كتاب

تعديل قانون المالكين والمستأجرين والعدالة الاجتماعية

تدور في الآونة الاخيرة جهود تبنتها بعض الجهات الوطنية حول تعديل قانون المالكين والمستأجرين ومنها نواب غرفة تجارة عمان بحيث يتم تثبيت اجور العقارات المستأجرة لمدة عشر سنوات حفاظا على مصلحة التجار ومنع استغلالهم من قبل المالكين. ولشدة تشعب هذا الموضوع الشائك فلا بد لنا عند مناقشته من دراسة كافة الجوانب المحيطة به وتحري العدالة والموضوعية تجاه المالك والمستأجر ودراسة أثر التعديلات على الجهتين في ضوء الكثير من الثوابت والاعتبارات الدستورية والقانونية والشرعية والاجتماعية والاقتصادية ومنها:

أن العدالة التي ضمنها الدستور لكافة فئات الشعب الاردني تقتضي ان تتم معالجة قانون المالكين والمستأجرين بطريقة عادلة تأخذ بالاعتبار حقوق الطرفين المالك والمستأجر فالطرفان جزء من الشعب الاردني وكذلك الطرفان جزء من تجار الاردن.

ان ما يمليه علينا ديننا الحنيف هو عدم اجحاف المؤجر بفرض أجرة تعسفية لعقاره تقل عن أجر المثل العادل وتصادر حقه الشرعي في الحصول على ذلك الاجر.

الاقتصاد الاردني هو اقتصاد حر خاضع لمنافسة السوق وليس اقتصادا اشتراكيا ولا شيوعيا تتدخل فيه الدولة بفرض أجور عناصر الانتاج بما فيها ايجارات العقار او اسعار السلع والخدمات التي يتداولها التجار

العقد هو شريعة المتعاقدين حيث يقوم المالك والمستأجر بالتفاوض بكامل حريتهم لوضع شروط العقد دون أية تدخلات من جهات اخرى.

ان التدخل الحكومي في تحديد أجور العقار أو تحديد الزيادة فيها أمر قد يضر بالقطاع العقاري ويؤدي الى احجام المستثمرين من التوجه اليه.

ومن الحقائق التاريخية إن قوانين المالكين والمستأجرين القديمة لم تنصف فئة المالكين لفترة استمرت لاكثر من خمسين عاما من خلال تثبيت أجرة العقار فاصبحت أجور كثير من العقارات تقل عن الـ 10% من قيمة أجرتها العادلة، وكرست تلك القوانين عدم قدرة المالك إخلاء الماجور بعد انتهاء فترة العقد ولمدى الحياة مما يعني تملك العقار من قبل المستأجر ومن دون وجه حق وعدم دفع الاجرة العادلة في آن واحد، و كرس ذلك في قانون رقم 11 لسنة 1994 وكذلك في قانون رقم 30 لسنة 2000 وفي القانون المعدل رقم 17 لسنة 2009 الذي أقر الزيادة التدريجية في أجور العقار بنسب تتراوح بين 1و5% والتعديلات التي جاءت بعدها مثل قانون رقم 22 لسنة 2011، حيث كرست تلك القوانين الاجحاف بحق المالكين، لدرجة ان كثيرا من المالكين غادروا هذه الحياة وهم ينتظرون الوعود بتحرير عقاراتهم المستملكة من قبل المستأجرين او الحصول على الاجرة العادلة دون جدوى. ولا نستطيع ان ننكر أن المالك هو فئة من فئات هذا الشعب وله حقوق وعليه التزامات مالية تجاه الاخرين وهو من تحمل خلال الخمسين سنة الماضية عبء عدم زيادة اجور العقار وقد يكون المالك في كثير من الاحيان الحلقة الاضعف وافقر من المستأجر، حيث نجد الآن أن هناك كثير من الشركات الكبرى تدفع نسبة قليلة من الاجرة العادلة لاصحاب العقار الفقراء والمعوزين (لعقود قبل عام 2000) والذين هم اولى ان يحصلوا على حقهم في أجرة عقارهم العادلة.

كما لا بد من النظر الى هوية الاقتصاد الاردني الذي هو اقتصاد حر خاضع لمنافسة السوق وليس اقتصادا اشتراكيا ولا شيوعيا تتدخل فيه الدولة بفرض اجور عناصر الانتاج بما فيها ايجارات العقار، فالايجارات خاضعة للعرض والطلب، فالاجرة العادلة يقوم السوق بتحديدها بناء على مدى توفر ذلك العقار وحجم العرض منه والطلب علي، والمنافسة في سوق العقار هي من سيضمن وجود سعر عادل للاجور العقارية.

وكذلك الامر بالنسبة لغالبية السلع والخدمات المقدمة من قبل التجار في الاسواق الاردنية حيث لا تفرض الحكومة على التجار عدم رفع الاسعار لمدة عدة سنوات كما يطالب البعض بفرض ذلك على مالكي العقار، والسؤال الذي يطرح نفسه هنا هل من العدل والمعقول ان يفرض على فئة المالكين عدم رفع الاسعار لمدة خمس سنوات او عشر سنوات بينما يمتلك جميع التجار والمصنعين حق رفع الاسعار، وهل يكون المالك وحده هو كبش الفداء لكبح جماح ارتفاع الاسعار ويتآكل دخله بشكل كبير خلال فترة تثبيت أجرة العقار ام يجب ان تسود تلك القاعدة جميع القطاعات من باب العدالة التشريعية والاجتماعية ؟ فأن لم يمكن تعميم ذلك ممكنا على الجميع فمن باب اولى ترك آلية السوق والمنافسة تعمل فهي كفيلة بتخفيض الاسعار ورفع جودة الانتاج واخراج المؤسسات غير الكفؤة والاستغلالية خارج السوق بما في ذلك السوق العقاري.

يعتبر العقد في معظم دول العالم المتقدمة والناشئة والتي حققت تقدما اقتصاديا شريعة المتعاقدين حيث يقوم المالك والمستأجر بالتفاوض بكل حرية لوضع شروط العقد فلا يستطيع المالك اجبار المستاجر على شروط تعسفية او مدد قصيرة ولا يستطيع المستأجر فرض شروط مجحفة بحق المالك بوضع مدد طويلة جدا دون زيادة الاجرة بعد فترات محددة او تجديد العقد تلقائيا ولمدى الحياة على نفس الاجرة وانما يأتي العقد كنتيجة للتفاوض بين المالك والمستاجر دون اي تأثير خارجي او تدخل حكومي جبري يخل بمعادلة العدل والتوازن في عقد الايجار بين المالك والمستاجر

كما ان التدخل الحكومي في تحديد أجور العقار او تحديد الزيادة فيها سوف يضر بالقطاع العقاري ويؤدي الى احجام المستثمرين عن التوجه للقطاع العقاري الذي يعتبر قطاعا حيويا مرتبطا بكافة القطاعات ويؤدي الى تراجع هذا القطاع وسوف ينعكس سلبا على الناتج المحلي الاجمالي وسوف يرى الكثير من المستثمرين ان فرص الاستثمار العقاري في دول اخرى حيث العقد شريعة المتعاقدين اكثر جدوى حيث الاسواق العقارية الحره دون تدخل حكومي وسوف يخسر الاردن الكثير من رؤوس الاموال التي سوف تغادره للاستثمار في الخارج.

وفيما يتعلق بموضوع خلو المحل والشهرة ولانصاف المالك والمستأجر فلا بد من النظر الى المبلغ المستثمر من قبل الطرفين، فلولا عقار المالك الذي كلفه عدة ملايين لما قام مشروع المستأجر لذلك فان اعادة بيع المأجور للغير هو قرار يمس المالك والمستأجر من الناحية القانونية والمالية وذلك لان المالك والمستاجر قاما بالاستثمار في المحل المراد بيعه، فعلا سبيل المثال اذا كانت قيمة محل تجاري مئتي الف ديناردفعت من قبل المالك، وان المستأجر قام بالاستثمار في الديكور والتجهيزات (بعد تنزيل الاستهلاك) بمئة الف دينار وحقق شهرة للمحل بعد عدة سنوات قدرت بمئة الف دينار فان المالك والمستأجر مستثمران في المحل المراد بيعه بنفس المبالغ لذلك يتقاسمان خلو بيع المحل، وهكذا يتم توزيع الخلو بين المالك والمستاجر بناء على المبلغ المستثمر من كل منهما.

وفيما يتعلق بفقراء المستأجرين وخصوصا في العقارات السكنية فأن دعم هؤلاء هو واجب وطني، من خلال انشاء صندوق لدعم فقراء المستأجرين تتحمل نصفه الحكومة من الموازنة العامة والنصف الاخر يتحمله المالكون وكبار المستأجرين الذي تزيد عقود ايجارهم عن عشرة الاف دينار من خلال آلية معينة يتم وضعها بوضوح لدعم الصندوق الذي تكون مهمته دعم فقراء المستأجرين حصرا من خلال دفع الفرق بين الاجرة العادلة للشقق السكنية والاجرة المتدنية المفروضة في القانون وبهذه الحالة يتم دعم فقراء المستأجرين في نفس الوقت الذي يتم فيه انصاف المالكين بحصولهم على الاجر العادل لعقاراتهم ورفع الظلم الواقع عليهم.

أن الاخذ بالمسائل الواردة أعلاه عند تعديل قانون المالكين والمستأجرين هو أمر ضروري وهناك ثوابت يجب ان لا نتجاوزها حفاظا على المصلحة الوطنية لجميع المواطنين وبكافة فئاتهم تحقيقا للعدالة الاجتماعية والمصلحة الوطنية والاقتصادية.

خبير مالي - محاضر سابق قسم التمويل الجامعة الاردنية