كتاب

إعادة ترتيب البيت الداخلي

لقد شهد بلدنا الحبيب في السنتين السابقتين أزمتين حادتين، الأولى كانت على خلفية التوسع في ملف الضرائب، وكانت سببا في خروج الناس بعفوية للشارع وأفضت الى تغيير حكومي وقدوم حكومة الدكتور عمر الرزاز، والتي لاقت قبولاً شعبياً لما يتمتع به من سمعة طيبة في إدارة المواقع التي شغرها سابقاً. وعلى الرغم من أن الرزاز إستطاع المضي بملف الضرائب وقبول الناس بما آلت إليه، على اعتبار أن ذلك آخر المصائب، وشرا لا بد منه. وأن القادم أفضل. فاجتهدت الحكومة في إتخاذ الإجراءات التي تسهم في تخفيف حدة الأزمة الإقتصادية، والإنطلاق إلى مرحلة جديدة من الإنجاز المبني على معالجة الكثير من القضايا والملفات الشائكة على رأسها ملف «الفقر والبطالة»، التي تعتبر الأهم والمعيار الجوهري في نظر الناس لنجاح الحكومة. لكنه وكما يقال: «حساب السرايا لم يأت وحساب القراية». فمن جهة فإن أزمتنا الإقتصادية الداخلية مرتبطة بتداعيات الأزمة الإقتصادية العالمية المستمرة، وتزايدت بعد تقليص المساعدات الخارجية، وعدم الوفاء بمخرجات «مؤتمر لندن»، التي كان يعول عليها كثيرا. ومن جهة أخرى لا ننسى الضغط الذي يمارسه علينا صندوق النقد الدولي لإجراء ما يسمى «بالإصلاحات الإقتصادية»، والمشكلة الأكبر أن المصائب لا تأتي فرادى، فالموقف المحايد للأردن من الخلافات والنزاعات العربية العربية، ولا سيما الخليجية، وتاثير حرب اليمن والخلاف مع إيران، كانت سبباً في إنكماش إقتصاديات دول الخليج، ناهيك عن تأثير الحصار السياسي غير المعلن من موقف الأردن من صفقة القرن. فجميع تلك الظروف أسهمت في تفاقم الأزمة الداخلية لدينا، لتستكمل في الأسابيع الماضية أزمة بما يسمى «علاوة المعلمين»، وما صحبها من إهتمام كبير على الصعيد الشعبي، وأنا أعتقد أنه كان هناك ضعف وتخبط في إدارة ملف الأزمة من قبل وزير الداخلية ابتداءً، و وزير التربية والتعليم فلم يقرآ المشهد صحيحا باستخدامهما للأسلوب الصدامي، فكان بالإمكان أفضل مما كان.

لقد كثر الحديث عن تعديل حكومي، وأنا شخصيا اعتقد ان للتعديل أسبابه الموجبة داخليا وخارجيا، فنحن مقبلين على منعطف دولي هام فيما يتعلق بظهور بوادر لزحزحة الخلافات الإقليمية، وكذلك قرب الإنتخابات الأميركية، وما تفضي اليه أزمة تعيين رئيس وزراء جديد (لإسرائيل). أما على الصعيد الداخلي، بعد أشهر نحن مقبلون أيضا على إنتخابات نيابية متمنين أن يتم تعديل قانون الإنتخاب لإفراز مجلس نواب أكثر تمثيلاً للأردنيين قادر على ممارسة دوره التشاركي والرقابي مع السلطة التنفيذية، بعد فشلهم الذريع فيما يتعلق بالتدخل ولعب دور ايجابي لإيجاد تسويات للعديد من الملفات بما فيها أزمة المعلمين.

المطلوب من الحكومة ان تقوم بإعادة ترتيب البيت الداخلي، وإعادة النظر بالتعامل مع كافة القضايا بشكل أكثر شفافية وتشاركية مع الناس. فالمصارحة والمكاشفة وبذل مزيد من الجهد لا سيما في ملف الفساد، وإيجاد الحلول لملف البطالة والفقر، التي لا بد أن تكون على سلم أولويات الحكومة. وفي النهاية أتمنى على الرئيس ان يخرج في مؤتمر صحفي يضع به الناس بشفافية بصورة كافة القضايا دون استثناء.