بلال حسن التل
تصادف اليوم الذكرى الثانية عشرة, لوفاة قائد تاريخي بايعه على السمع والطاعة رجال استعصوا على دول, من أمثال عبدالله عزام, الشيخ أحمد ياسين, عبد العزيز الرنتيسي, خالد مشعل واسماعيل هنية, فقد كان هؤلاء جميعاً من جنوده, مثلما كان من جنوده ساسة كبار كإسحق الفرحان, وعبداللطيف عربيات ويوسف العظم, وآخرين من الذين عملوا تحت إمرة محمد عبد الرحمن خليفة, الذي نحيي اليوم ذكرى وفاته, وكلنا حزن على ضياع الإرث, الذي تركه, فالجماعة الواحدة في ظله صارت من بعده جماعات وجمعيات وشيعاً وأحزاباً, يقول بعضها في بعضها الآخر مالم يقله مالك في الخمر.
نعم رحل إلى خالقه المرحوم محمد عبد الرحمن خليفه, الرجل الذي يسجل له أنه صاحب أطول فترة زمنية بتحمل المسؤولية في تاريخ الإخوان المسلمين, ليس على مستوى الأردن بل على مستوى العالم كله, فلم يسجل لقائد من قادة الإخوان أنه ظل في موقعه القيادي لفترة زمنية طويلة مثلما ظل محمد عبد الرحمن خليفه, الذي قاربت مدة قيادته النصف قرن, نقل خلالها الجماعة من مفهوم العمل الخيري إلى مفهوم العمل المجتمعي الشامل, فصارت من أهم مكونات الحياة السياسية والتربوية والفكرية والاقتصادية في الأردن, بل إن الرجل تجاوز بها المحلية إلى العالمية, لذلك لم يكن غريباً أن يشغل أبو ماجد موقع نائب المرشد العام في التنظيم الدولي للإخوان المسلمين, أي أنه كان الرجل الثاني على المستوى العالمي, ولولا ظروف بعينها لكان هو الرجل الأول نظرياً, مثلما كان كذلك عملياً, بحكم وجود المرشد في السجن معظم الوقت. ولذلك لم يكن غريباً أن يصبح المقر العام للجماعة في عمان ملتقى لقادة العمل الإسلامي على مستوى العالم, فإلى هذا المقر حج حسن الهضيبي المرشد العام الثاني للجماعة, وكذلك فعل أبو الأعلى المودودي زعيم الجماعة الإسلامية في باكستان, وهو من هو في باكستان وفي تأثيره على الفكر الاسلامي المعاصر على مستوى العالم, وكذلك فعل الثائر الإيراني نواب صفوي, ومحي الدين القليبي, وعلال الفاسي, وسيد قطب, مما يؤشر على أهمية محمد عبد الرحمن خليفه من جهة, وعلى تسامح الدولة الأردنية مع العمل الإسلامي, عندما يظل في إطار سماحة الاسلام ووسطيته اللتين حافظ عليهما الراحل محمد عبد الرحمن خليفه.
ومحمد عبد الرحمن خليفه المعتدل والوسطي في الدعوة إلى الله, وفي علاقته مع كل أطياف مجتمعه, هو نفسه الثائر المتطرف في وجه العدو, حيثما تعرضت أرض الأمة لعدوان, لذلك ظل قلبه معلقا بالقدس, التي شكل لجنة لإنقاذها عام 1968, ثم رعى وحمى حماس عند قيامها, وهذا هو سر المعادلة الذي امتلكه محمد عبد الرحمن خليفه, فهو مع الوطن مسالماً داعياً إلى التآلف والمشاركة السياسية, حيث خاض الانتخابات البرلمانية بنفسه وفاز فيها, وكان صاحب أثر كبير عندما اتخذ القرار التاريخي بخوض الإخوان المسلمين للانتخابات البرلمانية عام 1989, حيث قدم نواب الإخوان في ذلك البرلمان نموذجاً يحتذى في الأداء البرلماني, كان المرحوم هو ضابط الإيقاع الحقيقي له, كما كان ضابط الإيقاع لكل مكونات الجماعة, فقد استطاع بحزمه عندما يحتاج الأمر إلى حزم, وبلينة إذا احتاج الأمر إلى لين, أن يجمع كل أبناء الجماعة تحت عباءته, وفي صف واحد, شيباً وشباباً, رجالاً ونساءً دون أن ينظر إلى الأصول والمنابت, وهو أمر لم يستطع بعض الذين جاءوا من بعده الحفاظ عليه. فتفرقت الجماعة شذر مذر, بسبب ضيق أفق بعض من تولى أمرها في السنوات الأخيرة, لعدم قدرتهم على استيعاب التنوع في الآراء من جهة, ولأن الغرور صور لبعضهم أنه أكبر من الوطن الذي رعاه وحماه, فحاول أن يرفع عصاه في وجه هذا الوطن.
رحل محمد عبد الرحمن خليفه عن حياة حافلة, لم تكن كلها زهورا, فقد عرف السجن ومرارته, مثلما عرف الهروب إلى خارج الوطن, لكنه في كل الأحوال ظل وفياً لوطنه, لا يذكر إلا محاسنه وفضله خاصة على العمل الاسلامي عموماً, وعلى جماعة الإخوان المسلمين خصوصاً, فإلى رحمة الله يا أبا ماجد.