كتاب

«غُوبِلْز الإسرائيلي» أو نتنياهو في جِلباب...«كُولِن باول»

استعراض مسرحي.. تهكُمِي وفاشل,هذا الذي أدّاه بنيامين نتنياهو أول من امس,زاعِما أنه توفّر على 5500 وثيقة, تُثبِت ان ايران ما تزال تُواصِل برنامجهاِ النووي من مواقِع «سِرِّية»,ما يُعيد الى الأذهان ذلك الرسم البائس الذي كان موضِع سخرية العالم أجمَع, وأوّلهم المُعلّقون وكتاب الأعمِدة وبعض قادة الأحزاب في اسرائيل,عندما وقف أمام الجمعية العامة للإمم المتحدة في ايلول 2013، مُحذِّراَ من برنامج ايران النووي, في محاولة يائسة لإفشال محادثات (5+1) التي انتهت بالتوقيع «التاريخي..كما يجب ان يُوصَف» على الإتفاق النووي, أو ما يُعرَف رسمياً «خطة العمل المُشترَكة الشاملة» في 14 تموز 2015. قام مجلس الأمن الدولي بالمصادَقة عليه بعد اربعة أيام,من توقيع ايران والدول الخمس دائمة العضوية إضافة الى ألمانيا.

عَرض نتنياهو الهازِل الذي يستحضر على الفور ما قام به الجنرال الأميركي البائس كولن باول امام مجلس الأمن في 5 شباط 2003,عشية الإجتياح الأميركي البريطاني للعراق, وهو مشهد كوميدي استحضرَته على الفور أُورلي أزولاي, مراسلة صحيفة يديعوت أحرونوت الإسرائيلية في واشنطن, مباشرَة بعد العرض المسرحي الفاشل لنتنياهو عندما كتبَت»...ذكّرني نتنياهو بكلام كولن باول قبل غزو العراق, حين أعطى الجمهور عرضا مثيراً للإعجاب، لأسلحة صدّام غير التقليدية, التي لم تكن موجودة ابداً.خدَعَ واشترى الجمهور – تواصِل اوزلاي – واصبحَت الولايات المتحدة متورِّطة في حرب محزنة غير مبرَّرة وتعتمد على كذبة.ثم تختم قائلة: العروض التقليدية الجميلة والرسوم البيانية, ليست شيئاً يجب أن يكون مُقنِعاً.

الجوهري هنا.. ليس الدفاع عن برنامج ايران النووي الذي يثير الإسرائيليون والأميركيون زوبعة وجدلا صاخبا حوله, بقدر ما هو محاولة للإضاءة على «الأهداف» التي يسعى التحالف الغربي الصهيوني تحقيقها في هذه المرحلة من الصراع المفتوح في المنطقة العربية وعليها, وبخاصة والجميع على أبواب القرار الأميركي الأكثر خطورة وتداعيات على القضية الفلسطينية ودول الجوار العربي الفلسطيني, والهادِفة «علَناً» وبلا رتوش, الى تصفية القضية الفلسطينية والطمس على الحقوق الوطنية المشروعة للشعب الفلسطيني, وتحويل اللجوء الفلسطيني الى مشكلة عربية ــ عربية, وعربية ــ فلسطينية، تستطيع دولة العدو الصهيوني خلالها تهويد ومصادرة وتهجير ما تبقّى من اراض و»جمهور» فلسطيني,وسط خلافات فلسطينية ــ فلسطينية, في ظل حقيقة تقول: أن من يقِفون اليوم على رأس «القيادة الفلسطينية», كُلّهم غير مُنتخَبين, ولا تفويض لهم للإستمرار في وظائِفهم (إقرأ مواقعهم «الريعية» أو النضالِية السابقة).

نحن هنا أمام قرع لطبول الحرب, ومحاولة مكشوفة لخلط الأوراق بعد ان رضخ الأوروبيون وعلى رأسهم ايمانويل ماكرون للرغبة الصهيواميركية, وذهبوا بعيدا في عرقلة أو الأدق نسف الحل السياسي للأزمة السورية,ليس فقط بعد « إقناع « ترمب بعدم سحب قواته الغازية من شرق الفرات,بل وأيضا بعد تبنّي واشنطن قرار عدم الإنسحاب, الاّ بعد ان «يظفَر الدبلوماسيون بالسلام «على ما قال وزير الدفاع الأميركي ماتيس,الذي يُوصَف زورا «بالمعتدل»، فيما هو يدخل بالفعل,في ماراثون «التطرّف» مع «صقرَي» الإدارة الأميركية الأحدث»جون بولتون ومايك بومبيو, حيث الأخير لم يخجل أو يرفّ له جفن, عندما زعم أن «الوثائق الإسرائيلية»، (يقصِد التي عرضها نتنياهو في مسرحيته الهزلية المكشوفة بشأن البرنامج النووي الإيراني)... «موثوقة «.

على المقلب الآخر تبدو الصورة مغايرة بل متعاكسة وبخاصة عندما تقول مسؤولة السياسية الخارجية للإتحاد الأوروبي فيديريكا موغيريني تعقيبا على أكاذيب نتنياهو « لم أر لدى رئيس الوزراء الإسرائيلي اليوم، دلائل تفيد بأن طهران غير ملتزمة بالإتفاق النووي الإيراني هذا الإتفاق الذي توصلنا اليه بعد أن تولدت الثقة وتوفرت الضمانات «... فيما اكد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لنتنياهو ومباشرة بعد الرسومات والجداول التي عرضها الأخير « موقف روسيا (الثابت) بضرورة التزام جميع اطراف صفقة النووي الإيراني... بها «.مفردات اللغة التي صيغ بها اعلان الكرملين هو المحادثة الهاتفية بين بوتين ونتنياهو تشي بأن سيد الكرملين لا يأخذ عرض نتنياهو بجدية وهي- ضمن امور اخرى- استبطنت رسالة روسية على سيد البيت البيض الذي يستعد بعد عشرة أيام (12 الجاري) للإعلان عن « تعذّر تقبل واشنطن لهذا الإتفاق ما لم يتم تعديله».

هنا تكمن القطبة المخفِّية..إذ لدى الدوائر الإستخبارية الغربية,كما لدى المنظمة الدولية لحظر الأسلحة النووية, «قناعات»بأن طهران ملتزمة الإتفاق نصا وروحاً,لكن ما تريده اسرائيل وتجِد دعما من باريس وواشنطن وبرلين ولندن, هو لجم البرنامج الصاروخي الإيراني,عبر دفع واشنطن (كما حاولت مع إدارة اوباما) لضرب المواقع النووية الإيرانية والإجهاز على برنامجها النووي.

وإذا ما اخذنا في الإعتبار القرار الذي صوّت عليه الكنيست بالقراءتين الثانية والثالثة, وبموافقة 62 عضوا مقابل 41,على تخويل نتنياهو وليبرمان (رئيس الوزراء ووزير الدفاع)»اعلان الحرب في ظروف استثنائية»,دون الرجوع للكنيست او حتى للكابينيت (المجلس الوزاري المصغَّر) فإننا امام لعبة صهيونية عابِثة, تُقرع فيها طبول الحرب,وتندرج في إطار تهيئة الأجواء لإعادة « فتح» الإتفاق النووي وتعديله, ليشمل البرنامج الصاروخي الباليستي الإيراني.

قد يجد بعض العرب في ما يجري, فرصة لتصفية الحساب مع طهران، لكن استعادة هؤلاء للمشهد الكارثي الذي « سبق وخصوصاً ما تلا غزو العراق وما آلت الأمور اليه في المنطقة, جدير بِدفعهم للتروّي في الحماسة المُفرطة التي يُبدونها,وبخاصة اننا امام صراع صهيواميركي وغربي امبريالي على المنطقة.. عربِها وفرسِها.. على حد سواء.

kharroub@gpf.com.jo