشر احيانا لظاهرة التفاوت الطبقي، كأن يتشابه اسم انسان بسيط مع احد المتنفذين، ويتم تبادل الادوار بينهما حسب تصاعد الحدث الدرامي للفيلم ما يكشف تناقضات الواقع على الصعيد الاجتماعي، كشخصية الانسان البسيط احمد ممتاز واداها عبد الحليم حافظ بفيلم (ليالي الحب) 1955 الذي يتطابق اسمه مع احد الاثرياء المتنفذين،وهذا يتقارب مع احداث فيلم (السبع بنات) 1961 عندما يذهب الشاب سمير (احمد رمزي) للشركة التي يعمل بها الموظف البسيط منصور (حسين رياض) لطلب يد ابنته وداد (زيزي البدرواي)، ولتشابه الاسماء يتوجه بالخطأ لمدير الشركة (منصور بيه)، وبفيلم (حبيبتي شقية جدا) 1974 لنور الشريف وسهير رمزي يحدث موقف مشابه بالخلط بين العميد الضابط باعتباره والد الفتاة التي يتقدم شاب لخطبتها، وهي بالحقيقة ابنة عسكري مرور وما يجمع الشخصين الاسم ذاته فقط، وتبقى القيمة الانسانية في هذه الاعمال رغم بساطتها تسليط الضوء على فكرة التمايز الطبقي التي تعصف في المجتمع منذ مئات السنين ولا زالت.
معالي الوزير..
وعلى الصعيد السياسي لابد من التوقف عند فيلم (معالي الوزير) 2002 للفنان احمد زكي وفي دور رأفت رستم الانسان البسيط الذي يتم تعيينه وزيرا بالخطأ بسبب تشابه في الاسماء مع شخصية متنفذة أيضا ليكون ذلك مدخلا لنقد الواقع السياسي.
نماذج اخرى قدمتها السينما المصرية ضمن هذا السياق، ومنها فيلم (الطريق) 1964 لرشدي اباظة، ويبحث في رحلة صابر الطويلة للبحث عن والده (سيد الرحيمي)، ويسعى عبر دليل التلفون بالالتقاء بمن يحملون الاسم نفسه عسى ان يكون احدهم والده الذي اضناه البحث عنه. وبالفيلم الكوميدي (المشاغبون في الجيش) 1984 ينتحل سعيد صالح شخصية طبيب مشهورويحدث اثر ذلك مواقف ضاحكة ضمن احداث الفيلم، (خلاويص) عمل سينمائي من انتاج 2018 ويتحدث عن طفل يودع بالسجن بسبب تشابه اسمه مع احد الجناة المطلوبين للعدالة.
حكايات الغريب..
«حكايات الغريب» فيلم من انتاج التلفزيون المصري 1992، ولعله الاكثر تعبيرا عن قضية تشابه الاسماء وبرؤية فلسفية بسيطة وعميقة للكاتب جمال الغيطاني، ومأخوذ عن قصة واقعية مع تصور خاص للمخرجة انعام محمد علي، ويحكي عن شخصية عبد الرحمن الذي يعمل سائقا بإحدى المؤسسات الصحيفة ومهمته توصيل الصحف لأحد المواقع في مدينة السويس اثناء حصارها في حرب اكتوبر 1973، وهناك اختفى وعند البحث عنه من خلال نشر صورته بين اهالي السويس اصبح الكل يذكره باسماء مختلفة (كمال، خلف، محمد)،إلا أنهم يجمعون على انه بطل قدم عدة تضحيات في مواقع مختلفه،يسردها كل شخص حسب خياله، وهنا تكمن فكرة العمل بأن الأهمية ليست بالأسماء التي تتكرر دائما في كل زمان ومكان، وتبقى قيمة الإنسان بالعطاء والإنجاز وصفاء القلوب ونواياها، والذي اصبح نادرا هذه الأيام على رأي المطربة التي اصبحت ذكرى (الأسامي هيَّ هيَّ.. والقلوب تغيرت !) .