كتاب

سؤال «الديموغرافيا»: هل يكفي الرهان على «عدد».. الفلسطينيين؟

ضجّة وصخب وسجال محمول على قلق كبير يحدث في اسرائيل الآن, بعد ان دلّت إحصائيات «رسمية» أن عدد الفلسطينيين أكثر من عدد اليهود في فلسطين التاريخية... القلق الصهيوني يتصاعد والنقاشات الرافضة منها أم المُحذِّرَة مرشحة للإستمرار, وخصوصاً في ظل «التشكيك» في دقة وصحة الأرقام التي استعرضها نائب رئيس الإدارة المدنية (المعنِية بإدارة شؤون الضفة الغربية في جيش الاحتلال) امام لجنة الخارجية والأمن في الكنيست الصهيوني, حيث تولى رئيس هذه اللجنة عضو الكنيست جنرال الاحتياط آفي ديختر، في غضب وتشنُّج كبيرين.. قيادة المعسكر «الرافض» لإحصائية كهذه بالقول: «لا أتذكَّر أن الفلسطينيين قدَّموا مثل هذا العدد. يدور الحديث – استطرَدَ – عن إحصائيات جديدة وأعداد كبيرة ومثيرة للدهشة تماماً. إذا كانت دقيقة – يقول – فهي مثيرة للدهشة ومقلِقة. إذا لم تكن دقيقة, فإننا بالطبع نُريد أن نعرف ما هي الأرقام والاحصائيات الدقيقة»..ختَمَ.

وبصرف النظر عن ردود الفعل المتشنِّجة وتلك التي تسعى لإنكار الحقائق حدود الطمس عليها, بل التي تسعى لإخفاء الرعب الذي حل بقادة العدو, الذين لم يعودوا يُعوِلون على موجات «الهجرة الكبيرة» التي واكبت قيام كيانهم الغاصب، والتي تولَّتها «الوكالة اليهودية» حتى قبل النكبة, حيث وصلت ذروتها في وصول نحو من «مليون» مهاجر (لم يكونوا كلُّهم من اليهود, ومع ذلك تم استيعابهم) بعد وصول ميخائيل غورباتشوف الى قمة السلطة في الاتحاد السوفياتي السابق, وقيامه بفتح أبواب الهجرة إلى إسرائيل «حصرِياً», انسجاماً مع الدور الذي جيء به لإتمامه, فإن «تغريدة» عضو الكنيست عن المعسكر الصهيوني (ائتلاف حزب العمل مع حزب الحركة) وزيرة الخارجية السابقة تسيبي ليفني, تعليقاً على الاحصائيات (الديموغرافية) الجديدة والجدل الدائر حولها, تبدو لافتة عندما هاجمت «فكرة» ضم الضفة الغربية,التي يسعى اليمين الديني والفاشي الصهيوني لتحقيقها: «إذ لم نستيقظ من أوهام الضَمّ، فسوف نفقد الأغلبية اليهودية.. الأمر بسيط» غرَّدت ليفني. فيما استشاط غضباً الجنرال آفي ديختر (سابق الذكر أعلاه) مُلتجأ الى السخرية والاستهزاء من الاحصائيات المذكورة ومعقّباً بالقول: «لا يمكن لأي مسح ديموغرافي ان يعرِض زيادة ثلاثة اضعاف في عدد السكان في غضون 25 عاماً. من مليون الى ثلاثة ملايين لا توجد طريقة للقيام بذلك إلاّ عند الارتفاع. هذا النمو – والقول له – يمكن أن يكون محل اهتمام موسوعة غينيس للأرقام القياسية».

لن تتوقف مثل هذه التصريحات التي يبرع الصهاينة في اللجوء اليها والتشكيك في دقة الارقام, بل واتّهام السلطة الفلسطينية بانها «تُزوِّد الادارة المدنية المحتلة بأرقام مزيفة ومضللة, ووثائق تُفيد انه خلال العقد الماضي وُلِدَ في الضفة الغربية عشرة أضعاف العرب الذين ماتوا» على ما قال عضو لجنة الخارجية والامن في الكنيست موطي يوغيف. لكن ذلك كله حتى لو تم «شطب» سكان القدس من هذه الإحصائيات, بهدف إنقاص عدد الفلسطينيين (بالمناسبة إحصائية الادارة المدنية للإحتلال, تصفهم بـ»المسلمين» اي ثنائية مسلم/يهودي بين البحر والنهر, بمن فيهم فلسطينيو 48) فان هذا يجب وبالضرورة ان لا يكون مدعاة للرهان على الديموغرافيا, والمسارَعة للخروج باستنتاجات مريحة, والذهاب بعيداً باتجاه «الحتمية التاريخية», التي حاول الإقترب منها الدكتور احمد الطيبي عضو الكنيست عن القائمة العربية المشتركة, في تعقيبه على ردود الفعل الصهيونية إزاء معطيات الاحصائية التي تشير إلى «تساوي أعداد الفلسطينيين واليهود في المنطقة ما بين النهر والبحر». سواء عندما قال إن احتمال تعيين رئيس حكومة اسرائيلية من القطاع العربي الفلسطيني في اسرائيل, قد بات يقترِب شيئا فشيئا، ام في تأكيده الى «ان استمرار رفض الائتلاف الحكومي اليميني المتطرف القائم الان في اسرائيل لخيار حل الدولتين, سيؤدي في نهاية المطاف الى قيام دولة ديمقراطية واحدة ستكون الغلبة فيها للفلسطينيين».

ثمة حاجة للتروّي وعدم الذهاب بعيدا في «الحلم» بان «تحولات» قد طرأت «الآن» على موازين القوى, بعد فشل الحركة الصهيونية وداعميها في تكريس اغلبية يهودية على ارض فلسطين التاريخية. رغم كل ما ارتكبته حكومات العدو المتعاقِبة من مجازر وتهجير وإبعاد وتنكيل وطمس للهوية الفلسطينية، وتهويد وكل ما يمكن لكيان إستيطاني إحلالي كولونياني ان يقارفه ضد السكان الأصليين وتاريخهم وثقافتهم وحضارتهم. ولهذا ما يزال يُصِرّ على اعتبار الضفة الغربية مناطق «مُتنازَع عليها» زارعاً فيها مئات المستوطنات اليهودية واكثر من نصف مليون مستوطن (دع عنك القدس المحتلّة) ولا يتوقف عن مطالبة السلطة الفلسطينية بالاعتراف باسرائيل «دولة يهودية» تحضيرا لتهجير فلسطينيي 48 وتكريس اغلبية يهودية طاغية, تسمح بمواصلة مشروعه الصهيوني, الذي تعثّر رغم مرور «70» عاماً على اغتصاب فلسطين.

يجدر بالذين «سيحتفلون» بانتصار «الديموغرافيا» الفلسطينية, ان يتريَّثوا قليلاً. إذ ما تزال موازين القوى مختلّة جدا لصالح العدو وحلفائه, (ومنهم بعض العرب). فالمشوار طويل والأكلاف سترتفع والصراع مرشّح للاحتدام. والعدو – وأنصاره.. قديمهم والجديد – لن يستسلِموا... بسهولة.

kharroub@jpf.com.jo