المخرج الصيني زانغ ييمو .. مشهدية العنف وشاعرية الصمت
تاريخ النشر :
الثلاثاء
12:00 2018-5-22
طباعة
انسخ الرابط
تم النسخ
عمان - ناجح حسن
يحتل المخرج الصيني زانغ ييمو 67 عاماً، مكانة لائقة وسط اقرانه من صنّاع السينما العالمية، وهو الذي ارتبط اسمه بالموجة الصينيه الجديدة، التي تخرجت من معهد بكين للسينما في حقبة ثمانينات القرن الماضي، ورفدت السينما الصينية بالعديد من الاسماء الشابة من ذوي المواهب المبشرة في عوالم السينما، الذين التزموا بالبحث في الجماليات بعيدا عن الاساليب السينمائية والرؤى الدرامية الدارجة، التي سلكتها مجاميع من الافلام الصينية خلال مسيرة مديدة .
ومن بين علامات الموجة الجديدة في السينما الصينية التي اطلق النقاد عليها العام 1985 مسمى «الجيل الخامس» في السينما الصينية, نظرا لكون افرادها يمثلون الدفعة الخامسة التي تخرجت من معهد بكين، حضر بقوة اسم المخرج زانغ ييمو، الذي اشتغل منذ انطلاقة الموجة الصينية الجديدة كمصور سينمائي في اكثر من عمل سينمائي من بينها افلام «الواحدة والثمانية» 1984, « الارض الصفراء» 1985, «الاستعراض العسكري الضخم» 1987, وكان لكاميراه التصويرية اثرها البليغ في اشادة النقاد الى الجماليات التي عمل عليها بحرص شديد، بالتعاون مع مخرجي تلك الاعمال التي سيكون لها شأن في مستقبل السينما الصينية.
عندما استطاع ييمو ان ينجز عمله الروائي الطويل الأول مخرجا هذه المرة، تحت عنوان «حقول الذرة الحمراء» 1988، اكتشف العالم انهم امام مخرج جديد يمتلك اسلوبيته الخاصة وملامحه الذاتية ومكوناته الفريدة، والتي تدل فورا على صاحبها, وانه بفيلمه البديع تجاوز الواقعية المباشرة والصريحة، الى واقعيه جديدة تتلافى النمط المباشر وتبتكر الصورة وجماليتها على خلفية معرفة وثقافة سينمائية وعين مشبعة بالأساليب واللغات التعبيرية والمشاهدات .
وبفعل هذا كله، سرعان ما اصبح فيلم «حقول الذرة الحمراء»، احد اهم علامات السينما الصينية الجديدة، بل وكان اول فيلم صيني يحصل على جائزة كبرى في مهرجان دولي، حين نال جائزة الدب الذهبي في مهرجان برلين السينمائي .
ثانية، يفاجئ ييمو العالم بفيلمه «جو دو» وفيه يتناول موضوع حرية المرأة في مجتمع صيني داخل حقبة زمنية مضت، والعمل مستمدة احداثه من احدى القصص الادبية الشهيرة، هو أقرب الى المأساة الكلاسيكية التي احكم على مصير ابطالها، تلعب فيه العاطفة والرغبه وشهوة الانتقام ادوارا رئيسية في مجمل احداثه المكثفة التي تجعل من المرأة محور لها فهي مستهدفه ومتسببة في الوقت ذاته من جانب الزوج الفظ العاجز الذي يسومها العذاب يوميا, ولكنها لا تتوانى عن استغلال سلاح الاغواء لوضع حد لمأساتها .
وعن الموضوع ذاته المرأة في مجتمع قاس، يحقق ييمو فيلمه البديع «ارفعوا المصابيح الحمراء» 1992، وفيه تبرز مقدرته في رسم جماليات عمله البصرية الآخاذة وتوظيفه الفعال للالوان ولسائر عناصر لغنه السينمائية والفكرية، فيه تأكدت موهبته في السينما العالمية وكرست من اسمه علما من اعلام صناع السينما الافذاذ، لما يتمتع به من قفز على الموضوع الى تقديم بناء بصري بمكونات جمالية تستلهم من الفن التشكيلي واداء ابطاله عناصر رئيسية في تجاوز الماضي القريب الى الواقع المعاش بكل جرأة .
برز فيلم «ارفعوا المصابيح الحمراء» كعمل فني متكامل على نحو فريد في السينما الصينية، وشكل حافزا لمخرجه لانجاز فيلمه التالي «قصة كييو جوو» 1992، الحائز على الجائزة الكبرى في مهرجان « البندقية «، يروي فيه للمرة الاولى موضوعا معاصرا مستمد من عمل ادبي ذائع الصيت في بلده تكون فيه المرأه ايضا محور الاحداث ضمن اجواء من الطبيعه الخلابة والتفاصيل الصغيرة لبيئة اجتماعية يراعي فيها المخرج جماليات الصورة السينمائيه بكفاءة عالية متمرسة وهو ينتقل ما بين الريف ومشاهد الحقول والبيوت البسيطة وتضاريسها الطبيعيه من جبال ووديان الى ازدحام المدينه الخانق وتناقضاتها المثيرة .
في السنوات العشر الاخيرة من القرن الماضي يعود زانغ ييمو في سلسلة افلام متباينة القيمة والمواضيع : «العيش» 1993، «عصابات شنغهاي» 1995, «والدي ووالدتي» 1997, «لا اقل من واحد» 1999, «العودة الى البيت» 2000، آثر في الجزء الاعظم من تلك الاعمال ان يتجه الى مصادر تمويل بعيدا عن بلده في مسعى منه لمناقشة قضايا ومواضيع انسانية من الصعب ان تنجز ضمن النظام السائد في آلية الانتاج السينمائي بالصين آنذاك، فعلى سبيل المثال يصور في فيلم «العيش» موضوعا شائكا يتناول فترة زمنية طويلة يعيش فيها افراد وسط تحولات سياسية اجتماعيه اقتصادية التصقت تأثيرتها على مسار حياتهم وعلاقتهم المتشعبة طوال اربعة عقود من الزمان، وفيه يبدو انحياز صانع الفيلم الى الفن الشعبي البسيط لعروض الدمى في الساحات الرئيسه واعادة الى دور الراوي الذي يحكي عن جوانب ملحمية في حياة الشعوب والامم، كما يركز الفيلم على دور الممثل الذي يضخمه هنا ليزيد من شحنات العاطفة والتأثير الذي يصل الى حد سكب دموع المشاهد في بعض مفاصل العمل، مثل هذا تكرر ايضا برائعته السينمائيه المعنونة «العودة الى البيت» الذي بقدر ما يحمل من بساطه الموضوع وجماليته العذبة، الا انه يبقى انشودة بليغة ومعبرة عن مغزى الألم الإنساني .
خاضت حصيلة اعمال ييمو في الاعوام الأخيرة وكان من بينها: «بطل» 2002، «بيت الخناجر الطائرة» 2014، «حرب الورود» 2012، و»الجدار العظيم» 2016، داخل مناخات جديدة ذات بناء جمالي ودرامي ملحمي آسر، في مزيج من الخيال الرحب الطافح رقة وعذوبة وشاعرية بليغة الإيحاءات والدلالات، كما عملت ايضا على خلق علاقة وثيقة بالكاميرا بين الشخصيات والمكان والمجاميع في توظيف متين للتقنيات التكنولوجية الحديثة والألوان والموسيقى في التعليق على الأحداث دون محاولة تفسيره، وهي اشتغالات مبهرة تغرف من صفحات التاريخ العائدة لموروث بيئته الثقافية الحافل بالقصص والحكايات والغرائب والأساطير الملحمية، عدّت جميعها بمثابة التحول اللافت في مسار السينما الصينية.