كتاب

«كُورِيّان» يصنعان «تاريخاً»... ماذا «يفَعَل» العرب؟ (2ـــ 2)

نتائج القمة الكورية الثنائية التي انتهت للتوّ بين زعيمي شطري كوريا, ستكون مثابة تحضير للقمة الأكثر إثارة, بين»الجرو المريض» كما وصَفَ ترمب الرئيس الكوري الشمالي, فيما الأخير نعَت الرئيس الأميركي بـِ»العجوز الأخرق» وأَعْلَمَتْه صحيفة «رودونغ سنمون» الناطقة باسم الحزب الحاكم: انه «مجرد مجرم بشع، محكوم عليه بالإعدام من قِبل الشعب الكوري» لكن ما أطلقه وزير الخارجية الأميركي الجديد مايك بومبيو (وهو الذي التقى سِراً قبل أسبوعين كمدير لوكالة الإستخبارات المركزية ...CIA الرئيس الكوري الشمالي في بيونغ يانغ) من تصريحات بأن بلاده «لن تُكرِّر أخطاء الماضي مع كوريا الشمالية»والتشاؤم الي انطوت عليه «تحذيرات» أمين حلف شمال الأطلسي نيس ستولتنبرغ, في شأن «عدم الإفراط في التفاؤل بعد القمة الكورية الثنائية»، تشير بأن «حزب الحرب» في واشنطن وفي أوساط قيادة الناتو في بروكسل, ما يزال على مواقفه المتشدّدة, وربما ينظر هؤلاء الى إعلان الرئيسين الكورِيّين تعهّدهما «العمل من أجل نزع السلاح النووي من شبه الجزيرة الكورية» ورغبتهما في «العمل من أجل التوصل الى إتفاق تحقيق سلام دائم وراسخ في شبه الجزيرة», والحدّ من التسلّح ووقف الأعمال العدائية و»تحويل الحدود المحصّنة بين البلدين الى منطقة سلام», بأنها «مجرد كلام» يستلزم تنازلات من بيونغ يانغ وحدها, تكون أقرب الى الإستسلام ورفع الراية البيضاء, دون الحصول على اي ضمانات «كافية وملزِمة» لواشنطن وحلفائها في المنطقة مثل اليابان وكوريا الجنوبية, وبخاصة ان التطورات المتلاحقة هذه تأتي قبل يوم الثاني عشر من أيار الوشيك, حيث سيُعلِن ترمب موقفه «النهائي والأخير من الإتفاق النووي الإيراني», وسط معارضة موسكو وبيجين الحاسمة إلغاء الإتفاق أو إدخال أي تغييرعليه.

ربما يعتقد ترمب انه قادر على تحويل أوهامه السياسية «وصفقاته» التي يلوِّح بها أو تلك المُنتظرَة عربِياً.. الى حقائق جيوسياسية وبرامج طويلة الأمد، لكن ظنّه «كورِيّاً».. سيخيب في ما نحسب, لأن «كيم الثالث» أكثر نضجاً ودهاءً سياسياً, مما يُظَن أو تُشيعِه عنه وسائل الإعلام الغربية وبعض العربية. الأمر الذي يستدعي التوقّف عند ما يفعله العرب الآن وما فعلوه طوال أربعة عقود, وتحديداً منذ بدأت مسيرة التنازلات ورحلة التفريط بالحقوق العربية الأساسية التي دشّنها أنور السادات, عبر تسويقه للمقولة المتهافِتة والإستسلامية التي تقول: إنّ أميركا تملك 99% من أوراق الحلّ في المنطقة». أي التسليم بأن واشنطن وساكن البيت الأبيض على وجه الخصوص, هو «كُلِّي القدرة والطاقة» وبالتالي يستحيل رفض قراراته أو محاولة الحدّ من تأثيراتها السلبية ومسِّها الشديد بالحدود الدنيا للحقوق العربية في فلسطين وغير فلسطين.

يمكن الاستشهاد بكثير مما طبع «التسليم» العربي الرسمي طوال العقود الأربعة الماضية بـ»القدَر الأميركي», الذي ما يزال يتحكّم بقوة بالمشهد والمستقبل العربيّين, حتى في آخر تجلّياته غير المتبلّوِرة على صعيد القضية الفلسطينية, والتي بدأ الحديث عنها يتواتر مع اقتراب موعد افتتاح السفارة الأميركية رسمياً في القدس المحتلة, التي اعترف بها ترمب عاصمة لدولة العدو الصهيوني.عبر رصد معظم المواقف الرسمية العربية التي تستبطن القبول بـ»تمرير» صفقة القرن العتيدة التي أوشكت على النضوج «أميركياً والقبول من بعض العرب» على قاعدة: إنقاذ ما يمكن إنقاذه وأن العين ليس بمقدورها مقاومة المخرز الأميركي, ما بالك الإسرائيلي؟

ما علاقة ذلك بالمسألة الكورية التي تتصدّر جدول الأعمال الدولي؟

العلاقة تكاد تكون مترابطة على نحو عضوي, سواء على مستوى الأهمية الاستراتيجية والجيوسياسية للمنطقة العربية, وتلك المحيطة بملفات كوريا التي لا تقف عند برنامج بيونغ يانغ النووي أو الباليستي, أم في شأن علاقة المسألة الكورية في صراع واشنطن المفتوح والمرشّح للتصعيد مع الصين وروسيا في منطقة المحيط الهادئ. الامر الذي تجلّى في احتدام التراشق الإعلامي والمواجهة الدبلوماسية على اكثر من صعيد. ورأينا ذلك عندما بدأ الرئيس الأميركي ترمب التلويح بخيار الحرب ضد كوريا الشمالية, وتوجيه اتهامات مباشرة الى الصين بتشجيع بيونغ يانغ على مواصلة تجاربها النووية وبرنامجها المتقدم للصواريخ الباليستة القادرة على حمل رؤوس نووية, رغم تصويت بيجين لفرض المزيد من العقوبات على كوريا الشمالية والتزامها تنفيذ تلك العقوبات.

«صمَدَت» كوريا الشمالية في وجه تلك العقوبات بالغة القسوة والشمولية, بل ذهبت بعيدا في اتّهام حليفتها الأقرب بل ربما الوحيدة «الصين» بممالئة واشنطن, لكنها مضت قدما في تحقيق أهدافها, عندما أنجزت بنجاح تجربة على صاروخ باليستي عابر للقارات, قادر على الوصول للسواحل الأميركية (دع عنك جزيرة غوام التي تسيطر عليها الولايات المتحدة).

نحن إذاً امام دولة لديها ما تدافِع به عن نفسها, وإن «هُزِمت» أمام الدولة الأقوى عسكرياً في العالم, فإنها تخسر بـ»شرَف» ولا تسارع «تلقائيا» إلى رفع الرايات البيضاء, أو القبول بإملاءات واشنطن دون نقاش, كتقليد عربي راسخ في السياسة والاقتصاد والتبادلات التجارية وخصوصاً الاستثمار في الأسواق الأميركية وايداع الأموال في مصارفها.

للذين قد يأخذون ما نذهب اليه باستخفاف أو سخرية.. نقول: انتظروا «نتائج» قمة ترمب الأول و..كيم الثالث المُنتظَرَة. ودققوا جيداً في «الثمن» أو «المُقابِل» الذي سيحصل عليه كيم جونغ اون.. إذا ما وعندما «يوافِق» على جعل شبه الجزيرة الكورِية خالية... من السلاح النووي.

Kharroub@jpf.com.jo