عمان- عبدالحكيم القرالة وتالا أيوب وخوله أبو قورة
يخرج أحمد الأحمد (13عاما) من بيته يحمل حلمه وامله واوراقه، يسير نحو مدرسته متحمسا لينهل من علم يحقق احلامه، يصل الى طابوره الصباحي عندها تتملكه صدمة الواقع اليومي الذي يعيشه، ويتملكه الضجر والكدر، في ظل ضوضاء وفوضى تعم المكان.
يدخل الى غرفته الصفية يضع يديه على خده، يحاول ان يركز سمعه عله يستفيد من معلومة تعينه على تحسين تحصيله الدراسي، تهزمه الضوضاء، وتعاكسه الفوضى، فيخرج من حصته خالي الوفاض.
يعود احمد أدراجه الى بيته يجر معه خيبته وحزنه، عله يعود غدا وقد تغير حال مدرسته الى الافضل في ظل معاناة يومية تضرب مستقبله واقرانه في الخاصر.
حال أحمد كحال الكثيرين من أقرانه في المدارس الحكومية، يفتقدون الاجواء الدراسية المثالية التي توفر لهم بيئة اكاديمية فضلى تنعكس ايجابا على تحصيلهم الدراسي والعلمي لوجودهم في مدرسة تعاني من اكتظاظ اعداد الطلبة بشكل كبير ،الى حد يتجاوز امكانات المدرسة والغرف الصفية.
مدرسة تستقبل اضعاف سعتها الطبيعية والمقررة لها عنوة لظروف متعددة ساهمت في استقبال ضعف طاقتها الاستيعابية ما خلق حالة من الاجواء الاكاديمية غير الصحية.
ويقر تربويون واخصائيون نفسيون بحجم التحديات التي يخلقها الاكتظاظ المدرسي وانعكاساتها السلبية على طرفي المعادلة التعليمية (المعلم والطالب) ما يؤثر سلبا على العملية التعليمية برمتها وعلى التحصيل الدراسي للطلبة على وجه الخصوص.
وبالرغم من دعم الجهات المانحة لقطاع التعليم خصوصا الدعم الذي يقدمه الاتحاد الاوروبي، الا ان التحديات الكبيرة ما زالت تواجه مدارسنا الحكومية بما يخص اكتظاظ عدد كبير فيها لاسباب متعددة جعلت من المعاناة مستمرة.
من هنا ، فان التحديات والاسباب التي اوصلت مدارسنا الحكومية الى هذا الحال ،كانت اكبر من الدعم والمنح المقدمة من مختلف الجهات الدولية ،في ظل موجات اللجوء الكبيرة التي استقبلها الاردن خصوصا من اللاجئين السوريين.
معاناة الطلبة على أرض الواقع
قضت «الرأي» سحابة يوم في مدرسة احمد الحكومية في العاصمة عمان وجالت في ارجائها وعايشت معاناة الطلبة في ظل الاكتظاظ الكبير للطلبة الذي تعاني منه المدرسة وغيرها من المدارس.
الطالب في الصف الثامن احمد الاحمد تحدث عن التحديات والصعوبات التي تواجهه، حيث تشهد الغرفة الصفية فوضى وعدم انضباط نظراً للعدد الكبير والذي يصل الى 48 طالباً الامر الذي لا يسمح للمعلم بضبط الطلبة والسيطرة عليهم.
ويشير الى وجود عدد كبير من المقاعد الدراسية تتسبب بإعاقة الحركة ، فضلا عن جلوس ثلاثة طلبة في المقعد الواحد ،الامر الذي يسهم في صعوبة في الحركة والكتابة، لافتا الى انه يجلس في احد المقاعد الخلفية حيث يجد صعوبة في قراءة ما يكتب على اللوح.
بدوره، يلفت حمزه الاسمر من الصف الثامن الى قلة عدد المعلمين الذين يدرسونهم خصوصا معلم لمادة الرياضيات ،اضافة الى تغيير معلم اللغة الانجليزية كل فترة ،مشيرا في الوقت ذاته الى عدم وجود «مربي صف».
ويوافق ابراهيم طرخان – طالب انتقل من مدرسة خاصة الى حكومية- ،الاسمر، الرأي بأن تغيير المعلمين بين الفترة والاخرى يخلق حالة من التشتت لدى الطلاب اذ لكل معلم منهم اسلوبه الخاص في التدريس ، وعند تغييره يعودون الى نقطة الصفر.
ويرى « ان الاجواء الدراسية اختلفت كثيرا عما كانت عليه في مدرسته القديمة «الخاصة» حيث ان العلاقات الطلابية تختلف كثيرا ما بين المدارس الحكومية والخاصة ، والتي تعود اسبابها الى العدد الكبير في اعداد الطلبة في المدارس.
محافظة: جهود متواصلة لتجاوز التحدي
وكان وزير التربية والتعليم الدكتور عزمي محافظة أكد في تصريحات صحفية سابقة ان مصلحة الطلبة تعتبر أولوية في خطط الوزارة وبرامجها التطويرية ، مبينا ان دمج المدارس المتباعدة يأتي لتجويد العملية التعليمية المقدمة للطلبة والتخلص من المدارس المستأجرة وتوفير المدارس ذات البيئة التعليمية الملائمة.
وقال في ذات التصريحات ان الوزارة تسعى لاستحداث مدارس جديدة وبناء اضافات وغرف صفية والتوسع في رياض الاطفال ضمن خطة عشرية تتضمن بناء 60 مدرسة سنوياً موزعة على مختلف مناطق المملكة بهدف التخلص من نظام الفترتين والاكتظاظ في الصفوف والابنية المستأجرة ،اضافة الى استيعاب الزيادة الطبيعية في اعداد الطلبة
المومني: متابعة يومية لتجويد عملية التعليم
ويقول مدير التربية والتعليم للواء الجامعة الدكتور علي المومني « نتحدث عن اكتظاظ لطلاب في مدارس المملكة بشكل عام ، لكن سأخصص الحديث عن مدارس لواء الجامعة يعد هذا العام غير مسبوق في مسألة اكتظاظ الطلاب داخل الشعب الصفية فقد وصل العدد في بعض الشعب إلى 70 طالبا في الشعبة الواحدة».
ويشير في حديث الى «الرأي» الى ان هذه الظاهرة غير مسبوقة نتيجة انتقال 50 ألف طالب من المدارس الخاصة للحكومية موزعين على جميع مدارس المملكة ،ما اجبرنا على استقبالهم لنسهل على المواطنين نتيجة الظروف الإقتصادية الصعبة التي تعاني منها بعض العائلات.
ويقول « لوبحثنا في أسباب هذه القضية لوجدنا كثرة الطلاب المنتقلين من المدارس الخاصة الى الحكومية نتيجة الظروف الإقتصادية ،فضلا عن الطلاب المنقولين من وكالة الغوث نتيجة الظروف السياسية إضافة الى الطلاب العائدين مع ذويهم من دول الخليج العربي مما شكل عبئا غير مسبوق على وزارة التربية والتعليم وعبئا على البنية التحتية للمدارس وعبئا على المقاعد والكتب.
وحسب الدكتور المومني مع وجود هذا الأعداد من الطلبة لا نتوقع ان يكون لدينا تعليم ذا نوعية جيدة لكن نحرص من خلال المتابعة اليومية وبتوجيه مباشر من وزير التربية على تجويد عملية التعليم.
ويشير الى ان الوزارة تعمل جاهدة بالبحث عن حلول من خلال العمل على فتح شعب أخرى إذا توافرت الغرف الصفية ، وفي حالات اخرى في بعض المدارس تم استغلال مرافق المدرسة كغرف المعلمين والمرشدين وتم تحويلها لغرف صفية.
ويتحدث الدكتور المومني عن خيار قد يتم الاستعانة به وهو استقبال المدارس للطلبة في فترة مسائية ثانية ،ما اعتبره خياراً صعباً لن يتم اللجوء إليه إلا في حال الضرورة.
الهودلي: المدرسة تستقبل ضعف طاقتها
ويقول مدير مدرسة ياجوز الثانوية يوسف الهودلي ان سعة المدرسة تصل الى 550 طالبا الا ان العدد وصل الى ما يقارب ال800 طالب لاسباب عديدة مرتبطة بالهجرة من المدارس الخاصة الى الحكومية فضلا عن التطور العمراني والكثافة السكانية التي تشهدها المنطقة والتي تفوق امكانات المدرسة.
ويشير في حديث الى « الرأي» الى ان المدرسة تدرس الطلبة من الصفوف الرابع الى التوجيهي والعدد كبير جدا ما اضطر ادارة المدرسة الى تقسيم الطابور الصباحي الى طابورين لعدم اتساع ساحة المدرسة الرئيسية لهذا العدد الهائل.
ويوضح ان الغرف الصفية تعاني من اكتظاظ كبير حيث يصل بعضها الى حوالي الـ 60 طالبا في وقت تصل السعة المثالية في الغرفة الصفية الى 25 طالبا فقط ، مشيرا الى ان ذلك ينعكس سلبا على التفاعل بين المعلم والطلبة لتزاحمهم الذي يخلق اجواء من الفوضى والضوضاء.
ويرى ان الاكتظاظ يؤدي الى الضغط النفسي على الطالب والمعلم في الوقت ذاته حيث لايحصل الطالب على حقه،الطبيعي من مدة الحصة البالغة 45 دقيقة.
ويشير الهودلي الى وجود عدد كبير من الطلبة في بعض الصفوف واكتظاظها خاصة في صفي الثامن والخامس حيث يبلغ عدد الطلبة الى ما يربو على 50 طالبا في الصف الواحد.
تأثير على تطبيق اساليب التدريس
ويرى استاذ أصول التربية في الجامعة الأردنية الدكتور محمد سليم الزبون ان اكتظاظ الصفوف يساهم في تقليل قدرة المعلمين على ممارسة أساليب التدريس المتقدمة مما قد يكون له أثر سلبي على التحصيل الأكاديمي للطلبة.
ويشير في حديث الى «الرأي» كما يسهم اكتظاظ الصفوف في تدني دافعية المعلمين في التدريس بطريقة علمية مما يؤثر سلبا على الأنشطة التربوية الأخرى المصاحبة للمنهاج وهذا ينعكس على تحصيل الطلبة، فضلا عن عدم توافر الوقت الكافي لمتابعة الطلبة ضعاف التحصيل وحل مشكلاتهم الأكاديمية بسبب الاكتظاظ الصفي.
وحسب الدكتور الزبن، يؤدي اكتظاظ الصفوف إلى عدم قدرة المعلم على السيطرة على الطلاب بسبب العدد،والى تسرب الطلبة وخاصة ضعاف الطلبة، اضافة الى تأخر المعلم في إعطاء بعض الدروس وعدم اكمال الخطة الدراسية نظرا لمتابعته مشاكل الطلبة من جهة وعدم مقدرته على إجابة أسئلة الطلبة كاملة.
ويلفت الى ان الصفوف المكتظة تعيق من مقدرة المعلم على استخدام المرافق الموجودة في المدرسة مثل المكتبة والمختبرات، مما يؤثر سلبا على تنفيذ بعض ما تتطلبه المناهج وبالتالي ينعكس هذا الامر على التحصيل الدراسي للطلبة.
وفي السياق ذاته يقول الدكتور الزبون « تعيق الصفوف المكتظة من حركة المعلم ومتابعة طلبته داخل الغرفة الصفية وبالتالي عدم ملاحظته لما يجري داخل الغرفة الصفية من مناوشات وكلمات بين الطلبة خاصة في الخلف، كما وتسهم في انتشار بعض الأخلاقيات السلبية بين الطلبة، اضافة الى تأثيرها الناحية الصحية للطلبة بسبب عدم استنشاق الهواء الكافي عند الطلبة بسبب عملية التنفس واستنشاق الهواء لديهم».
وجود الطالب والمعلم في بيئة غير صحية
بدوره يرى استشاري الطب النفسي وعلاج الإدمان الدكتور وائل سمارة ان الاكتظاظ المدرسي يؤدي الى تدني التحصيل الدراسي للطالب بسبب المساحة الضيقة للتحرك والتفاعل مع المعلم.
ويلفت في حديث الى «الرأي» الى ان الاكتظاظ يتسبب بقلة التركيز عند الطالب بسبب كثرة المشتتات التي يتعرض لها الطالب أثناء الحصة الدراسية،اضافة الى فقدان التفاوت في القدرات الفردية وانصهارها مع المجموع الكبير.
وفي السياق ذاته يقول الدكتور سمارة ان الاكتظاظ يؤدي الى عدم قدرة المعلم على ضبط الصف وهذا العدد الكبير نسبيا ما يتسبب باهتزاز صورة المعلم في نظر الطالب، واختفاء المشاركة والتفاعل بين المعلم والطلبة.
ويربط الدكتور وائل سمارة بين وجود الطالب والمعلم في بيئة غير صحية وغير تربوية وانعكاسها السلبي على العملية التعليمية والتحصيل الدراسي للطلبة.
ووفق الدكتور سمارة فان عدم قدرة المعلم على الضبط تجعله تحت ضغط نفسي قد يوصله الى الاحباط في مرحلة ما ويصبح آلة تقدم معلومة جامدة ومحددة بغض النظر عن وصولها للمتلقي ام لا.
الدعم الاوروبي للتعليم في الاردن
ويتلقى الاردن دعما كبيرا من مختلف الجهات الداعمة والمانحة وعلى رأسها الاتحاد الاوروبي ،حيث افتتحت في بداية العام الجاري مدرستان وسيتم افتتاح 10 مدارس اخرى في المستقبل القريب ضمن برنامج الدعم ذاته.
وأعلنت كل من أستراليا وكندا والاتحاد الاوروبي وألمانيا والنرويج والمملكة المتحدة والولايات المتحدة الأميركية، قبيل ايام عن تقديم 51 مليون دينار، لتمويل خطة الحكومة لـ «تسريع الوصول إلى التعليم النوعي الرسمي للطلبة من اللاجئين السوريين» للعام الدراسي 2018 / 2019.
وجاء تقديم هذا الدعم تعبيرا عن التزام الدول المانحة واستمرار دعمها لالتزام الحكومة الأردنية في توفير التعليم لجميع الأطفال في الأردن بغض النظر عن جنسياتهم.
وتوزع الدعم الإضافي الجديد بواقع 7ر2 مليون دينار من الحكومة الأسترالية، 7ر2 مليون من الحكومة الكندية، و10 ملايين من الاتحاد الأوروبي، و17 مليونا من الحكومة الألمانية، 5ر1 مليون من الحكومة النرويجية، 2ر9 ملايون من المملكة المتحدة، و 7ر0 مليون دينار من الولايات المتحدة الأميركية.
وسيمكن هذا الدعم الحكومة من تغطية جزء كبير من متطلبات خطة تسريع الوصول إلى التعليم الرسمي للطلبة من اللاجئين السوريين، وتوفير التعليم النوعي لنحو 130 الف طالب منهم في المدارس الأردنية، بالإضافة إلى توظيف المعلمين الجدد وتدريبهم، وتمويل رواتب المعلمين والإداريين، وفتح المدارس الإضافية ذات الفترتين، وشراء الكتب المدرسية، ودفع الرسوم الدراسية، وتغطية تكلفة العمليات التشغيلية للمدارس، وتوفير المعدات لها.
وفي نهاية العام الفائت وقعت الحكومة الأردنية والاتحاد الاوروبي اليوم اتفاقية منحة إضافية مقدمة من الاتحاد الأوروبي لبرنامج دعم وزارة التربية والتعليم للتعامل مع تبعات اللجوء السوري وفق خطة الاستجابة الاردنية للأزمة السورية، بقيمة (20) مليون يورو، وعلى شكل دعم قطاعي من خلال الموازنة العامة خاصة وان الاردن يقدم خدمات تعليم حكومي ليس فقط للأردنيين بل ايضا باستضافة عدد كبير من الطلبة السوريين اللاجئين وغيرهم من الجنسيات.
وخلال العام الفائت أعلن سفراء وممثلو دول كل من الاتحاد الأوروبي، وجمهورية ألمانيا، وجمهورية النرويج، والمملكة المتحدة والولايات المتحدة الأميركية في عمان تقديم 54 مليون دينار لتمويل خطة الحكومة الأردنية حول «تسريع الوصول إلى التعليم النوعي الرسمي للطلبة من اللاجئين السوريين» في السنة الدراسية 2017/2018.
أمل.. باجواء دراسية مثالية
مع هذه المعاناة، التي يعيشها طلبة المدارس الحكومية الا انهم يتسلحون بالامل بغد مشرق ،املين باجواء دراسية مثالية ،اساسها مدارس ذات بيئة اكاديمية وصحية تعينهم على تحسين تحصيلهم الدراسي ليكون جسرا ينطلقون عبره الى المراحل الحياتية اللاحقة.
مستقبل ينتظره الطلبة بشغف...عله الا يكون بعيداً.
(الرأي تنشر عبر موقعها الالكتروني ) (www.alrai.com) تقريراً تلفزيونياً مصوراً يحاكي هذه الظاهرة.