تميزت السبعة عشر شهراً من حكم الرئيس الأميركي دونالد ترمب بعدم وجود رؤية واضحة للسياسة العامة للدولة تجاه الشرق الأوسط. فعلى الرغم من أن ترمب في الحملة الانتخابية تحدث لصالح الحد من تدخل الولايات المتحدة في مختلف المجالات، إلا أنه يبدو أن الإدارة الأميركية ليس لديها خيار سوى الاستمرار في دور «شرطي العالم» لحماية المصالح الأميركية. فلا يمكن للولايات المتحدة الانفصال عن الشرق الاوسط لأي سبب لوجود حبل سري بين واشنطن والمنطقة نابع من النفط والموارد الطبيعية التي تجذب إليها الجميع. وعليه، يجب على الإدارة الأميركية صياغة أهدافها في المنطقة وبناء استراتيجية تمكنها من التعامل مع الواقع وتعزيز أمن حلفائها وخصوصاً الأردن نظراً لما تحمله من تبعات الربيع العربي والتطرف والارهاب.
في الماضي، قصر الرئيس السابق باراك أوباما، بغض النظر عن السعي للتوصل إلى اتفاق مع إيران، سياسته الشرق أوسطية بتركيز بسيط على العراق وسوريا. وفي الحملة الانتخابية، تحدث ترمب أيضا عن الحد من تدخل الولايات المتحدة في مختلف ساحات العالم. ومع ذلك، فقد اضطر أيضاً إلى ارسال قوات إلى الشرق الأوسط لأسباب مختلفة.
وبالتالي، يبدو أن الإدارة الأميركية ليس لديها خيار سوى الاستمرار في دور «شرطي العالم» لحماية المصالح الأميركية وبخاصة في الشرق الأوسط. لذلك وجد الاميركيون أنفسهم في عهد ترمب ضرورة وضع استراتيجية كبرى للمنطقة. ولعل السمة الرئيسة للشرق الأوسط اليوم هي الصراع بين معسكرات إسلامية ثلاثة:
المعسكر الأول وهو الشيعي الإيراني. المعسكر الثاني هو الجهادي السني مثل القاعدة وداعش اللذان يسعيان لإقامة خلافة اسلامية. أما المعسكر الثالث فهو الإخوان المسلمون ويمثلهم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الذي يهدف إلى إنشاء إمبراطورية عثمانية جديدة تقوم على أيديولوجية الإخوان المسلمين.
عندما انسحبت الولايات المتحدة من العراق، عمل النظام الإيراني بجد على توسيع نفوذه في المنطقة. وأسهم ضعف الإدارة الأميركية السابقة إلى تعزيز نفوذ ايران في العراق وفي لبنان وفي اليمن وفي سوريا وحتى في دول شمال افريقيا والبحرين.
كان خطاب الرئيس ترمب في تشرين الأول عام 2017 بشأن خطة العمل المشتركة الشاملة أمراً في غاية الأهمية. وأشار إلى تغيير في السياسة وفهم أعمق للتهديد الذي يفرضه النظام الإيراني على الشرق الأوسط وعلى الاستقرار العالمي. كما أن الإدارة الأميركية تصف النظام الإيراني على أنه مصدر التهديد الرئيس للشرق الأوسط. وبالتالي فإن واشنطن لا تعتبر طهران جزءاً من الحل بل جزءاً من المشكلة أو المشكلة نفسها. لذلك تم الانسحاب من الاتفاق النووي، مع تبني سياسة متكاملة للضغط على النظام.
أما فيما يتعلق بالمعسكر السلفي الجهادي، فإن هؤلاء يسعون إلى إقامة خلافة إسلامية، سواء أكان عاجلاً، بإستخدام نموذج (داعش) أم بإعلان الخلافة وإقامة نظام مدني لإدارة الأراضي التي تحتلها مع الاستمرار في الكفاح العسكري للحفاظ على هذه المناطق وتوسيعها، أو في وقت لاحق، باستخدام أسلوب القاعدة للتخلص أولاً من التدخل الغربي في الشرق الأوسط وإطاحة الأنظمة «الكافرة» المحلية، تمهيداً لإقامة الخلافة.
ركزت إدارة أوباما على محاربة تنظيم «داعش»، وقيادة ائتلاف في الشرق الأوسط. مع أن التنظيمات المتطرفة قد انهزمت في سوريا والعراق إلا أن الفكر الايديولوجي لداعش والقاعدة سيواصل تحدي الدول التي تحاربه. قد تتقاتل المنظمات المتطرفة في المواقع الإقليمية التي تحتفظ بها في شبه جزيرة سيناء وليبيا واليمن والعراق، أو عبر هجمات على طريقة العصابات التي تنشأ في هذه المناطق وتمتد أيضاً إلى الغرب. فيما يتعلق بمعسكر الإخوان المسلمين، يدعم الرئيس أردوغان الإخوان المسلمين في الشرق الأوسط ويسعى إلى إعادة وضع تركيا كإمبراطورية عثمانية جديدة تقوم على إيديولوجية الحركة. ففي ظل إدارة أوباما لم يتم ممارسة ضغوط أميركية أو دولية كبيرة على أردوغان، على الرغم من أنه تصرف ضد المصالح الأميركية والأوروبية. على الرغم من أن تركيا لم تدفع أي ثمن لهذا السلوك، إلا أن الولايات المتحدة، إلى جانب الدول الأوروبية، تستطيع الآن استخدام نفوذها المتاح للضغط على تركيا، كعضو في حلف الناتو وكدولة تعتمد اقتصادياً على التجارة معها، لتغيير سلوكها.
أما فيما يتعلق بروسيا، فمن الواضح أن أحد أهداف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين من خلال مشاركته الفعالة في الشرق الأوسط بشكل عام، وفي سوريا على وجه الخصوص، هو تعزيز وضع روسيا كقوة عالمية. ومع ذلك، يمكن أن يصل ترمب وبوتين إلى تفاهم بشأن مناطق نفوذ كل منهما. وقد يكون تقسيم مجالات النفوذ هو الأساس لتوافق الآراء والتفاهم.
لذا يشكل الشرق الأوسط منطقة مصالح أميركية ذات صيغة معقدة ومتقلبة للولايات المتحدة، كما يرى مناصرو ترمب أنه بعد فشل إدارة اوباما لثماني سنوات في الدفاع عن مصالح الولايات المتحدة ومصالح حلفائها في الشرق الأوسط فإنه لا بد من تصحيح الوضع الآن وهو ما يسعى إليه ترمب من خلال لقائه مع بوتين في فنلندا.
مواضيع ذات صلة