أبواب

التضحية قمة العطاء .. فمن الذين يستحقونها؟

أبواب - تالا أيوب

تلقى نبأ وفاة والده، وهو يدرس الطب في إحدى الدول الأوروبية، فامتلأ قلبه حزنا، وقهرا على وفاة سند عائلته، ومن توريثه حِمْل تربية وحماية اخوانه الخمسة، ففكر مليا الا انه لم يجد سوى ترك دراسته ومستقبله في الطب، والتوجه الى دولة خليجية ليعمل بها ليعيل أخوانه.

كثيرون يضحّون من أجل مقربين منهم جدا، فيجهضون أحلامهم مرغمين على فعل ما لا يحبونه من أجل غيرهم، وفي المقابل هناك من يضحون دائما في مواقف لا تستحق التضحية ولأشخاص لا يقدرون معناها.

في السياق .. تقول حياة عبيد -وهي موظفة في احدى المؤسسات الحكومية- لـ»أبواب-الرأي»: «لا أحب أن أرفض طلب أيا كان حتى لو كان على حساب بيتي وراحتي، اذ انني لا أقوى على رفض طلب الآخر، بالرغم من أن الآخرين لا يقابلونني بالمثل».

تذكر أم محمد - وهي ربة منزل-: «أضحي دائما لزوجي تلبيةً لحاجياته المختلفة، ولكن بعد مرور الوقت تبين لي أنه اعتاد على الحال ولم يعد يقدّر ما أقوم به، اذ يشعر بأن كل ما أفعله واجب علي، وأنه غير متعب جسديا، ولكن بعدما قررت التوقف عمّا اعتدت القيام به، وعدلت عن سلوكي وتضحيتي اللامتناهية، أدرك زوجي حجم الفوضى التي عاش بها، وبدأ يشعر بقيمة جهدي وتعبي وأصبح يتعامل معي باحترام وتقدير اذ ان بعض الناس لا يشعرون بقيمة التضحية والعطاء الا بعد ان يفقدوها».

يقول سمير حاتم - وهو موظف في القطاع الخاص-: «علمتني الحياة بأن نضحي بإرادتنا لشخص يستحق التضحية فيقدرنا أو يبادلنا التضحية، أي بمعنى أن تكون تضحيتنا واعية وذكية، وبالتالي أقول ان التضحية مع الأصدقاء وبين الزوجين والأولاد لها حدود أما التضحية للوالدين فالحساب مفتوح وليس لها حدود بسبب فضلهما علينا».

تقول رؤى محمود -تخرجت حديثا من جامعة أردنية-: «انني لم أتزوج بعد، ولكنني لن أقبل بشريك حياتي الا بعد أن أجمع معلومات عن أخلاقه بشكل عام، وان اسأل عن تضحيته لوالديه أو اخوانه أو أصدقائه، فإن كان مضحيا فيعني هذا أنه في الغالب سيضحي من أجلي أما العكس فلا؛ لأن «اللي ما فيه خير لأهله ما فيه خير للناس».

سمارة: فداء الوطن أعظم أنواع التضحية

يشير الدكتور وائل سمارة -وهو استشاري الطب النفسي وعلاج الإدمان- الى ان التضحية قمة من قمم الانسانية وأعظم أنواعها هي فداء الوطن وحمايته».

ويتابع: «يعرّف عالم النفس «ادلر» التضحية بأنها سلوك ينبع من أسلوب الحياة اذ تبلغ الذات فيها أعلى المراتب الانسانية فتصبح ذاتا فعالة وخلاقة لأن تتخطى ظروف الحياة وعقباتها». ويلفت سمارة الى أن التضحية من أجل الآخرين تصدر من شخصية متزنة وقوية وواثقة من نفسها.

ويكمل: «كانت التضحية بالمستقبل من أجل الآخرين، إذ يقوم الأخ الأكبر بالتنازل والعمل من أجل تعليم أخيه او أخته بالجامعة، في حين هو من يقوم بالصرف عليهم، وكان هذا يقابل بالاحترام طوال العمر للأخ الاكبر وكذلك التقدير».

وفيما يتعلق بالأكثر اقداما على التضحية الرجل أم المرأة، يجيب سمارة: « ان فسيولوجية المرأة القائمة على العطاء تجعلها أكثر عطاء وتضحية من الرجل، اذ يجتمع العطاء والتضحية من أجل من تحب ومن أجل أولادها اذ من الممكن ان تضحي بمستقبلها في سبيل أبنائها وتعليمهم».

ويشير الى شخصية الشخص الذي يقدم للاخرين ما يحتاجونه لأنه يخجل، وعلى حسابه، وفي مواقف لا تستحق العطاء شخصية ضعيفة جدا، وعلى الشخص أن يقول لا وأن يعبر عما يريد وأن لا يضغط على نفسه من أجل غيره في الأوقات التي لا تستحق.

حبيب: حب ذاتك وراعِ أولوياتك

تذكر هبة حبيب -وهي مدربة في التطوير والعلاقات والذات والأعمال- أسباب إقبال أشخاص على التضحية: «عندما يُقدم شخص على تقديم حاجة لغيره فإنه إما ان يعبر عن الحب في الوعي الجمعي، أو انه ينتظر المقابل (أي الأخذ)، وإما ان يكون تجنبا للمشاكل، والحل يكمن في التضحية، وقد يكون خيار في العلاقة كلغة حب والوصول الى ما يريد».

وتتابع : «عندما يكون خيار التضحية تجنبا للمنغصات فإن المشكلة تكبر، وبالأخص عندما تتعب المضحي وتمتص طاقته، وتتراكم المشاعر السلبية، وبالتالي يصبح خللا في التوازن بين طاقة العطاء والأخذ». وتشجع حبيب على حب الذات، ومراعاة الأولويات.