أن يقول عميد الدبلوماسية الروسية سيرغي لافروف: «ان العمل العدواني الاميركي البريطاني الفرنسي, زاد من صعوبة اشياء كثيرة, بما في ذلك المهمة التي يعمل عليها المبعوث الخاص الى سوريا بتوجيه من الامين العام للأمم المتحدة, ثم يمضي «مستطرداً» بأن هذه الدول الثلاث لم تُغِرّ فقط يوم 14 نيسان على مواقع كيميائية «مُبتَكَرة» في سوريا, وإنما أغارَت ايضاً على مفاوضات جنيف».. يعني ضمن أمور اخرى, أن الكيل فاض بموسكو, وانها في صدد اتّخاذ مواقف مغايِرة لما دأبت عليه منذ انخراطها المباشر في الازمة السورية, عسكرياً وسياسياً ودبلوماسياً, بعد جهود مكثّفة، بذلتها مخلصة لتسهيل الأمور والبحث عن مخارج للازمة السورية في اطار القانون الدولي وميثاق الامم المتحدة، والتركيز على محاربة الارهاب وتمكين الحكومة الشرعية السورية وما سُمّيَ «المُعارضات السورية» غير الموحّدة وذات الارتباطات المشبوهة, والتي تتلقّى اوامر عملياتها من المُشغّلين والمموِّلين في الاقليم وعبر المحيطات, للجلوس على طاولة الحوار وفق رؤى وتوافقات سورِية ـــ سورِية, تضع حداً للتدخلات الخارجية وتدحرالإرهاب, الذي ما كان ليستمر طوال سنوات سبع, لو ان هؤلاء الذين يخلعون على انفسهم صفة الثوار والمعارَضة «الوطنية», لم يُصغوا الى مشغِّليهم, ولم يكونوا مجرد دمى في يد مَن أراد تدمير سوريا وإسقاط دولتها وتقسيمها – والمنطقة – الى دويلات وكانتونات, ترفع رايات المذهبية والطائفية والعِرقية وغيرها من المصطلحات والتوصيفات التي يخلعها المستعمِرون الغربيون واسرائيل وبعض العرب, على هذه النوعية الرديئة من العملاء.
ما علينا..
تبر الى السطح الآن, مسألة تزويد موسكو الجيش السوري بمنظومة الصواريخ المضادة للصواريخ المجنّحة (والطائرات) من طراز S300, وهي مسألة ليست جديدة في علاقات البلدين العسكرية, والتي ورَدَت في إطار الصفقات العسكرية التي عقدتها موسكو ودمشق منذ عشر سنوات, ولكن هذا الطراز من الدفاعات الجوِية الذي كان حينذاك (2007) من «أحدث» نتاجات التكنولوجيا الروسية العسكرية, لم يتم توريده لأسباب اتّضح لاحقاً انها «سياسية» كشفَها الوزير لافروف واكثر من شخصية دبلوماسية وعسكرية روسِية, بانها كانت «بناءً على طلب احد الشركاء المعروفين» على ما قال لافروف حرفياً, ما يعني اعتبارات عديدة أُخِذَت «روسِيَّاً» في الاعتبار، ما بالك ان الهجمة الغربية والإسرائيلية وبعض العربية والتركية, على سوريا... الوطن والشعب والدولة وخصوصاً الجيش ومنظومته الجوية الدفاعية, أُعلِنَت بعد ذلك بأربع سنوات, ما جعَل امر تنفيذها «مُؤجلّاً» لأسباب لا تخفى على أحد, بعد تركيز «الثوار» على معسكرات ومواقع الدفاع الجوي السوري, التي لا تشكل اي قيمة عسكرية إضافِيّة, يمكن ان تؤثِّر على موازين القوى بين الدولة السورية وهؤلاء الإرهابيين، لكن المُشغِّلين, أرادوا ضمان عربدة في الاجواء السورية، وهذا ما نهض به الثوار المزعومين في الجنوب السوري ومحيط دمشق ووسط البلاد منذ الاشهر الاولى في العام 2011, ما كشف (لمَن اراد معرفة حقيقة ما جرى ويجري في سوريا منذ البداية).... عربدات اسرائيل وتغوّلها وانتهاكاتها المستمرة للمجال الجوي السوري, حظيت برضى ودعم اميركي اوروبي وخصوصاً إشادة من بعض العرب وتركيا الأطلسية, وكانت الذريعة (الجاهِزة والمُضلِّلة دائماً) منع حصول حزب الله على اسلحة تكسِر التوازن القائم في الجنوب اللبناني, ثم جاء الانخراط الروسي المباشر والمكثف في الازمة السورية اواخر ايلول 2015 ليضع حداً نسبياً ويفرض «بعض» قواعد الإشتباك فوق الاجواء السورية, استغلّته اسرائيل لـ»الإيحاء» بان لدى موسكو تفهّماً لاحتياجاتها الأمنِيّة, وكانت زيارات نتنياهو المتكرِّرة لموسكو ولقاءاته مع الرئيس بوتين, توظف لبث المزيد من الشكوك حول مواقف روسيا من الازمة السورية, تتولّاها تسريبات مفبركة تتحدث عن ضوء اخضر روسِيّاً لتل ابيب, شريطة عدم الاقتراب من مواقع انتشار القوات الروسية (...).
ثبت الان ان ذلك لم يكن صحيحاً, وأن اسرائيل باتت امام موقف روسي اكثر وضوحاً وحزماً, لاسباب لم تعد خافية على احد, وبخاصة بعد «ترحيب» ودعم نتنياهو واركان حكومته الفاشية بالعدوان الثلاثي بل وقبلَه, بمسارَعة موسكو الى كشف هوية المعتدين على مطار الـ»T4» ما اسقط في يد اسرائيل, التي دأبت على عدم اعلان مسؤوليتها عن القصف المتكرّر لمواقع سورية, ليأتي زجّ ايران في موضوع الطائرة المسيّرة التي زُعم انها كانت تحمل متفجرات في طريقها الى اسرائيل, كي يمنَح الصراع مُربّعاً «إضافيّاً» من التوتر وخلط الاوراق، حيث لم يعد امام موسكو (دع عنك طهران) سوى إبداء المزيد من التشدّد, خصوصاً إثرَ الخطوات السياسية والدبلوماسية التي بدأتها برلين وباريس في مجلس الامن مباشرة بعد العدوان الثلاثي, الذي اطاح ما تبقى من «إمكانِية» لرأب «الصدوع» بين روسيا ودول الغرب الامبريالي, وعلى رأسها الولايات المتحدة الاميركية.
وزير الخارجية الروسي تحدّث عن «الهندسة الجيوسياسية» التي يجري العمل عليها في دهاليز واروقة عواصم الغرب الاستعماري, والتي تًخالف الاتفاقات الدولية بضرورة حل الازمة السورية على اساس قرارات مجلس الامن, وفي إطار العملية السياسية التي يقودها السوريون انفسهم، فيما خرج على الناس فجأة الرئيس التركي إردوغان, بعد عقده صفقة مع زعيم الحركة القومية اليمينية دولت بهشلي, لتقديم موعد الانتخابات سبعة عشر شهراً قبل موعدها المقرّر في تشرين الثاني 2019 (ستُعقَد في 24 حزيران القريب) ليُعلِن (اردوغان): أن خططاً توجد لإعادة «تركيب» منطقتنا, إنطلاقاً من العراق وسوريا. في الوقت ذاته الذي يتحدّى فيه وزير الحرب الصهيوني افيغدور ليبرمان روسيا ويقول بالفم الملآن: إنّ اسرائيل «لن» تسمح لروسيا بــ»تقييد» تحرُّكِ اسرائيل.
مواضيع ذات صلة