كتاب

للديمقراطية أنياب

تلعب مؤسسات المجتمع المدني بصفة عامة والنقابات المهنية بصفة خاصة، دوراً أساسياً في النظم السياسية الديمقراطية. ونلاحظ في كثير من الدول الديمقراطية كيف أن تلك النقابات قامت بإضرابات إما للمطالبة بحقوقها أو للإعتراض على قوانين وأنظمة تمسها، كانت في كثير من الأحيان سبباً لشل الحركة في تلك الدول. وبهذا المقام يمكننا القول أن موضوع الخلاف بين الحكومة ونقابة المعلمين كان ومازال يتعلق بالعلاوة التي تطالب بها النقابة لمعلميها، ولست هنا بصدد الدخول بجدلية أحقية العلاوة أو مشروعيتها، والتي اعترفت بها الحكومة نفسها وعلى لسان رئيس الوزراء الدكتور عمر الرزاز في أكثر من مناسبة وتصريح رسمي، فكان إعتراض النقابة على القيمة المطلوبة، سبباً الى الدخول بسلسلة من المفاوضات الماراثونية بين النقابة والحكومة، فشكلت تلك الحالة نموذجا متقدما من الممارسة الديمقراطية و بامتياز.

لمن لا يعلم فإن للديمقراطية أنياباً، وبالعادة تستخدم بها كافة الوسائل والأدوات المتاحة من قبل الأطراف، بما في ذلك استغلال الرأي العام، فنقابة المعلمين استطاعت أن تحشد تعاطف الرأي العام معها، مستغلة بذلك سلاح المكانة الإجتماعية لمهنة المعلم، وكذلك تدني رواتبهم، والظروف الصعبة التي يعيشونها، مستغلة أيضا النظرة النمطية للناس تجاه الحكومات بأنها لديها القدرة على الدفع، ولكنها لا ترغب بذلك. رغم تصريحات الحكومة المتكررة بعدم قدرتها على تلبية القيمة المالية المترتبة على تلك الزيادة، الإ في الحدود التي أعلنت عنها. فكانت سببا بأن تحظى هذه القضية باهتمامٍ كبيرٍ ومتابعة من قبل كافة وسائل التواصل الإجتماعي، و كذلك الإعلام المحلي والدولي، فزادتها تعقيدا وشكلت أزمة خانقة كان لها تداعيات سلبية على المسيرة التعليمية، لا سيما بعد لجوء الحكومة الى المحكمة الإدارية التي أصدرت قرارها بإلزامية عودة المعلمين والطلبة الى الغرف الصفية، وما اثاره ذلك القرار من جدلٍ قانونيٍ وتفسيرات فقهية. وبعيدا عن ذلك لقد أظهرت هذه الأزمة الأردن أمام المجتمع الدولي بوجه حضاريٍ وديمقراطي. وإن المتتبع للمواقع الإخبارية و وسائل التواصل الإجتماعي في الدول العربية وغيرها، يجد رغم الإختلاف في المواقف بين مؤيدٍ ورافضٍ للإضراب، أن هناك إعجاباً كبيراً، وكذلك أصبحت محلاً للمقارنة بين ماعندهم وما عندنا من ممارسة فعلية للديمقراطية. إذن المطلوب رغم المحنة التي نمر بها أن نتعلم ثقافة الإختلاف، وبما أننا قبلنا أن للمعلمين نقابة تمتلك أدوات ديمقراطية تمارس من خلالها ضغطا على الحكومة، أن نقبل أيضا أن للحكومة هي الاخرى وسائلها وأدواتها، تمارس من خلالها لعبة الديمقراطية. وليس كما يتصورها البعض معركة بين منتصر ومهزوم، أو قضية كرامة، ودون إتهامات وتخوين. وبالنتيجة الجميع يريد تحقيق المصلحة العامة، فإذا كانت النقابة مسؤولة عن تحقيق مصلحة متسبيها، فالحكومة مسؤولة هي أيضا عن تحقيق العدالة في الإنفاق العام، فموظفي الدولة ليسوا المعلمين فقط، وما بين الحكومة والنقابة الخاسر الأكبر هو الوطن والمواطن، فإذا كنت تريد ان تمارس لعبة الديمقراطية فلتعلم أن لها أنياباً.