كتاب

سؤال (العمالَة) وطائفية أجهزة الأمن... في لبنان

هيدا لبنان.. ينتهي كل سجال او جدل حول كل ما يجري في لبنان. وما يجري مهما كان عابرا او ثانوياً, لا يمكن ان يمر بدون ردود افعال, يذهب معظمها الى أبعد حدود ويغرِف من معين الطائفية والمذهبية والاصطفاف السياسي, المحمول على تحالفات وتدخلات اقليمية, لا يعدو كونه في النهاية جزءاً من «معارك» تصفية الحسابات التي لا تتوقف. وإن توقّفت فانها اشبه باستراحة المحارب، لا تلبث ان تندلع ولكن تحت عناوين وملفات جديدة لا تملّ الطبقة السياسية الحاكمة من خوضها. وخصوصاً مهاراتها «التاريخية» في تحريك انصارها وتحشيد محازبيها وتحريض المنتسبين لطائفتها او مذهبها, حتى لو كانت المسألة تندرج في اختصاص القضاء الذي لا يتوقف هؤلاء عن الإشادة به ووصفه بالنزيه, وغيرها من الاوصاف المجانِّية التي تُخلَع على «القضاء» في معظم العالم العربي. في محاولة لاستدراجه او نيل رضاه او الإتكاء على المعارف والاصدقاء فيه، واذا ما اصدَر (القضاء) اي حُكْم لا يناسب هؤلاء او اولئك, حتى يبدأ القصف المركّز على هذه «السلطة», التي يُفترَض ان تكون مستقِلة وبعيدة عن التجاذبات السياسية والجدل الحزبي، لكنها(عندئذٍ) تغدو مُسيّسة ومطعون في نزاهتها, وينسى هؤلاء قصائد الدجَل (إقرأ الزجل) التي دبّجوها في مديحها كذباً ورياءً.

ما علينا..

عادت قضية الممثل والمسرحي اللبناني (السُنيّ كما يجب الإشارة لأسباب تخدم العجالة.. هذه).. زياد عيتاني، الى الواجهة, بعد ان كانت اخذت حيِّزا لا بأس به في السجالات اللبنانية المعروفة, منذ ان اتّهم في تشرين الثاني الماضي بالعمالة لاسرائيل، ولكن هذه المرة بعد ان دخل الى حكايته او مسرحيته ذات الممثل الواحد «الذي هو شخصياً», اثنان آخران احدهما «قُرصان» الكتروني والآخر (او الأُخرى) سيدة تحمل رتبة «مقدم» كانت تشغل سابقا منصب مديرة مكتب مكافحة الجرائم المعلوماتية في قوى الامن الداخلي, واسمها سوزان الحاج.. وإذ أدلى «الفنان» زياد عيتاني بإفادته التي تم تسجيلها بالصوت والصورة, معترِفاً بتعامله مع اسرائيل عبر «مُشغِّلَة» اسرائيلية, كانت تتواصل معه عبر شبكة الانترنت من إحدى الدول الأوروبية، ومع اقتراب موعد احالته الى المحكمة بعد انتهاء التحقيق معه في احد فروع «مديرية امن الدولة» بتهمة التعامل مع العدو الاسرائيلي، خرج وزير الداخلية اللبناني نهاد المشنوق على اللبنانيين ببيان نارِّي غير مسبوق في العمل الوزاري ليُعلِن «براءة» عيتاني من التهمة مُعتذراً باسم «كل اللبنانيين» من زياد عيتاني، مهدِّداً بالويل والثبور، كل الحاقدين والأغبياء الطائفيين الذين لم يجدوا غير هذا الهدف الشريف».. فاشتعلت الساحة اللبنانية واستُنفِر المحازِبون وابناء الطوائف واختلط حابل «العمالة» بنابل «البراءة» المُتِّكِئة على الطائفية والكيد السياسي، بل وصلت الى «المقامات العليا» وتبعية كل «جهاز امني» للرئاسة الاولى (رئيس الجمهورية الجنرال ميشال عون) حيث تُحسَب عليه مديرية امن الدولة، فيما يتبع «فرع المعلومات» رئيس الحكومة سعد الحريري, ما اوجد حالاً من الارتباك والدفاع المُضاد او «الوقائي» الذي لجأ اليه الافرقاء كي يُخفِّفوا من خسائرهم السياسية، وخصوصاً ارصدتهم الانتخابية قبل شهرين تماماً من الاستحقاق البرلماني (ستجري في السادس من أيار القريب) حيث «اشتبك» وزير العدل سليم جريصاتي «العوني.. وأحد اركان التيار الوطني الحر»، مع «زميله» وزير الداخلية في الحكومة الحالية (نهاد المشنوق) راداً عليه «بأن» الشعب اللبناني لا يعتذر من احد، ولا يليق بأي مسؤول تقديم اعتماده الانتخابية». وكالعادة انخرط زعيم الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط في «المعركة» مُغرِّداً في الاتجاه ذاته (قبل ان يحذِف تغريدته): لا علاقة للبنانيين ليعتذروا.. اعتذروا انتم يا أهل السلطة واستقيلوا».

المثير في كل ما جرى هو ان جهاز «فرع المعلومات» المحسوب على الحريري والمشنوق «اكتشف» ان التهمة الموجهة لعيتاني... مُفبرَكة، وان «المقدم» سوزان الحاج هي التي وقفت خلفها للإنتقام من عيتاني, الذي كان «سَخِر» في احدى تغريداتها, ما ادّى الى إبعادها عن منصبها, وكان أن عاونَها قرصان الكتروني عمل «مُخبِراً» لدى الفرع كي يُدخِل تهمة «العمالة» لاسرائيل.. لكن المسألة لم تنته عند هذا الحد, بعد ان جلس السياسيون و»الامنيون» على مقاعد القضاة وتدخَّلوا في مهامه، الامر الذي احرجهم جميعاً, فراحوا «ينسحبون» ويدّعون ان ما اطلقوه من تصريحات لا تعدو كونها تصريحات «شخصية» لا سياسية، الى ان استقرّ الرأي على ترك المسألة للقضاء ليقول كلمته, وهو رأي غير ثابت ولا يتوفّر على أي مصداقية, خصوصا اذا ما جاءت احكام القضاء مغايِرة لقناعات او مصالح طرف ما، عندها ستكون «مسرحية الممثل والمُقدّم والقرصان»، هي حدَث الموسم الانتخابي اللبناني – في حال جرت الانتخابات – الذي تتم هذه المرة وفق قانون انتخابي جديد يجمع بين النِسبي والأكثري, والذي يُمكن ان يُغيّر كثيرا في اوزان واحجام القوى السياسية والحزبية اللبنانية القائمة منذ عقدين ونيّف, وما يمكن ان يترتب عليها من مفاجآت «قد تطيح بعض الاحزاب والتيارات, او الأصح تُسهم في تحجيمها وكشف «قوتها» الحقيقية, التي كانت بنت «مَجدَها» السابق على العامل الطائفي والمذهبي, المدعوم إقليمياً والمُغطّى دولياً.

kharroub@jpf.com.jo