عقب جولات من المحادثات والمفاوضات الماراثونية حول المسألة السورية على الصعيدين السياسي والعسكري بين المعارضة السورية والنظام من خلال مؤتمر جنيف الذي قادته مجموعة العمل الدولية برعاية الأمم المتحدة، ومؤتمر أستانة ثم سوتشي برعاية روسية تركية إيرانية، لم يحصل أي تقدم ملحوظ في المجال السياسي، في الوقت الذي دشن مسار أستانا الذي تركز على المجال العسكري الميداني سلسلة من الانجازات لصالح قوات النظام السوري عبر آلية خفض التصعيد التي أفضت لتقلص مساحات سيطرة المعارضة المسلحة لمعظم مناطق سيطرتها المكانية، وأدت إلى انكماشها جغرافيا على مساحات محدودة في محافظة إدلب وما يتصل بها من أرياف اللاذقية وحماة وحلب، وفي الوقت الذي تراجع فيه مسار جنيف مع تخلي معظم مكونات منظومة"أصدقاء سوريا"عن المعارضة، تقدم مسار أستانه الميداني فسوتشي السياسي وانحسرت منظومة الأصدقاء في تركيا، وباتت خيوط اللعبة الأساسية في سوريا بيد فريق"أستانة" الثلاثي الروسي والتركي والإيراني، المر الذي أفضى إلى دمج مسارات المسألة السورية في مؤتمر أستانا سوتشي اخيرا.
عقد مؤتمر"أستانا 10"، أو"سوتشي 2"، يومي 30 و31 يوليو 2018 بدمج المسارين السياسي والعسكري حيث عقد أستانة الكازاخي في سوتشي الروسية في دلالة على متانة الخيوط الروسية، وقد خرج البيان الختامي كالعادة بعبارات تنتمي إلى قاموس الرطانة البلاغية المعهودة بالتأكيد على حفظ سيادة سوريا واستقلالها ووحدة أراضيها، والاستمرار في"حرب الإرهاب"، والمضي في بحث ملفات المعتقلين واللاجئين ومسألة الدستور، دون التوصل إلى صيغة حل سياسي وحل ميداني لعقدة إدلب.
دشن مسار أستانا الذي انعقد برعاية روسية تركية إيرانية منذ الجولة الأولى في 23 كانون الثاني 2017 بعد خسارة المعارضة لجيب حلب لصالح النظام، ديناميكية ترتكز على ترتيب روسيا للأوضاع الميدانية، عبر ابتداع مصطلح خفض التصعيد، وعقدت الجولة الثانية في 15 شباط 2017، وشكّلت مجموعة عمل ثلاثية؛ روسية وتركية وإيرانية، لمراقبة نظام "وقف الأعمال القتالية"، وتشكيل آلية لتبادل المعتقلين بين النظام والمعارضة، وقاطعت المعارضة الجولة الثالثة، في 14 اذار 2017، بسبب عدم التزام النظام وحلفائه بـ"وقف إطلاق النار".
وعُقدّت الجولة الرابعة في 4 ايار2017، واتفق الضامنون فيها، على إنشاء أربع مناطق لـ"خفض التصعيد"، وجرت الجولة الخامسة في 4 حزيران 2017، وفشلت فيها الدول الضامنة في التوافق على رسم حدود مناطق "خفض التصعيد"، وعقدت الجولة السادسة في 14 ايلول 2017، وفيها تم "إنشاء مركز تنسيق مشترك تركي روسي إيراني، يهدف إلى تنسيق أنشطة قوات مراقبة خفض التصعيد"، وعقدت الجولة السابعة في 30 تشرين اول 2017، وانتهت من دون تحقيق نتائج، وانتهت الجولة الثامنة في 21 كانون اول 2017، بتحديد موعد "مؤتمر الحوار السوري-السوري" في سوتشي، وعقدت الجولة التاسعة في 14 ايار 2018 وكانت تكراراً لفشل الجولات السابقة.
أما مؤتمر سوتشي 1، فقد عقد في 30 كانون الثاني 2018 في سياق سعي روسيا بالشراكة مع تركيا وإيران، لسحب النقاش السياسي حول مصير سوريا خارج إطار مؤتمر جنيف الذي عقد بنسخته الأولى يوم 30 حزيران 2012 بمشاركة "مجموعة العمل من أجل سوريا" برعاية أممية، ويتفق المتفاوضون في جنيف على ضرورة الحل السياسي للأزمة السورية، وقد طالب وفد المعارضة السورية بتشكيل هيئة حكم انتقالي كاملة الصلاحيات، في مؤتمر جنيف الثاني في شباط 2014، والالتزام بقرار الأمم المتحدة 2254، والذي ينص على أن تتم المفاوضات بين السوريين برعاية أممية، مع وضع دستور جديد لسوريا خلال 6 أشهر، وانتخابات خلال 18 شهرا، تحت إشراف الأمم المتحدة، وترى المعارضة أنه لا مكان للرئيس بشار الأسد في سوريا حسب تفسيرها للقرار، وهو ما رفضه الوفد الحكومي السوري طالبا وضع قضية "الإرهاب" على رأس جدول الأعمال، وعقدت الجولة الرابعة من جنيف في شباط 2017 وركز على وقف إطلاق النار ومناقشة مسودة الدستور الجديد، وكيفية إجراء انتخابات في البلاد، وفي الجولة الخامسة من المباحثات نيسان 2017، تناقش المجتمعون حول 4 موضوعات رئيسية هي الحكم والدستور والانتخابات ومكافحة الإرهاب، وقد مرت مؤتمرات جنيف 6 و7 و8 دون أن يتحقق أي تقدم ملموس بين المعارضة والحكومة السورية، وأخر المؤتمرات كانت في فيينا في 25 كانون الثاني 2018، وقدمت فيها الدول المشاركة ورقة غير رسمية عن العملية السياسة في سوريا، ولم تستطيع الأطراف المتفاوضة التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار في الغوطة الشرقية التي تسيطر عليها المعارضة المسلحة.
رغم دمج المسارات السياسية والعسكرية في "أستانة10/ سوتشي" لم تفض المحادثات عن نتيجة ملموسة بالتوصل إلى حل نهائي وتضمن البيان الختامي عبارات بلاغية مكررةحيث اكدت الاطراف الضامنة روسيا وايران وتركيا في البيان الختامي للاجتماعات على سيادة واستقلال ووحدة اراضي سوريا، وشدد البيان على الاستمرار في مواصلة مكافحة الإرهاب، مؤكدا على ضرورة عودة المهجرين السوريين إلى بلدهم ومساعدة الدول الغربية في ذلك، كما نص البيان الختامي على الاستمرار في عملية التسوية السياسية للأزمة في سوريا استنادا الى القرارات الدولية.
على الصعيد العملي فشل المؤتمر بالتوصل إلى حل توافقي نهائي بين تركيا وروسيا حول التعامل مع عقدة "إدلب"، فقد استبق الرئيس السوري بشار الأسد المحادثات بتصريحات مثيرة في 26 يوليو 2018 خلال مقابلة مع وسائل إعلام روسية بالإعلان أن "هدف الجيش السوري حاليا محافظة إدلب"، وهدد رئيس وفد النظام السوري بشار الجعفري بعملية عسكرية لاستعادة محافظة إدلب التي تسيطر على معظمها المعارضة المسلحة، لكن رئيس الوفد الروسي ألكسندر لافرينتييف أكد على أنه ليس ثمة حديث في الوقت الحاضر عن هجوم عسكري واسع النطاق ضد المسلحين في محافظة إدلب السورية، ولا جدال أن أستانة 10 لم تتوصل لاتفاق نهائي، لكنها توصلت إلى شبه اتفاق بين تركيا وروسيا وإيران كدول ضامنة لمفاوضات أستانا على تمديد العمل باتفاق خفض التصعيد في إدلب لمدة ستة أشهر.
خلاصة القول أن الديناميكية المتسارعة للتطورات الميدانية في سوريا، ظهرت في أستانا سوتشي بعد أن تقلصت سيطرة المعارضة السورية المسلحة في مناطق جغرافية محدودة متاخمة لتركيا في محافظة إدلب وما يتصل بها من أرياف اللاذقية وحماة وحلب، وباتت رهانات المعارضة السياسية في الحكومة المؤقتة محددة بخيارات تركيا التي ستعمل على التوصل إلى صفقة تحقق مصالحها وأمنها، وسوف نشهد في نهاية المطاف تفكك المعارضة السورية المسلحة ونهاية حقبة الحروب الكلاسيكية وإعادة إحياء حرب العصابات مع ما تبقى من حركات جهادية مصنفة كمنظمات إرهابية.
hasanabuhanya@hotmail.com
أستانا في سوتشي ودمج مسارات المسألة السورية
11:45 5-8-2018
آخر تعديل :
الأحد