د. فيصل غرايبة
بدأت تطرح على الساحة الفكرية الثقافية الاردنية، في خضم انشغالها بالهم الوطني واهتمامها بالشأن القومي مبادرات تعبر عن الوفاء للوطن والحرص على مستقبل اجياله، تلك التي يتمنى الشارع الشعبي العام ان تتكاثر وتتطور وتستمر، لما فيها من فائدة عمومية واغناء للذاكرة الوطنية واللغة المشتركة بين الناس، وهي تشكل استنارة اضافية للحصول على المعلومة القيمة او الفكرة الراشدة.
لعل في طليعة هذه المبادرات ذاك التبرع السخي بالمقتنيات الشخصية من كتب نفيسة ووثائق نادرة الى دائرة المكتبة الوطنية وما شابهها من مكتبات ومراكز، وثاني هذه المبادرات نشر المذكرات التي تعكس التجارب الشخصية والتفاعل السياسي الثقافي الاقتصادي في حركة الدولة والمجتمع على مدى واسع من السنين، وثالث هذه المبادرات هي عندما تلبي شخصيات عامة دعوات المنتديات والمنابر والروابط، لتتحدث عن آفاق المستقبل بالاستفادة من التجربة الشخصية الثرية والممارسة الفاعلة للمسؤولية.
يضاف الى هذه المبادرات ما يؤلف من كتب عن رجالات الرعيل الأول الذين بذلوا قصارى جهودهم، وقدموا عصارة تفكيرهم، وبما يملكونه من ارادة قوية وعزم أكيد، لتطوير المجتمع وتقدم الوطن، لا بل وايضا من اجل استقلال البلاد وحرية الشعب في مراحل سابقة، وعند مفاصل مهمة في المسيرة الوطنية والقومية الصادقة، ولم يكتب لهم ان يكتبوا، ولم يكن بالامكان ان يوثقوا ويحفظوا ذخائر افعالهم ومساهماتهم وانتاجهم، فيبادر الابناء او الاحفاد او الآخرين من الباحثين وارباب القلم واصحاب الكلمة للحديث عنهم وتوثيق سير حيواتهم المنتجة المجيدة.
أجدد الدعوة للآخرين من امثالهم وأقول: ان من المأمول ان لا يتردد الآخرون عن الاقدام على فعل مبادرات من هذا النوع أو ذاك، وان لا يحجموا عن فعل مثل هذا الخير من اجل الآخرين، لتسجل في سجل حسناتهم ولتبقى صدقة جارية لهم وتبقى في ذاكرة الأجيال، وتشكل علما ينتفع به، فهم يقرأون هذه الكتب ويبحثون في تلك السير ويتمعنون في الأفكار ويجادلون في الآراء، وسيكون في ذلك فائدة للباحث وتوجيه للطالب وارشاد للشاب وتوعية للفتاة وامتاع للمتقاعد، فضلا عن انه سيكون رصيدا معرفيا بما يفيد رؤى البلاد ونظرتها التنموية وخطواتها الاصلاحية، ويكون رافدا للامكانيات والاستراتيجيات الموضوعة لبناء الوطن وتأمين مستقبله الأقدر على مواكبة العصر والتكيف مع المستجدات ومواجهة التحديات.
ولا نجد من السليم ولا الصواب، وليس من اللائق ايضا، ان تفسر مثل تلك المبادرات، سواء كانت تبرعا بمكتبة عامرة او تأليفا لكتاب زاخر او القاء لمحاضرة عامة، بانها بقصد بناء مجد شخصي، او بهدف تلميع صور اصحابها، او بنية التذكير بادوارهم او التذكير باشخاصهم، لاغراض اعلامية بحتة او سمعة اجتماعية خاصة، او تأكيد للذات.