قبل أسبوعين أعاد جلالة الملك التأشير بوضوح إلى دور الشباب المغيّب، وطرق الخزان بقوة، وطالب الشباب بألا يركنوا إلى ما يريده الآخرون وأن يرفعوا صوتهم عاليا ويحتجوا على كل ما يعترض طموحاتهم ويمنع تقدم مسيرتهم ومسيرة الوطن.
هذه الدعوة، بدأت تأخذ صدى ومدى لدى مجاميع من الشباب، وإن لم يصل التجاوب بعد إلى المستوى الذي يحقق رؤية الملك الذي علّق آماله بهم، ومستوى طموحاتهم هم أيضاً.
ولكن قبل العروج إلى الطموحات والآمال، يصطدم كثير من الشباب بتحديات وعوائق تحول بينهم والشروع في تحقيق ما يطمحون إليه وما يأمله الملك والوطن منهم، وتذليل هذه التحديات والتغلب عليها هو شرط وضرورة للعبور إلى تحقيق الطموحات.
«الرأي الشبابي» سعى إلى رصد أبرز هذه التحديات، من وجهة نظر الشباب أنفسهم، الذين هم «أدرى بشعابها»، فاستطلع آراء عدد منهم ليسلطوا الضوء عليها، فعرضوا لها، وركزوا على الذاتي منها، والموضوعي كذلك. وجاوز بعضهم ذلك إلى طرح رؤاهم وتقديم مقترحات حيال سبل تجاوز هذه التحديات تمهيدا للانتقال إلى المرحلة التالية.
هذه التحديات، راوحت بين القلق من المستقبل الذي لا يراه كثير منهم مشرقا، إن على الصعيد الذاتي بتحقيق ذواتهم وتأمين مستقبلهم ومعيشتهم، أو على صعيد تنمية الوطن وتمكين الشباب من الاضطلاع بدورهم فيه.
فمن الهم الاقتصادي المتمثل بإمكانات الحصول على عمل ملائم في ظل تضاؤل فرصه، وتزايد نسب البطالة والفقر، إلى الهم السياسي الكامن في إقصائهم وتجاهل دورهم والحؤول دون تمكينهم سياسياً وإعاقتهم عن المشاركة في صنع القرار، مروراً بالتعليمي، والأخطر؛ الإبداعي الذي يحرمهم من فرص اكتشاف الذات وإبراز قدراتهم ورغباتهم الفردية والجماعية بفعل الثقافة الاجتماعية وطرائق التفكير التقليدية النمطية التي تقصيهم وتهمش آراءهم وتمنعهم من التعبير عما يجول في خواطرهم، ما يجعلهم نهباً للإحباط، وعرضة لتمكن الفكر الظلامي منهم وسيطرته عليهم، أو الانطواء والهروب عبر المخدرات من هذا الواقع.
وتاليا بعض أبرز هذه المشكلات والتحديات، كما يراها الشباب ويقدرونها:
البيئة المحيطة وفجوات التعليم
تقول المهندسة هبة شبروق، الخبيرة في مجال تسويق المنتجات إن من أهم المشاكل التي تواجه الشباب الأردني بيئة العمل المحيطة بهم بحيث أنه عندما يمتلك الشاب أفكاراً مختلفة يصبح الآخرون يحاولون احباطه والتقليل من شأن أفكاره بأنها غير مفيدة ومجدية، لذلك فالطابع العام للبيئة المحيطة محبط. ويجب على الشباب تشجيع أنفسهم والمبادرة لتقديم أفكارهم وتطويرها دون الاهتمام بما يقوله الآخرون.
وتشير شبروق إلى الفجوة بين التعليم الجامعي والمدرسي، فالتعليم برأيها ما يزال يعتمد على التلقين والحفظ أكثر من الفهم، وما تزال البيئة الأردنية ترى أن مستقبل الشاب هو إما أن يصبح مهندسا أو طبيبا أو محاميا حتى يكون ناجحا في حياته، دون الالتفات إلى المهن والتخصصات الأخرى؛ بينما الواقع أن أي تخصص يكون متوافقا مع ميول وطموح الشاب يمكن له أن يبدع به أكثر من غيره. وهذه النظرة المجتمعية تسبب ضغطا كبيرا على الشباب باختيار تخصصاتهم وتحد من التطور والإبداع.
وتلفت إلى مشكلة المواصلات العامة غير المتوافرة في جميع الأماكن، بالرغم من توافر التطبيقات الذكية المختصة بالنقل، التي سهلت الحصول على وسيلة نقل في أي مكان وبأي وقت وخصوصاً للفتيات؛ ولكن «ليس باستطاعة الجميع دفع الأجرة المرتفعة» مقارنة بوسائل النقل العامة.
الفراغ والتأثر بالثقافات المختلفة
من جانبها، تنبه المهندسة نسرين حراحشة إلى أن «تعاظم وقت الفراغ لدى الشباب مع توافر الانفتاح على الثقافات المختلفة والتعرض لتأثيراتها» هي من أهم المشكلات التي تواجههم.
وتعتقد بضرورة إيجاد برامج ومبادرات شاملة تستثمر في كل فرد منهم؛ فكل فرد يمتلك موهبة يحتاجها الأردن؛ لذلك «يجب تشجيع الشباب وإدماجهم في برامج ومبادرات وطنية متنوعة تخدم المجتمع والعملية التنموية»، والتركيز كذلك على بناء قدراتهم ومعارفهم في مختلف الصعد، وليس على صعيد تخصصاتهم الأكاديمية، وتوجيه نشاطهم وابداعاتهم لصالح المشاريع التنموية.
وتركز الحراحشة على أهمية تمكين المرأة الشابة وتوظيف كفاءتها التي لا تتعارض مع العادات والتقاليد، «فكم من مبدعة لم تشأ الظروف وتقاليد المجتمع أن يُنتفع بموهبتها!» ذلك الجزء من العالم الذي خلق لتكمل هي نقصه بكمال عقلها، والأردن من شماله إلى جنوبه لا يستغني عن أي كفاءة أردنية وموهبة حقيقية في ظل شح الموارد إلا من إنسانِه الذي كان ولا يزال نموذج الكفاءة المبدعة، وفق تعبيرها.
تضاؤل فرص العمل
ومن وجهة نظر ولاء سعادة فإن الشباب في المجتمع الأردني يواجه تحديات شتى قد تكون أهمها تلك التي تبدأ لحظة تخرجهم من الجامعات في رحلة البحث عن فرصة عمل مناسبة وانخراطهم كأفراد منتجين في المجتمع. إذ يتنافسون على عدد محدود جداً من الفرص مقارنة بعدد الخريجين، ويواصلون مسيرة التحدي لإثبات قدراتهم وكفاءاتهم في بيئة العمل؛ حيث يواجه الشباب شحّاً في بعض الموارد لتشجيع الإبداع الوظيفي، وبالتالي نرى الكثيرين ينهجون في عملهم روتينا واحدا يبقى يتكرر على مدار سنوات ما لم يكسر جموده حوافز تشجيعية لاستخراج الطاقات الاستثنائية لديهم.
كثرة المعيقات أمام الإبداع
روان النسور، صاحبة مبادرة «مفكرة كيف الحال»، ترى من جانبها أن أهم التحديات التي تواجه الشباب هي قلة المصادر وكثرة الاجراءات التي تتطلب من أي رياديّ وأي فكرة جديدة يرغب الشاب تنفيذها، وزيادة المصاريف والكلف التي تكون عائقاً لأي تقدم و تطوير فكرة تستحق الاهتمام، بالإضافة إلى كثرة الضرائب على أي مشروع حتى لو كان صغيرا، وقلة المردود المادي والمعنوي الذي يمكن الحصول عليه بسبب كثرة متطلبات تنفيذ أي مشروع أو فكرة ريادية من الشباب.
وتوضح النسور أن عدم وجود مرجع واضح لاعتماده في بداية انطلاقة الريادي ببداية مشروعه؛ يساعده في فهم وتوضيح الاجراءات التي يحتاجها، هو تحد واضح للشباب الرياديين، ولو كانت هناك دائرة أو جهة معينة يمكن اعتبارها مرجعية لأي استفسار أو أي تحدٍّ يواجه الرياديين الشباب، فإن ذلك يساعدهم في المضي قُـدُماً في تنفيذ مشاريعهم بنجاح ويقلل احتمالات الفشل التي يمكن أن تواجههم.
الاستقرار الوظيفي والاجتماعي
أروى الجارحي، أصغر عضو في مجالس المحافظات على مستوى المملكة، ترى أن التحديات التي تواجه الشباب في الوقت الحالي متعددة وكثيرة، وتختلف وفق مراحل الدراسة الثانوية والجامعية، وما بعدها..
فأغلب طموحات الشباب وأحلامهم هي أكبر مما يتخيل الاخرون؛ فالحصول على وظيفة والاستقرار الوظيفي من أكبر طموحات الشاب الأردني؛ فالشباب بحاجة إلى فرص عمل مناسبة للمساق العلمي الذي أمضى بين الأربع إلى خمس سنوات ليحصل على شهادة البكالوريوس.
وتنبه إلى أن الشباب بحاجة أيضاً لتوجيههم إلى المسار التعليمي الصحيح، لأن سوق العمل أصبح مكدّسا بتخصصات عديدة وما تزال تدرّس في الجامعات.
وبخصوص انخراط الشباب بالمشاركة السياسية ودمجهم بأماكن صنع القرار وتحقيق رؤية سيد البلاد جلالة الملك، مازالت هناك تحديات تعوقهم للوصول، وأهمها «التمكين السياسي وكيفية تمثيل الشباب فعلياً».
وتلفت الجارحي إلى أن ترشّح الشباب للانتخابات لأي مكان يُنظر إليه بأنه منافس من قِبَل من يتمسكون بالمناصب، لذلك فليس من صالحهم دعم الشباب الطَّموح، ويسعون لإحباط الشباب عن خوض الانتخابات بناء على مقياس العمر والخبرة والكفاءة التي يروجون أن الشاب يفتقر إليها.
أما بخصوص انخراط الشباب بالمشاركة السياسية ودمجهم في عمليات صنع القرار وتحقيق رؤية جلالة الملك فترى أنه ما يزال هناك الكثير من التحديات الي تعيق وصولهم والمشاركة، وأن على صانعي القرار والمجتمع المدني والشباب أنفسهم الكثير من العمل لتحقيق التمكين السياسي، وكيفية تمثيل الشباب فعلياً بالمشاركة السياسية.
ضعف التدريب والتأهيل العملي
ابنة المفرق أسماء العيطان، تلاحظ أن الشباب في محافظة المفرق يعيش حال ركود وقلق وانتظار مَعلَمُها الأساسي ايجاد فرصة عمل تناسب متطلبات الحياة وتحقق الطموح الذي يبحث عنه.
وتلفت إلى أنه مع وجود مخيم الزعتري وانتشار مشاريع المنظمات الدولية «زادت فرص العمل لدى الشباب» لكن المشكلة الأساسية التي تواجههم هي أن الشاب من المفرق ينافس كفاءات من محافظات أخرى, وهذا بحد ذاته تحد يعيشه الشباب في المفرق وسببه الرئيسي انه لا يوجد تدريب كاف تؤهل الشباب من لغة انجليزية, ومهارات التواصل والإدارة ومهارات حياة ومهارات استخدام الحاسوب.
ومع أنها لا تنكر أنه توافرت فرص التدريبات والدورات من هذا النوع في الآونة الأخيرة, لكنها «لا ترقى للمستوى المطلوب فعلياً كما ونوعا».
تقول العيطان: «لدينا قيادات شبابية في المحافظة قادرة على التأثير في المجتمع, لكن لازالت هذه القيادات محكومة بمنظومة لا تظهر للعيان، وهي أساساً مصالح شخصية لمن صنع هذه القيادات».
والشباب في المفرق لا يظهر استياءه من القرارت الحكومية «سوى في المقاهي والجلسات المغلقة», لأن لديهم قناعة بأن «الاعتراض والتعبير عن الرفض لا يأتي بجدوى», والسبب الثاني، وهو الأهم، أن محافظة المفرق تعيش في وضع حساس أمنياً بسبب اللجوء السوري أولاً، وقربها من الحدود والأحداث الملتهبة ثانياً.
أما عن دور المرأة في المجتمع، فمن تجربتها الشخصية، تؤكد أن المجال مفتوح للمرأة لتولي مستويات إدارية مهمة وتوليها المسؤولية في مجالها, رغم طبيعة المجتمع التي تميز محافظة المفرق وهو مجتمع محافظ.
محدودية فرص
المشاركة والتمكين
الشاب فيصل صويص يصدر من حقيقة «أننا نحن الشباب عماد الحاضر وأمل المستقبل ونشكل الغالبية بالمجتمع الأردني ورغم أننا الغالبية إلا أن مشاركتنا محدودة في مختلف المجالات ولدينا تحديات سياسية واقتصادية واجتماعية.
ففي الشأن السياسي يجب أن تتاح الفرصة لنا بالمشاركة بالتنمية السياسية والديمقراطية وأن نكون جزءاً أساسياً في الإصلاح الذي يقوده جلالة الملك.
ونحن نشعر على أرض الواقع أننا لا نملك أحزابا حقيقية تحمل برامج وأفكاراً يمكن من خلالها بناء جيل واعٍ سياسيا يستطيع أن يحمل الراية فيما بعد. وأغلب الأحزاب هي لأشخاص ولمصالح معينة وعلى جميع المؤسسات النهوض بقطاع الشباب الذي لديه طاقة وعلم ومعرفة وأن يتم الاستغلال بالطريقة الصحيحة التي تساعد في زيادة قوة الأردن وأن نكون الحاجز أمام كل التحديات الداخلية والخارجية.
وفيما يتعلق بالشأن الاقتصادي، يؤشر صويص إلى أن الأردن يعاني وخصوصا بالسنوات الأخيرة من أزمة اقتصادية وحصار خصوصا مع إغلاق الحدود وأزمة اللاجئين وقلة الموارد الاقتصادية والنقص الذي حدث بالمساعدات والمنح من الدول الشقيقة والصديقة.
كل هذه التحديات، برأيه، كان لها الأثر المباشر بزيادة نسبة الفقر إلى أكثر من 20% و نسبة البطالة إلى أكثر من 18% هذه الأرقام ساهمت في تعميق شعور الشباب بالخوف من المستقبل والشعور بحال من الفراغ والفجوة في العلاقة مع المؤسسات، لذلك «علينا تحويل هذا التحدي إلى فرصة حقيقية تساعد في تمكين الشباب الأردني اقتصاديا».
أما التحديات الأخرى بتقدير صويص، فتبرز مشكلة انتشار المخدرات بين فئة الشباب، وهذه تحتاج إلى زيادة وعي وهناك جهود مباركة لإدارة مكافحة المخدرات لكن أيضا يجب أن يكون هناك تعاون لنساعد على القضاء على هذا السرطان.
أيضا في قضية مكافحة التطرف الفكري فالشباب هم الفئة الأكثر استهدافا لهولاء الخوارج، فعلينا تحصين الشباب وهذا واجب الأهل والمدارس والجامعات والإعلام وأيضا واجب المؤسسات الدينية المسيحية والإسلامية بزيادة الوعي، فالإرهاب يستهدف العقول، ومحاربته يجب أن تكون بالفكر وليس فقط بالحروب العسكرية.
بالنهاية لا يمكن بناء دولة مدنية أساسها سيادة القانون والمواطنة الحقيقيه إلا ببناء شباب واعٍ وقادر على حمل الراية وأن يكون مؤمنا بهذا الفكر. والشباب الأردني صاحب كفاءة وقادر على الإنجاز، فرسان التغير أكبر دليل على ذلك، لكن نحتاج إلى من يقف معنا، ولديّ قناعة راسخة أنّه بالحوار والاهتمام الصادق سنستطيع أن نغير كل السلبيات ونحولها الى إيجابيات لمستقبل أردن طافح بالأمل.
ويتكىء صويص إلى ما قاله الملك من أنه يريد من الشباب «أن يكون صوتنا أقوى وأعلى وهذا ما نطمح إليه»؛ «فعلينا أن نطبق ما قاله الملك وأن يوحدنا صوت الوطن والعمل لبناء أردن أقوى».
تهميش سياسي وتضييق اقتصادي
أمجد الكريمين، سفير الشباب العربي والناشط الشبابي، يعتقد أننا نرى اليوم، في الأردن، حالة غير طبيعية لإفرازات وحجم التهميش الذي تتعرضُ له بعض نخب الشباب الأردني.
وعلى رغم وجود قصص نجاح هنا وهناك، لكنها لم تصل حد التعميم لتتحول ظاهرة في ظل المشاكل والتحديات التي تعاني منها أوساط الشباب.
فاليوم، وفق الكريمين، يعاني الشباب الأردني بشكل كبير من مشاكل الملف الاقتصادي الذي هو المشكلة الثانية بترتيب المشاكل والصعوبات التي يتعرضُ لها الأردن والمجتمع الأردني، والذي يؤثر بشكل كبير على فئة الشباب من هذا المجتمع الذي يعتبرُ بعمومه مجتمعاً فتياً.
ويدلل على ذلك بتقديرات منظمة العمل الدولية في تقريرها الصادر قبل فترة وجيزة، ارتفاع معدل البطالة في المملكة إلى 30% مع نهاية العام الماضي. وهذا يدلل على حجم الأزمة الاقتصادية التي يعيشها الشباب الأردني، التي تنعكس على الواقع السياسي والاجتماعي والثقافي للشباب الأردني.
أمّا سياسياً، فيلاحظ أن دور الشباب الأردني في هذا الجانب مايزال مُهمشاً بشكلٍ كبير؛ فمسألة تمكين الشباب سياسياً، وجعلهم يأخذون أدواراً متقدمة بهذا المجال ما تزال حبراً على ورق، خصوصا تلك المتعلقة بالأحزاب السياسية دورها الوطني في تعزيز وتمكين الشباب.
وفي ظل ذلك ظهرت حالات في صفوف الشباب الأردني منها الإحباط والقبول به لدى الشباب، جرّاء البطالة والفقر وعدم الاستقرار النفسي.
ويؤشر الكريمين إلى حالة غير طبيعية تتمثل بانتشار أفكار التطرف بين صفوف الشباب الأردني، إضافة إلى انتشار آفة المخدرات بشكلٍ كبير وملموس بينهم، «ولنقِس على هذه الظاهرة باقي الظواهر.. عنف مجتمعي، عنف جامعي، ازدياد حالات الانتحار، الأزمات الأخلاقية... إلخ، التي أصبحت تنخر الجسد المجتمعي الأردني وأخصّ فئة الشباب منه».
ويشدد الكريمين على أنه من حقنا اليوم، أن نبحث عن حلول مشتركة، فالصمت والحياد بهذه المرحلة هو خطيئة وجريمة كبرى لاتغتفر بحقّ الشباب والمجتمع ومستقبله، فاليوم الشباب الأردني يقرع جميع أبواب المؤسسات الرسمية الأردنية بحثاً عن حلولٍ مشتركة لأزماته، ولوضع الرؤى المناسبة للحلول والقابلة للتطبيق على أرض الواقع ، فالشباب الأردني لم يعد يحتمل مزيداً من الضغوط، وأصبح اليوم يعاني مصاعب الواقع المعيشي بكل تصوراتها.
ولعل ملف «التعليم» وما يتشعب منه من ملفات، أولها ارتفاع نسبة البطالة لعدم ربط مخرجات التعليم بحاجات سوق العمل من أبرز العوائق. وهو يعتقد أن لا علاقة لمخرجات التعليم حتى هذه اللحظة بالاحتياجات الاقتصادية.
لذلك، يشدد على ضرورة ربط مخرجات التعليم بالاحتياجات الاقتصادية، حتى «لا تكون لدينا عمالة فائضة في اختصاص ونقص في اختصاصات أخرى».
ومن جهة أخرى، يفتقد التعليم اليوم، برأيه، إلى التركيز على التدريب المهني والمهن التقنية؛ إذ تغطي هذا النقص العمالة المهاجرة إلى الأردن، مما يعني زيادة البطالة بين الأردنيين.
وهذا، باعتقاد الكريمين، يتطلب «توفير برامج تقنية متخصصة» لتدريب الشباب ليتوجهوا لسوق العمل في المصانع والمؤسسات والمستشفيات والفنادق وجميع النواحي بحيث يكونوا مؤهلين ومدربين.
عدم تقبل المجتمع لأفكار الشباب
الريادية عائشة سلمان تعتقد أن أحد التحديات التي تواجه الشباب هو «عدم تقبل المجتمع لأفكار الشباب الجديدة وضعف الإيمان بالطاقات الشبابية»، وهو ما يؤدي إلى تثبيط معنوياتهم ومنعهم من تنفيذ أفكارهم على أرض الواقع و إصابتهم بالإحباط..
نقص التوجيه وإهمال
بناء الشخصية
رئيسة قسم التدريب والدراسات في نقابة المهندسين الأردنيين المهندسة هدى الحسيني تشير إلى أن الشباب الأردني، وبخاصة في السنوات الأخيرة، أثبت مقدار تميزه في المجالات المختلفة محليا وإقليميا وعالميا، وحجز لنفسه المقاعد الأولى في المحافل الدولية، ممثلا الأردن بأرقى وأبهى صورة ممكنة، ولفت نظر العالم أجمع إلى فكره الإبداعي والريادي والقيادي بين شباب العالم، ولم تمنعه التحديات على اختلافها من العمل لقيادة التغيير.
وفي الوقت ذاته، تؤكد الحسيني أن الشباب يواجه العديد من التحديات المختلفة، نظراً للتغيرات السريعة التي تحدث في العالم والمنطقة من تكنولوجية وسياسية واقتصادية وغيرها، والتي تختلف باختلاف العوامل الفكرية والجغرافية والبيئية والتعليمية التي تؤثر على كل شريحة عمرية من جيل الشباب بشكل مختلف عن الآخر.
وتلفت إلى التحديات المشتركة التي يواجهها القطاع الشبابي وتؤثر على سرعه تطوره وتلبية طموحه؛ حيث يشكل نقص التوجيه في أكثر من مجال، أكان في الأسرة أو التعليم أو المجتمع، معضلة تحرم الشباب من فرصة اكتشاف مهاراتهم وسماتهم الشخصية وميولهم، مما يجعلهم يكبرون ويدرسون ويعملون في أماكن لا تناسب مهاراتهم ولا ميولهم.
وهذا يؤدي إلى ضياع الموهبة والإحباط وقصور الإنجاز المطلوب، إضافة إلى الشعور الدائم بالتيه والضياع.
ووفقا للحسيني، فإن التعليم مستوى التعليم التطبيقي والبحثي ما زال متواضعا في الكثير من المدارس والجامعات، مما يصعب على الشباب رغم تميزهم العلمي على المنافسة في المشاريع الكبرى والأسواق العالمية.
وساهم الفكر التقليدي، برأيها، في تحديد ماهية الأعمال المطلوبة في مختلف المجالات، ما أدى إلى طرح وظائف وأعمال بمسميات محدودة للعمل بها وأهمل العديد من الجوانب الأخرى المطلوبة بسبب عدم وضع مسمى معروف لها؛ مما أدى إلى إشباع وركود في معظم الأعمال والوظائف المطروحة، وعدم تغطية أعمال ووظائف ضرورية للتنمية والتطوير، وازدياد مستمر في نسبة البطالة.
وتتابع: «رغم المحاولات لتغيير هذا الفكر وتوسيع آفاق أصحاب العلاقة وتوجيههم نحو أنواع جديدة من الأعمال والصناعات الإبداعية، إلا أن الموضوع ما يزال بحاجة إلى توعية مكثفة لحصد نتائج معقولة».
وتوضح الحسيني أن الشباب في المجتمعات المختلفة يتعرضون إلى فقاعات موسمية تسلط الضوء على مجالات مختلفة يتم تضخيمها فجأة، تجعلهم يتشتتون فيها معتقدين أنها المستقبل وأن الاستثمار فيها ضرورة، ويكتشفون لاحقا أن الواقع مختلف تماما عن الصورة التي ظهرت لهم بشكل مضخم.
وتنبه إلى أن مواقع التواصل الاجتماعي ساعدت في ذلك، باتاحتها منصة لأفراد ليسوا من ذوي الخبرة الكافية للترويج لهذه الفقاعات وتضليل الشباب بشكل أو بآخر.
ويشكل جانب نقص السيولة المادية، وفق الحسيني، محورا مهما بالنسبة للتحديات الشبابية حيث تعرض قطاعات مختلفة إلى أزمات اقتصادية متفاوتة في شدتها ومدتها يؤثر سلباً على الوضع الاقتصادي للشباب.
فيؤدي نقص السيولة بين أيديهم إلى إعاقة وتقييد خطواتهم نحو أي تطور شخصي أو علمي أو مهني. الأمر الذي يساهم في ازدياد نسبة فشل مشاريعم وأفكارهم الريادية، التي يعتبر التمويل أحد أهم الركائز لتسريع نجاحها ويحول دون فشلها وإغلاقها في مدد زمنية قصيرة.
وتؤكد أن قضية المحسوبية والمعارف، والتشكيك بالنجاح والإنجاز المبني على الجهد والكفاءة وضعف فرص تحقيقه أو انعدامها، أضعف إيمان الشباب بوجود فرص واقعية للنجاح الحقيقي واستثمار الكفاءات والعدالة وتوزيع الفرص المبنية على أسس صحية وصحيحة.
قصور أنماط التعلم
الناشط الشبابي عمر شاهين يرصد من جانبه تحديات كثيرة، لا تتعلق في الجانب الاقتصادي أو التعليمي فقط، وإنما الجانب المجتمعي التعاملي الذي يغفل عنه الكثير من الشباب الذين هم أساس النجاح والتقدم في المجتمع الأردني اليوم.
ويلفت شاهين إلى أن التحديات على الجانب الشخصي تتمثل في «فن التواصل والتعارف مع الآخرين» الذي يفتح آفاقا واسعة للتطور والخبرة والعمل بعيدا عن الطريقة التقليدية المتبعة.
ويشدد على أن طريقة التعليم الكلاسكية باتت تشكل تحديا كبيرا أمام الشباب، وبخاصة عند التوجه الى سوق العمل؛ فالشباب «لا يحتاجون شهادة فقط وإنما تطبيقا فعليا لما تعلموه في الجامعة».
ويوضح شاهين أن التحدي الاقتصادي المجتمعي بات يقلق الشباب؛ فقد أصبح تأمين مستقبل الشباب اليوم أشبه بالخيال مع ارتفاع اسعار الشقق والمهور وقلة الرواتب وشجع أصحاب الشركات والسيطرة والاحتكار لقطاعات واسعة، حيث بات الزواج يشكل هماً وعبئا كبيراً على كاهل الشباب.
بالمجمل، فإن هذه التحديات تتطلب من المجتمع والدولة اعتناءً، وقبل ذلك إصغاء إليها، والبحث عن مخارج واجتراح حلول حقيقية وإبداعية لتمكين الشباب.
ولكن، قبل ذلك، على الشباب أنفسهم أن يتبصروا هذه التحديات ويتلمسوا مواطئ أقدامهم ولا ينتظروا من الآخر مد يد العون إليهم، وأن يبادروا بأنفسهم ويعتمدوا على قدراتهم وإراداتهم لتطويعها وتذليلها وتحويلها فرصا متاحة ومواطن قوة لهم.