كتاب

قلم ورصاص

في البداية أستميح عذراً من الكاتب والصحفي المصري الكبير حمدي قنديل رحمه الله باستخدم عنوان برنامجه الشهير «قلم رصاص». والواقع أن ما جذبني لاستعارة هذا العنوان (قلم ورصاص)، كتعبير مجازٍ للحديث عن الحالة التي نعيشها في إعلامنا بأشكاله المختلفة.

لم يعد الرصاص الذي يخرج من السلاح يشكل خطراً على حياة الناس، فقلم الرصاص أصبح حاله حال رصاص السلاح، فكلاهما عندما يصيب الهدف إما يقتل أو يجرح. وإذا كان مستخدمه ممن ليس لديه الخبرة و المعرفة الكافية فإنه لا محالة من أن يؤذي نفسه أو يصيب الاخرين بمقتل.

لقد أتاحت وسائل التواصل الاجتماعي المجال أمام الجميع لاستخدام القلم والرصاص للتعبير عن آرائهم ومواقفهم الشخصية دون ضوابط مهنية أو معرفية لا فرق بين متخصص وعامي وما بين متعلم وجاهل، فلم تعد وسائل الكتابة والتعبير مقتصرة على الكتاب والصحفيين والإعلاميين، كما كان الحال في السابق. فالكل يدلي بدلوه على حدٍ سواء، فانتشر الرصاص من كل حدب وصوب فأصبحت وسائل التواصل الإجتماعي وسيلةً للتشويق والإثارة ونشر الاشاعات و تصفية الحسابات و اغتيال الشخصية والإساءة للناس. بل إن الكثير من الناس إما أنها لا تفرق بين معنى حرية التعبير و الإساءة، وإما ليس لديها الرغبة في ضبط ما تقوله كوسيلة لإثبات الوجود أو للتعبير و التنفيس عن غضبها دون أية مساءلة. فإذا ذممت أو انتقدت الحكومة أو اشخاصها فأنت وطني وبطل، وإذا مدحت أو أثنيت عليهم فأنت منافق و(سحيج) حتى وإن كنت تقول كلمة الحق.

لقد أسهمت طبيعة شخصية المواطن الأردني الجادة، إضافة إلى الظروف الاقتصادية الصعبة التي نعيشها في التأثير بشكلٍ كبيرٍٍ على أفكاره وآرائه فأصبح أكثر ميولاً للنقد والتشكيك والسخرية، يبحث عن أية أخبارٍ فيها إثارة ويبدأ بنشرها وترويجها بين معارفه باعتباره «مرجعية» تعرف كل ما يدور من حولنا من أحداث، فأصبح الخبر المنشور مثل كرة الثلج كلما زاد تداوله بين الناس زاد حجمه ومساحته وكثر ابطاله وكثرت ضحاياه.

لقد أصبحت الفوضى التي تمارس عبر وسائل التواصل الاجتماعي أمراً يؤرق الجميع، فهي تطال من هم في السلطة أو خارجها دون استثناء، تمس خصوصيات الناس في أخلاقهم وأعراضهم دون تمييز، هذه الحالة سوف تستمر طالما هناك جهل كبير في فهم حرية التعبير وبالقوانين المجرمة لأفعالهم دون الاهتمام بالعواقب الاجتماعية التي تنتج عن تلك التصرفات، فسوء النية والأحكام المسبقة مبيتة مسبقاً، فعندما تصل الأمور الى هذا الحد من الاستهزاء والتراخي، فلا بد من العمل على مزيد من الجهد لنشر الوعي المعرفي بخطورة ما وصلنا إليه، فالرصاص عندما يتطاير لا يفرق بين متهم وبريء، فما بالك عندما يكون الرصاص مصوبا بدقة، والوقاية خيرٌ من العلاج..