أشرت في مقالين سابقين كيف استطاع الغزو الثقافي أن يحول رمضان والعيد عند شرائح من الناس إلى مجرد طقسين اجتماعيين، تمارس خلالهما الكثير من السلوكيات التي تتناقض مع مقاصد الشارع، وهي نتيجة لم يتوصل إليها دهاقنة الغزو الفكري بسهولة بل بالتدريج ووفق مخطط مدروس، نفذ على سنوات، ولعب الإعلام الخبيث دوراً كبيراً في تنفيذه.
المرحلة الأولى من دور الإعلام في تنفيذ هذا المخطط كانت في تحويل رمضان إلى موسم للسباق الدرامي، الذي يجذب المشاهدين على مدار ساعات اليوم لمشاهدة المسلسلات التي لم يعد ينافسها على وقت الناس خلال رمضان إلا برامج الطبخ، التي تتكثف في رمضان وترسخ في أذهان الناس أنه شهر الشراهة في الأكل، مع أن المقصود من رمضان على النقيض من ذلك تماماً.
كلاهما الدراما وبرامج الطبخ تعاضدا لإشغال الناس عن التأمل في المعاني الحقيقية لرمضان، ومن ثم في زرع معاني مضادة، وقد تم ذلك أيضاً على مراحل ففي البداية كانت مسلسلات رمضان ذات طبيعة تاريخية، حتى إذا ما أدمنا الجلوس أمام الشاشات في رمضان، وصار ذلك طقساً رمضانياً يتبادل الناس الآراء والأحاديث حولها،غابت المسلسلات التاريخية عن الشاشات لتحل محلها مسلسلات هدفها الرئيس تدمير منظومة القيم والأخلاق، التي تدخل في باب مكارم الأخلاق التي بُعث رسولنا لإتمامها لتحل محلها قيم السقوط التي يمارسها السفلة، وكأنها هي قيم مجتمعنا، ولعل في الكثير من مسلسلات هذا العام برهاناً أكيداً على أهداف الغزو الثقافي تمزيق مجتمعنا وتدمير بقايا منظومتنا الأخلاقية والقيمية عن سبق إصرار، من ذلك على سبيل المثال مايلي:
• هل صدفة أن تعرض الشاشات العربية أكثر من مسلسل يشككنا بكل علاقاتنا الأسرية والاجتماعية، وهي تعرض لنا كيف يمارس الأزواج خيانة بعضهما ويغض كل منهما النظر عن الآخر، ويضحيان في سبيل ذلك بأبنائهما؟
• هل صدفة أن يكون هناك أكثر من مسلسل في رمضان يخون به الأب ابنه مع زوجته، ويتحرش الأخ بزوجة أخيه، وتخون الزوجة زوجها مع أقرب أصدقائه؟
• هل صدفة أن تعرض شاشاتنا أكثر من مسلسل تمجد حياة «المنحرفات» اللواتي يتسابق الرجال على الزواج منهن، وهم يعلمون أنهن على علاقات مع آخرين،ومع ذلك يصبحن هنا المتحكمات في بيوتات علية القوم؟
• هل صدفة أن تعرض شاشاتنا سيلاً من المسلسلات التي تجعل الحصول على المال وبأي طريقة هو الهدف الأسمى للناس، من أجلها يتم الزواج من المنحرفة، ويقتل الأب ابنه، وتخون الزوجة زوجها، ويتخلى الأبوان عن أبنائهما؟
والسؤال الأهم هو ما هو الهدف من هذا الكم الهائل من الأعمال الدرامية، التي تكرس الرذيلة والجريمة والعنف، ولمصلحة من يتم تحويل شهر رمضان من موسم عبادة إلى موسم لتدمير القيم؟ وإلى اين سيقودنا شياطين الغزو الثقافي من خلال الإعلام الخبيث؟ جملة أسئلة نضعها أمام الجميع علنا نتكاتف لمنع المزيد من الإنهيارالأخلاقي الذي يفتك بنا.
Bilal.tall@yahoo.com
مواضيع ذات صلة