كتاب

ما الذي سيفعله «الناتو»... في سوريا, ولِمصلحة مَن؟



الى أن يردّ حلف شمال الاطلسي (الناتو) على دعوة الرئيس التركي رجب طيب اردوغان له للقدوم الى «سوريا»، بذريعة حماية الحدود التركية من الارهابيين، يمكن لمتابع غزوة «غصن الزيتون» التركية التي ما تزال مستمرة بوحشية لأكثر من خمسين يوماً، ان يتوقّف عند المبررات التي طرحها الرئيس التركي لتقديم دعوة كهذه, لحلف لم تعد مهمته «الدفاع» عن اعضائه في وجه حلف وارسو ومنظومة الدول الاشتراكية والاجتياح المزعوم لأوروبا من قِبل الاتحاد السوفياتي، على ما كان يزعم الاميركيون الذي استخدموا فزاعة كهذه لإخافة أوروبا الغربية, ومواصلة إقامة القواعد العسكرية الاميركية على اراضيها بما في ذلك الاسلحة النووية، بل تحوّل «الناتو» الى ذراع عسكرية ضاربة للولايات المتحدة, تستخدمه في حروبها واجتياحاتها لدول العالم, كما وضح دوره القذر في العراق وافغانستان ويوغسلافيا السابقة في عهد بيل كلينتون, عندما قصف بلغراد وصربيا وكوسوفو دون قرار من مجلس الامن في الحالات الثلاث, ويستعد للبقاء في العراق دون دعوة من حكومته الشرعية,على الرغم من قرار مجلس النواب العراقي الذي يدعو حكومة حيدر العِبادي الى وضع برنامج زمني لخروج القوات الاجنبية «كافة» من العراق.

كان مُتوقَّعا ان تمارِس الدول الاوروبية ضغوطاً على الإدارات الاميركية المتعاقِبة, كي تقوم بـ»حلِّ» حلف شمال الاطلسي او إلغاء صفته العسكرية بعد انتهاء الحرب الباردة وتفكّك حلف وارسو وانهيار الاتحاد السوفياتي,خصوصاً بعد مزاعم دول الغرب الاستعماري ان «الرأسمالية قد انتصرت» وبالتالي لم تعد هناك حاجة لحلف عسكري ضخم كهذا, يستنزف موازنات دول عديدة وفي الأساس يُبقي الهمينة الاميركية على الفضاء , ويكرِّس اوروبا قزماً سياسياً وساحة للنفوذ الاميركي، لكن بدلا من ذلك توسّع الحلف وتمدّد شرقاً وراح «يلتهم» في عضويته المزيد من الدول الشرقية التي كانت محسوبة على المعسكر الاشتراكي, بالضد من تعهداته لروسيا كوريثة للاتحاد السوفياتي بعدم ضم اي من الدول الاشتراكية السابقة او من جمهوريات الاتحاد السوفياتي السابق, الى ان وصل حدود روسيا نفسها, ناصباً الدرع الصاروخية على اراضي اكثر من دولة اشتراكية سابقة كرومانيا وبولندا, وتنظيم مناورات عسكرية بالذخيرة الحية على الحدود الروسية، وبخاصة في جمهوريات البلطيق الثلاث التي تواصِل واشنطن بث «الخوف» لديها من «اجتياح روسي» (...)لأراضيها خاصة عندما نصبت موسكو صواريخ إسكندر في جيب «كالينينغراد» والإدعاء الأميركيالأطلسي بان روسيا قادرة على غزو دول البلطيق هذه خلال 36ساعة... ولم تتورع واشنطن في ذروة هيمنتها على القرار الاوروبي (والياباني) عن إجبار ألمانيا واليابان المشاركة في حروبها (بذريعة محاربة الإرهاب)، وإرسال قواتِهما خارج أراضيهما لأول مرة منذ هزيمتهما في الحرب العالمية الثانية, ما يعني اصرار الولايات المتحدة على مزيد من عسكرة للعلاقات الدولية, واعتبار حلف شمال الاطلسي ذراعاً لها بمهمات «عالمية» ذات طابع عسكري.

ماذا عن دعوة أردوغان؟

من المستبعَد ـــ في المرحلة الراهنة على الأقلّ ـــ أن يستجيب «الناتو» لدعوة الرئيس التركي، وهو (الناتو) الذي تردّد كثيراً طوال السنوات السبع التي مرت على الازمة السورية, في التجاوب مع سياسات انقرة السورِيّة, وبخاصة بعد تأكُّد الحلف من فتح تركيا حدودها مع سوريا, لكل «انواع» الإرهابيين وتوظيفهم في خدمة مشروعها الخاص والذي وصل ذروته بإسقاط الطائرة الروسية في تشرين الثاني 2015 ظناً منها ان الناتو سيهرَع لمساندتها, او رغبة من اردوغان باستدراج الناتو لمواجهة روسيا التي لم يمضِ على إنخراطها في الأزمة السورية أكثر من شهرين, ثم ارتفاع منسوب التوتر مع موسكو على نحو بدا للجميع ان احتمالات انفجار الموقف بين الجانبين باتت واردة، فضلاً عن وصول علاقات أنقرة مع «واشنطن أوباما» مرحلة غير مسبوقة من الفتور، وسط انعدام قدرة عواصم الناتو كما معظم عواصم المنطقة, التكهّن بمواقف الترئيس التركي التي تتقلّب وتتبدّل في سرعة لافتة, سواء على مستوى التحالفات وطبيعتها ام في ما تتخذه حكومته من خطوات ومواقف متضارِبة ازاء الازمة السورية, وسط إنفعال تركي محموم لإحياء المشروع العثماني في المنطقة العربية بنكهة إسلاموية، فضحتها تحالفات أنقرة مع تيارات الاسلام السياسي التقليدي (الاخوان المسلمون) والاخرى ذات الخطاب السلفي الجهادي بمن فيها داعش والنصرة الذراع السوري لتنظيم القاعدة الارهابي، وغيرها ممن تولى الاتراك دعمها وتمويلها وتوفير الملاذات الآمنة لها، والتي وظّفوها بهدف إقامة إمارة حلب, قبل ان يُهزم مخططه ويجد في الدور المتصاعد لقوات سوريا الديمقراطية بأغلبيتها الكردية الذي رعته واشنطن... فرصة لغزو الاراضي السورية, تارة تحت اسم «درع الفرات» وراهِناً باسم «غصن الزيتون».

احد في العالم وخصوصاً في المنطقة العربية, لم يسأل: بأي حق يدعو الرئيس التركي حلفاً معادياً لسوريا وشعبها ودولتها، كي يتدخل فيها؟ وكيف يمكن للمعجبين أوالمساندين لسياسة تركيا العدوانية تجاه سوريا، ان يُفسِّروا هذه الدعوة من رئيس دولة غير صديقة لسوريا,هذا البلد العربي الذي دفع أثمانا باهظة جراء التدخلات التركية السافِرة في شؤونه، واستباحتها سيادته واراضيه و»الحلم» بإحياء مشروع أردوغان العثماني في المنطقة العربية... بدءاً من سوريا؟.

kharroub@jpf.com.jo