أبواب

صراع الأجيال .. بين الآباء والأبناء !

يُعرّف صراع الأجيال عند علماءِ التربية والاجتماع وعلم النفس؛ أنه الإختلافُ في الرؤى بين الجيلين ، جيل الشباب وجيل الكبار، واضطرابُ العَلاقة بين الآباء والأبناء، وتأزُّمها؛ فالأبناء يتَّهِمون الآباء بأنهم لا يَفهَمون، وأنهم متأخِّرون عن إيقاع العصر، ويَصِفونَهم بالمتزمِّتين والمتشددين ، بينما يتَّهِم الآباءُ الأبناءَ بأنهم لا يَحتَرِمون القِيَم، ولا العادات، ولا التقاليد، وهم قليلو الخبرةِ، ولا يَحتَرِمون آراءَ وخبرة الكبار.

يقول منذر حسني 17 عاماً :»أنا أخفي أموراً كثيرة عن أهلي لأنهم لا يفهمونها ولن يتجاوبوا معها ، فكل شيء يجب أن يكون من إختيارهم وذوقهم ، سواء طعام أو لباس أو نظام حياة ، فهم لا يفهمونني أبداً ولا يفهمون طبيعة الحياة الجديدة التي تختلف عن حياتهم القديمة «. يوضح والد منذر قائلاً :» الجيل الجديد لا يفهم ما نحاول أن نربيهم عليه من عادات وتقاليد ورثناها عن أجدادنا وتربينا عليها ، ويتبعون الحياة الجديدة والحياة الإلكترونية المعاصرة التي لا تجعل منهم سوى أشخاص لا يحترمون رأي الكبار وكل شيء نقوله يعتبرونه خاطئا ولا يأخذ ونه بعين الإعتبار «.

ويرى أخصائي علم الإجتماع الدكتور فيصل الغرايبة أن :» صراع الأجيال ينطوي على تناقض الأراء وتنافر التصرفات بين جيلين ، وهو الأمر الذي ازداد حدة في العصر الحديث سواء في المجتمع الأردني أو العربي أو العالمي ككل ،هذا الصراع الذي ينتج حالة من الإعتراض لدى الصغار من الأبناء والبنات تجاه ما يتصرف به الأباء والأمهات أو ما يطلبونه منهم أو حتى ما يقدمونه لهم من مال أو ألبسة أو أية مقتنيات أخرى خاصة بهؤلاء الأبناء «.

ويضيف :»يعترض الأبناء بذوق جديد مخالف على ما لدى الآباء ،ويتفقون مع توجهات وأذواق أبناء الجيل الجديد المعاصر ، ويبررون ذلك بأنهم يعيشون في عصرهم وأن الآباء والأمهات ما زالوا متحجرين أو متقيدين بأفكار قديمة وتصرفات تقليدية عفى عنها الزمن وولت إلى غير رجعة حسب وجهة نظر الأبناء ، وهم يطالبون في هذه الحالة أن لا يفرض عليهم أي من أنواع الألبسة أو أنماط التصرفات أو تبدي للأراء والأفكار التي يحبذها الأباء والأمهات ، والواقع أن هذا الأمر موجود عبر المجتمعات وعبر الأجيال ولكنه يزداد حدة الآن بحكم اتساع رقعة الإطلاع لدى أبناء الجيل الجديد وانتشار الأنماط الجديدة من التصرفات والمواقف المستجدة حتى ولو كانت خارج مجتمعاتنا وخارج تقاليدنا وأعرافنا وعاداتنا ، حتى أنها لربما تخالف عقيدتتنا وديننا وقواعد سلوكنا ولربما تأتي من اصقاع مختلفة بعيدة كل البعد عن بلادنا ومنطقتنا وثقافتنا بطبيعة الحال» .

ولعلاج ظاهرة تناقض الآراء المتأصلة والمزمنة في إطار صراع الأجيال يبين غرايبة :» لا نقوى إلا أن نقترح حلولاً ناجعة واضحة محددة وفعالة لأن هذا الأمر لا يأتي من قبيل المشكلات ولا السلبيات ولا مآزق الحياة ومواقفها السالبة إنما يأتي من طبيعة الأشياء والمستجدات والتطورات التي تحصل في المجتمعات البشرية في مختلف المناطق والأنحاء من هذا المجتمع المعاصر ،ولكننا يمكن أن نقترح وخاصة من خلال وسائل الإعلام والإتصال الجماهيري المختلفة وخاصة الإلكترونية المتطورة منها والتي أصبحت متاحة لأبناء الجيل الجديد وتستقطب نظرهم وإهتمامهم باستمرار، وتلاقي منهم كبير الأثر والتجاوب بأن يرسلوا رسالات قصيرة ولكن عميقة إلى أبناء الجيل الجديد بأن يعملوا على التوفيق بين اتجاهاتهم الشخصية وتقاليد واعراف وعادات مجتمعهم ، وأن يحرصوا على إرضاء الآباء والأمهات ويدركوا بأن كل تصرف من آبائهم ما هو إلى لمصلحتهم ولتحقيق رغباتهم وتلبية إحتياجاتهم ولكن بحرص شديد وبعقلية مختلفة نوع ما عن ما يفكرون به ويتذوقونه ، وما هي إلا نقطة إلتقاء بين موقف الكبار وموقف الصغار وبشيء من التنازلات من قبل كل طرف منهما حتى يحل التجاوب والتفاهم والرضى من كلا الطرفين ومن قبل كل طرف إتجاه الآخر» . ووفقاً لما تقوله التربوية المتخصصة في مجال الإرشاد والصحة النفسية نجوى حرز الله فإن :» كثيرا من الأهالي يشكون من سلوكيات أبنائهم يوماً بعد يوم فكل جيل يختلف عن الجيل الذي قبله ،وشكوى الأهل تصب في رفض الأبناء لأسلوب الحياة التي يمارسها الأب والأم من طعام ولباس وألعاب وأماكن الخروج ، حتى رفضهم للبيت الذي يقطنونه ومبرر ذلك هو مجاراة العصر «.

وتبين حرز الله أسباب تمرد الأبناء بأنها:» بداية العولمة التي أصبحت تسيطر على عقول أبنائنا بطريقة سلبية للأسف بحيث يتم عرض الطعام أو اللباس بطريقة مختلفة تماماً عن تقديمه وعرضه عند الأهل لأن التغيير أصبح يحدث بكل سهولة في حياة أبنائنا ، عدا عن حياة الآخرين وسلوكهم الذي أثر على تفكير أبنائنا وأصبح يطبق على شكل سلوك فمثلاً صديقي لديهم بيت مستقل ونحن في شقة قديمة ، أوصديقتي تحمل هاتفا متطورا وأنا لا أحمله ،فهذه المقارنات تؤثر بطريقة واضحة على سلوك أبنائنا ورفضهم لواقع أبائهم «.

وأضافت :» بالإضافة إلى أسلوب الدلال والتهاون في الرفض فمن المفترض على الأهل منذ الطفولة عدم تلبية حاجات الأطفال طالما الحاجة الأساسية تمت تلبيتها ، فبعض الأبناء يرفضون اللباس الذي يفرض من قبل الأهل وفي هذه الحالة على الأهل الأخذ برأي الأبناء حتى يكون اللباس من اختيارهم فلا يرفضونه، وهذا يؤكد على ضرورة الأخذ بالرأي لأن هذا الأمر يخصه هو ،ووحده من يختار ما يناسبه في حياته ولكن على الأهل وضع حدود للإختيار بحيث يقال له (لك حد معين من النقود لتقوم بالشراء ) ويعرف بأنه لن يختار الأشياء ذات القيمة العالية» .

وترى حرز الله أنه:» على الأهل أن يكونوا واقعيين مع أبنائهم بحيث يبرر للأولاد سبب عدم تلبية بعض متطلباتهم لعدم القدرة المادية أو لتعب الأم والأب بالخروج لتلبية المتطلبات ، ويجب أن يكون الأهل نموذجاً أمام أبنائهم بتقبل ما يقدم لهم ومعرفة قيمة الأشياء التي يمتلكونها ، ووضع حدود لتوقعات الأبناء بحيث يتمرد الأبناء على اشياء ذات قيمة عالية وعلى الأهل منذ البداية أن يكونوا حازمين في حدود توقعات ابنائهم التي مجرد التفكير بها تتعب الأهل وعند التطبيق تعتبر مرهقة أكثر وأكثر ، وعلى الأهل أن يكونوا حازمين عند رفض الأبناء للواقع الذي يعيشونه».

تؤكد بعض الدراسات الاجتماعية أن الفجوة العمرية أكثر الفجوات التي تؤثر في العلاقة بين الآباء والابناء، بقدر ما يتسع ويبتعد الزمن الذي عاش فيه الآباء عن زمن الأبناء كلما زادت هذه الفجوة واتسعت، حيث لكل زمان عاداته وتقاليده وأفكاره والتي تختلف كلياً وجزئياً عن أي زمان آخر وبالتالي تضيق مساحة الالتقاء الفكري والثقافي واللغوي. وتشير هذه الدراسات إلى أن الاختلاف الكبير في الأعمار بين الآباء والأبناء يؤدي الى تباعد التقارب في الثقافات والعادات والتقاليد والأفكار، بسبب مدخلات العصر الحديث بين الجيلين ما ساعد على بُروزٍ أكبر لمشكلة الفجوة بينهم.