أبواب

الأماكن والناس في شارع السعادة : شارع صغير.. لكنه مفعم بذكريات عمان

إذا كنت تسير في شارع الملك فيصل في عمان متجهاً نحو المسجد الحسيني الشهير في قلب عمان.. فلا بد ان تجد نفسك لاشعورياً و أنت تمشي في هذا الشارع القصير جداً المسمى بِ « شارع السعادة « وذلك خلال دقيقة أو أقل !!

هناك من يجتهد ليقول ان السبب في تسمية هذا الشارع العريق بِ « السعاد ة «: ان اهل عمان قديماً في عشرينيات وثلاثينيات القرن الماضي , لاحظوا ان معظم محلات بيع الاقمشة وأدوات الزينة النسائية كانت في هذا الشارع , حيث أجواء الفرح والسعادة التي كانت تشعر بها نساء عمان وهن يتسوقن من محلات هذا الشارع الضيق – والذي تم توسيعه فيما بعد–وقد أسماهُ البعض بسوق السعادة أيضاً لأن محلات الشارع كانت متجاورة وتقابل بعضها البعض.

سوق السعادة !

الباحث فؤاد البخاري اشار في كتابه « عمان ذاكرة الزمن الجميل «

حول هذا الشارع او السوق بقوله: لقد كان البعض يسميه بسوق الشوام لوجود عدد من محلات التجار ذي الاصول الشامية ومنهم مثلاً: عزيزية , الديرانية , النشواتي , ابو قاعود.

وكان في هذا الشارع عدة محلات استوديوهات للتصوير الفوتوغرافي لأصحابها الاردنيين من أصل أرمني , والتي انتقلت الى أماكن أخرى فيما بعد قديماً مثل: استوديو بدروس وانتقل الى محل بجانب البريد وصار اسمه استوديو لندن , واستوديو هايك الذي انتقل الى محل بجانب سرفيس اللويبدة , واستوديو بربريان الذي انتقل الى محل بجانب مخفر المدينة بشارع فيصل–ومعظم هذه الاستوديوهات التي انتقلت الى أماكنها الجديدة قديماً لم نعد نراها منذ نحو عشر سنوات–ربما بسبب انتشار الكاميرات الرقمية !.

وفي بناية ابي قاعود كان يوجد مقر مدرسة العلوم الاسلامية التي اسسها تيسر ظبيان ,ثم انتقلت الى شارع الشريعة في جبل اللويبدة.

وكان للحاج التاجر مصباح الزميلي وهو اشهر وجهاء عمان , ومن أحد رموز الصلح العشائري في الاردن متجر لبيع الاقمشة وللتباحث في قضايا الناس و أحوالهم في هذا الشارع شارع السعادة.

دخلة «ابو قاعود»

لكن «حسن عقيل « و كان متجرعطوره قرب المسجد الحسيني , فقد تعايش مع هذا الشارع منذ فترة خمسينيات القرن الماضي , وسمع من أهله الذين سكنوا في عمان منذ بداية القرن الماضي ما يلي:

«إن هذا الشارع سُمي بالسعادة نسبة الى عائلة لآل سعادة التي قطنت فيه قديماً ضمن عائلات أخرى مثل: عائلة آل الطباع ، وعائلة آل ديرانية في دخلة أبي قاعود–إحدى دخلات هذا الشارع -.

ومقابل دخلة أو حارة « ابو قاعود « كان يتواجد اشهر فنادق عمان مثل فندق الجامعة العربية , وفندق الملك غازي , والفندق العربي، ومن تحت فندق الجامعة العربية.

أبو شام.. اول عطَّار

وفي أول هذ الشارع من جهة المسجد الحسيني قام قديماً الحاج «عبد اللـه أبو شام» بتأسيس المركز الأول لبيع الأعشاب والعطارة في امارة شرقي الاردن و بالذات في عام 1925.

فقد إستأجر دكانا كان يعرض فيه الأعشاب والعطارة بكل أصنافها ,على بسطات داخل وعلى مدخل محله. ثم انتقلت محلات ابو شام للعطارة الى أماكن اخرى مثل شارع بسمان في بداية ثمانينيات القرن الماضي.

محلات قديمة !

وكان غالب ابو صالحة قد ذكر بعض المعلومات عن هذا الشارع في كتابه « ذكريات عمان ايام زمان «: أنه تواجدت في هذا الشارع عدة مطاعم ومن أشهرها مطعم الأوتوماتيك لصاحبه «أبو هاشم « , وفيما بعد انتقل إلى مكانه أمام مطعم جبري , ثم محلات محمد حسن عزيزية التي انتقلت إلى مكانها الحالي تحت مقهى السنترال , ومحلات فريد خرفان وأبو هاني الحاج حسن ومثقال وشوكت عصفور, وملحمة سكرية , وملحمة عودة الزعمط أبو عواد , ومن أهم معالم هذا الشارع مبنى بلدية عمان الذي كان يقع على رأس الجزيرة المحصورة بين شارع السعادة وشارع الرضا.

وكانت معظم مباني محلات شارع السعادة قد تم بناؤها قديما على شكل قناطر برميلية , متأثرة بفن العمارة العربية القديمة.

أشهر ملحمة في عمان

ويذكر ابو صالحة كذلك: في أواخر عشرينات القرن الماضي نزح «عودة الزعمط» أبوعواد الشهير بشيخ اللحامين في عمان، من السلط الى عمان وبنى منزلاً في شارع الاشرفية–الطلياني–وفتح ملحمة في أول شارع السعادة–تحت مقهى الجامعة العربية الذي اختفى الآن- وكانت هذه الملحمة أكبر وأشهر ملحمة جزارة لبيع اللحوم في مدينة عمان. وكان من صفات هذا الرجل أنه كان كريماً جداً وبيته عبارة عن مضافة.

فندق الملك غازي و بيت الكردي

فندق الملك غازي والذي اغلق قبل نحو سبع سنين بعد رحلة طويلة أخذت حيزاً جيداً من ذاكرة عمان.

وكان هذا المبنى في البداية عبارة عن بيت كبير بغرفه بناه صاحبه السيد علي الكردي في منتصف عشرينات القرن الماضي كسكن له ولعائلته.

ثم انه في العام 1927 قام بتأجيره لحكومة امارة شرقي الاردن كمقر لاول محكمة اقيمت في مدينة عمان, وكان من تحت هذا المبنى في محلاته الارضية يوجد اسطبل للخيول (خان).

وفي الخمسينيات قام الكردي بتأجير هذا الفندق لمحمد مفلح الزعبي حيث غير اسمه من فندق الكردي الى فندق الملك غازي نسبة الى الملك غازي ملك العراق ابن الملك فيصل الاول والذي توفي في حادث سيارة كما هو معروف في العام 1939.

وكان فندق الملك غازي التراثي يتميز بجماليات فن بنائه من الخارج ومن الداخل بمكوناته وتفاصيله الشامية العربية والشرقية. لذا فانه يعتبر تحفة فنية ومعمارية وتراثية وتاريخية عمانية نادرة.

ومن اشهر نزلاء و ضيوف هذا الفندق قديماً زمن الكردي والزعبي شخصيات معروفة منهم مثلاً: مصطفى وهبي التل (عرار) شاعر الاردن , و سالم مساعدة ومحمد الخطيب عندما كانا طالبين يذهبان الى مدرسة السلط الثانوية لتقديم الامتحانات الثانوية.

كذلك بعض شيوخ وباشاوات الاردن مثل حمد بن جازي, كليب الشريدة, راشد باشا الخزاعي, مفلح اسعد البطاينة, هارون الجازي, عضوب الزبن.. والكثير من ابناء البادية والقرى الاردنية البعيدة الذين كانوا يأتون الى العاصمة عمان من أجل اجراء بعض المعاملات الحكومية او التجارية لعدة ايام فينامون في هذا الفندق.

كذلك كان من رواد هذا الفندق كلوب باشا عندما كان قائداً للجيش الاردني.. هذا لان فندق الملك غازي كان يعتبر من اجمل فنادق عمان القديمة.

وكان رواده قديماً يأتون اليه اما للنوم أو للزيارة وللجلسات واللقاءات الشعبية الحميمية في مضافته مع المشاهير من وجهاء وشيوخ وتجار عمان.

فقد كان هذا الفندق يتميز بوجود صالة واسعة جداً في وسطه , وللصالة او المضافة منور زجاجي علوي يرسل أشعة وضوء النهار ليعطي رونقاً جميلاً , وكأن هذا الصالون الضخم مكشوف للسماء.

وكانت الأجرة اليومية للنزيل في هذا الفندق بحدود (5) قروش.. وهذه أجرة مرتفعة مقارنة بالفنادق الأخرى التي كانت تأخذ عن الليلة أقل من ذلك.

ومع مرور الايام وحتى قبل عقدين او اكثر من الزمن اصبح الفندق شعبياً جداً بنزلائه , الذين اقتصروا على العمالة الوافدة, وعلى بعض القادمين للضرورة الى عمان من بعض محافظات المملكة.. كذلك بعض السائقين القادمين من الدول العربية المجاورة للمبيت فيه لليلة او ليلتين مثلاً.

مقهى الجامعة العربية

ومقابل الجامع الحسيني كان يقع هذا المقهى القديم « مقهى الجامعة العربية»–والذي أغلق منذ نحو عشر سنين–بجانب فندق الملك غازي فوق محلات تجارية.

وكان لهذا المقهى الواسع الفخم شرفاته ونوافذه التي تُطل على مشاهد هامة وجميلة منها: المسجد الحسيني المهيب بمآذنه و واجهته الحجرية المزخرفة الرائعة, ومشاهد بعيدة لجامع « ابو درويش في جبل الاشرفية , وقصور تراثية في جبل الجوفة.

كذلك كانت تُطل شرفات ونوافذ هذا المقهى على معظم شوارع عمان الهامة في قاع المدينة وهي: شارع السعادة , وبداية شارع الهاشمي ، و بداية شارع بسمان , وبداية شارع طلال , وجزء من شارع فيصل.

وقديماً تم افتتاح هذا المقهى من قِبل محمد الديراني عام 1939 تحت اسم -مقهى الجامعة- لكن في العام 1946 غيَّر اسمه الى « مقهى الجامعة العربية « كذلك الفندق الملحق به في طابق علوي فوق المقهى , وذلك احتفاءً بتأسيس منظمة (جامعة الدول العربية ) في القاهرة عام 1945.

و هذا المقهى العريق كان مريحاً لرواده بقاعاته الثلاث وكراسيه وطاولاته وجدرانه ,وحتى بعض مراياه وعلاقات الملابس الخشبية القديمة التي كانت تتواجد على أعمدته الحجرية الداخلية.

و هذا المكان مقهى الجامعة العربية كان يُعتبر أحد مصادر الذاكرة الشعبية والتاريخية والسياسية والاقتصادية لتاريخ عمان القديم، فقد ارتاده القادة والسياسيون والمفكرون ومسؤولو الأحزاب.

فقد كان مقهى الجامعة العربية مكانا هاما يلتقي فيه العديد من سياسيي عمان ونوابها وكبار التجار والمثقفين , حيث الحوار والنقاش و للاطلاع على مجريات الحياة السياسية والاجتماعية , ولعقد الصفقات والتفاهمات التجارية , وللتسلية بشرب الشاي والقهوة والاراجيل ولعب الشدة وطاولة الزهر والشطرنج.

وكان العديد من مربي الخيول يلتقون ايضا في المقهى (طبعا بدون خيولهم) للتداول بأمر تربيتها ومسابقاتها.. حتى باعة الحمام والطيور كانوا يلتقون في هذا المقهى الفخم والراقي بمصاحبة كؤوس الشاي وفناجين القهوة وكازوز السحويل والاورنج ومرطبات الليمون ومشروبات اليانسون وأطعمة المهلبية..الخ.

شخصيات في المقهي

ومن هؤلاء المثقفين مثلا كان الشاعر الشيخ نديم الملاح من رواد هذا المقهى الذي يستريح فيه أحياناً , وكان الشيخ نديم الملاح هذا الشاعر الرقيق الحس والمتدفق المشاعر قد ربطته بالملك المؤسس عبدالله الاول وشائج صداقة عميقة , حتى ان الملاح قد دعا الملك عبدالله الاول الى زيارة لهذا المقهى لمرة او اكثر !.

وفي هذا المقهى بتلك الفترة القديمة كانت تعقد فيه مؤتمرات ولقاءات بعض الاحزاب الاردنية السياسية , وكانت تجرى فيه ايضا الدعايات الانتخابية لمجالس النواب ومجالس بعض المؤسسات الاقتصادية.. حيث تلصق الصور والبروشورات الورقية الخاصة بالحملات والدعايات الانتخابية للاشخاص على جدران هذا المقهى.

وكان من العادة ان توزع فناجين القهوة السادة مجانا عند دخول أي زبون كنوع من الترحيب والضيافة.

ويقال ايضا ان الشاعر عرار مصطفى وهبي التل قد ارتاد هذا المقهى عدة مرات.

وأذكر شخصياً أنني كنت أحد رواد هذا المقهى , ارتاده بين فترة وأخرى.. حيث كان يتسم بالهدوء والفضاء الشاسع والخدمة الجيدة , اذ انني كنت اقرأ الصحف ,وكتبت الكثير من المقالات على طاولات هذا المقهى , وتابعت مع الآخرين من رواد المقهى أخبار حرب الخليج من تلفزيون المقهى , وبعض المباريات المهمة في كرة القدم.

وأذكر تلك الصورة المهيبة والقديمة جدا النصفية باللونين الابيض والاسود لجلالة المغفور له الملك عبدالله الاول التي كانت منذ فترة طويلة معلقة في مكان عال تزين أحد جدران القاعة اليمنى التي تطل نوافذها على شارع بسمان.

أجواء سياحية

ومما يلفت النظر ايضا في الفترة الماضية هو مجموعات السواح الاجانب الذين كانوا يدخلون هذا المقهى الشعبي.. حيث الاجواء الشرقية العمانية وموجودات المقهى , وفضاءاته الخارجية على مناظر من أجزاء عمان من الشوارع والجبال.

مع مصاحبة الجميع لسماع اشرطة الاغاني الطربية الاصيلة التي تريح النفس , وتعطي المزاج الرائع لمستمعي هذه الاغاني في هذا المقهى , مثل اغاني ام كلثوم وعبدالحليم حافظ وفريد الاطرش.