أكمل الرئيس الأميركي عملية «التطهير» التي واصلها بعد اسابيع قليلة من جلوسه على المكتب البيضاوي, ولم تعد ثمة تساؤلات أو تكهنات عمّن سيكون «الضحية» التالية, لرئيس مُرتبِك, شكّاك وخصوصاً متطرّف وعدواني ومتهكَّم, يصعب توقّع سلوكه او قراراته.
اطاح ترمب مستشاره الجنرال مكماستر و»طرَد» الرجل الثاني في حكومته... ريكس تيلرسون عبر تغريدة, فيما اكتفى الرجل «المُهان» خلال حفل وداعٍ أقامه موظفو وزارته, بوصف واشنطن بــ»المدينة اللئيمة, ذات الروح الشرّيرَة», ما أثار عاصفة من تصفيق الحضور, على نحو ربما فهِم بعضهم أنه يقصد «الرئيس», وإن كان الوزير المطرود لم يأتِ بكلمة واحدة عن ترمب , الذي وجّه له إهانة غير مسبوقة, عندما صرَفه «من الخدمة» دون سابق إنذار, فيما كان يقوم بجولة إفريقية اضطر لقطعِها, بعد ان لم يعُد يُمثِّل..شيئاً.
لم يكتف الرئيس ترمب بتعيين مايك بومبيو مكان تيلرسون على رأس وزارة الخارجية, بل جاء بأسوأ العنصريين والمتصهينين في الحزب الجمهوري كي يُقدّم «المشورة» له كمستشار للأمن القومي، ما أثار موجة من الإستغراب في معظم عواصم العالم والتساؤل عمّا يريده الرئيس الأميركي بوضع هذه «المواهب» من ذوي الإيديولوجيات المتطرفة, والتي كان لها لتتقدّم المشهد بعدوانية وفظاظة, لولا امتطاؤهم موجة الشعبوية المستندة الى قوة اتباع الكنيسة الأفنجيلية, الذين شكّلوا الرافعة الأساس لوصول ترمب الى البيت الأبيض, فضلاً عن الخطاب العنصري الذي بثّه ترمب لدى «البيض» وحملته المبرمجة على الملوّنين «والمسلمين» «والهسبانيين» عبر التعهد بإقامة جدار على حدود المكسيك منع دخول المسلمين وترحيل المهاجرين غير الشرعيين, واستعادة الشركات الأميركية التي «هاجرت» الى الخارج لخلق مزيد من الوظائف للأميركيين, ناهيك عن تهديداته التي أخذت طريقها الى التنفيذ مؤخرا, عندما أعلن «حربا تجارية» على دول العالم وبخاصة الصين, عبر فرض رسوم جمركية على واردات الصلب والألمنيوم, دون إهمال تنفيذ تعهده بنقل السفارة الأميركية الى القدس والإعتراف بها عاصمة لإسرائيل.
جاء الى المشهد الآن جون بولتون, العنصري المتصهين وصديق اسرائيل «القديم» كاره العرب والمسلمين وداعية الحروب, وأحد أبرز مهندسي غزو العراق, والذي قال في وقاحة موصوفة: «أن مراعاة القانون الدولي خطأ كبير، وأن الذي يُعوِّل على القانون, هوَ يسعى للتصدّي للولايات المتحدة».
ولهذا ما يزال حتى بعد كل ما تم كشفه من أكاذيب حول غزو العراق وبخاصة اكذوبة امتلاكه أسلحة دمار شامل, فإن داعية الحرب هذا ما يفتأ يقول: «لا أزال أعتقد ان الإطاحة بصدام حسين (اقرأ غزو العراق) كانت خطوة صحيحة. وهو أعلن أكثر من مرة أنه لمنع ايران من الحصول على قنبلة نووية... تُقصَف ايران». كذلك في شأن كوريا الشمالية فإنه يذهب بعيدا في تطرفه عندما يُكرّر أن «الحل الدبلوماسي الوحيد... هو تغيير النظام في كوريا الشمالية». أما رأيه في الصين وبخاصة بعد انضمامها الى منظمة التجارة العالمية «....الصين متورِّطة في الخداع وسرقة الملكية الفكرية والتمييز ضد الشركات الأجنبية».
تسألون عن اسرائيل والقضية الفلسطينية وصفقة القرن؟
ليس ثمة ما يبعث على التفاؤل, فاسرائيل تحتفي ب»العرس» الذي أقامته اسرائيل احتفاء بصديقها القديم, الذي أعلن خلال وبعد خروجه من آخر منصب شغله في إدارة بوش الإبن, وهو الذي تشغله مندوبة «اسرائيل» في الأمم المتحدة, التي تجلس خلف يافطة تقول: أنها مندوبة الولايات المتحدة نيكي هالي: بأن «حل الدولتين... مات». هذا هو كلام جون بولتون وهذا ما يعمل على «هديه» الثلاثي اليهودي العنصري الصهيوني, الممسك خيوط «عملية السلام» والمولج حلّ الصراع الفلسطيني الإسرائيلي, والذي يُروّج لصفقة القرن, وهم: صهر الرئيس جارد كوشنر وجيسون غرينبلاط مبعوث ترمب لعملية السلام وديفيد فريدمان (المستوطن لابس القبّعة المنسوجة وسفير المستوطنين لدى إدارة ترمب). حيث يجلس اليوم على رأس وزارة الخارجية مايك بومبيو, داعية الحرب والأكثر تطرفا والشريك الأبرز للرئيس ترمب في «حزب الحرب» الذي بات أكثر حرِّية من أي وقت مضى منذ وصول ترمب للبيت الأبيض قبل خمسة عشر شهرا.
ليس مهما إذا كان كبير موظفي البيت الأبيض الجنرال جون كيلي سيبقى في موقعه أم أنه سيجد نفسه خارج البيت الأبيض كونه يرفع راية «العداء» لصهر الرئيس, لكن المثير واللافت للإنتباه هو التصريح «الغريب» الذي أدلى جون بولتون لأول مرة بعد تعيينه في منصبه, عندما ادّعى: أن مواقفه السابقة باتت وراءه, وأن المهم الآن هو «نصائحه» لترمب.
هذا ما قاله لشبكة اليمين المتطرفة «سكاي نيوز» أول من أمس الجمعة «...لقد أجريت مقابلات لا تعدّ ولا تُحصى على مدى السنوات الـ «11» الماضية, وجميعها متوفرة في السجل العام... لم أكن يوما خجولا بشأن وجهات نظري، إلاّ أن المهم الآن في الوقت الراهن هو النصائح التي سأقدِّمها للرئيس».
في السطر الأخير... يُحسِن المسؤولون الفلسطينيون لأنفسهم ولقضيتهم, لو أنهم صمتوا وتوقّفوا عن إصدار التصريحات «المُوَلوِلة», فليس مَن سبَق بولتون أو بومبيو في منصبيهما, بأفضل منهما. فعلام هذه الضجّة... إذاً؟
إذ كُلّهم.. صهاينة و»بيض»عنصريون... وأفنجيليون أُصولِيّون.
kharroub@jpf.com.go
مواضيع ذات صلة