لا حديث في العراق وخصوصاً لبنان, يطغى على ملف الانتخابات، رغم ما يعانيه البلدان من مشكلات متفاقِمة.. معيشية وأمنية واقتصادية وارتفاع المديونية وصراع بين المكونات السياسية, التي ما أن تلتقي على مسألة ما, أو تجد لنفسها فرصة للتحالف أو التوافق على ملف أو قضية ما, حتى تنزلق الى دائرة السجال المُفضي الى انفراط التحالفات, التي هي هشَّة وعابِرة, ولا تعبِّر عمّا يُبيّته كل طرف للآخر, لتشهد تراشقات كلامية وضربات تحت الحزام, تنحو في اتجاه الطائفية والمذهبية والبحث عن ادوار ونفوذ, يراه البعض انه بات ممكناً, فيما يسعى اخرون لتعزيزه وتصدّر المشهدين السياسي والحزبي.
في العراق ما يزال الصراع على مسألة استمرار او تأجيل موعد الانتخابات, التي تحدّد في الثاني عشر من ايار القريب... على أشدِّه, بين المكونات والكتل السياسية والبرلمانية «الحالية», وتلك التي اعلنت خوضها الانتخابات، لكن الصراع في النهاية (الذي حسمته المحكمة الاتحادية يوم امس بإجراء الانتخابات في موعدها) اتّخذ طابعه المعتاد, والذي «طبع» العراق منذ الاحتلال الاميركي في العام 2003، وهو الطابع الطائفي والمذهبي, حيث تُعارِض القوى «الشيعية» مطلب التأجيل, سواء في ما خصّ الانتخابات البرلمانية, ام تلك الخاصة بالحكم المحلي (البلديات), فيما المكونات والقوى «السُنيّة», التي ازداد وزنها وتأثيرها بعد انضمام القوى «الكردية» اليها, تُصرّ على التأجيل.. حيث نجحت الاخيرة في تطيير «النصاب» في مجلس النواب, ما حال دون حسم مسألة التأجيل، الأمر الذي دفع بالقوى الشيعية للتهديد باللجوء الى المحكمة الاتحادية.
لا تختلف الحال في العراق على تلك الذي تجري في لبنان, المحكوم هو الآخر بلعنة الطائفية والمذهبية, والتي تتّخذ في «المواسم الانتخابية» بُعداً اكثر حدة واستعداداً للمواجهة, كون الانتخابات المتوقَّعة في السادس من ايار المقبل, ستكون «الاولى» منذ تسع سنوات, هي عُمر مجلس النواب الحالي, الذي مَدّد لنفسه دورة كاملة (على فترات) لاسباب تم «اختراعها»من قِبل القوى المُمْسكة بقرار المجلس، تارة بِذريعة الاوضاع الأمنيّة، وطورا لانعدام القدرة على اجرائها لاسباب اجرائية ولوجستية مثل البطاقة الممغنَطة، واحيانا في اشتراط التوافق على قانون انتخابات جديد يطوي القانون المُسمّى «قانون الستين», والذي اكتسبت الاحزاب والقوى السياسية الراهنة مكانتها ودورها.. منه، لكنها تلعنه في العَلَن وتتمسك به في الخفاء، الى ان نجحت الضغوط والتحالفات ذات الطابع المؤقت, في استيلاد قانون جديد, يجمع بين النسبية والدائرة المنفرِدة, بديلا من القانون «الأكثري» الذي يمثّله قانون الستين.
يزيد من حدة الازمة المتدحرجة في لبنان, والتي تتخذ طابع «العناد» بين الرئاسة الاولى اي رئاسة الجمهورية والرئاسة الثانية التي يمثلها رئيس مجلس النواب نبيه بريّ، هو اعتماد القانون الذي وقّعه الجنرال عون كرئيس للجمهورية، ورئيس الحكومة (الرئاسة الثالثة) سعد الحريري, بمنح الاقدمية لضباط دورة العام 1994، عندما كان الجنرال عون رئيساً مؤقتاً للحكومة, قبل ان يضطر للجوء الى السفارة الفرنسية في بيروت وقتذاك.
سجال الصلاحيات و»الميثاقِية» التي يتذرّع بها كل سياسي او طائفي او مذهبي في لبنان (لا تستثني احدا) متواصِل, بإصرار وزير المالية المحسوب على بري (ولنقل الشيعي) التوقيع على القانون، ما يزال يتصدّر المشهد، ودخل عليه مؤخرا «اقتراح» من رئيس التيار الوطني الحر (التيار العوني) وزير الخارجية جبران باسيل، لتمديد فترة تسجيل المغتربين في سجِل الناخبين, ما يستبطن تأجيلا لانتخابات السادس من ايار لاعتبارات «تقنية», وهو ما يعارضه بشدة رئيس مجلس النواب الذي يرفض فتح قانون الانتخابات او المس بالمهل الانتخابية تحت اي ظرف, وهي لعبة عض وعِناد, ما تزال متواصلة ولا تجد لنفسها مخرجا بعد، وخصوصاً ان رئيس الحكومة سعد الحريري يلتزم الصمت (وليس الحياد في ما يبدو). ما يترك الامور في خانة «التعويم» المرشح للتصعيد, لأن طرفي المعادلة يرفضان النزول عن الشجرة العالية التي صعدا إليها.
العراق (كما لبنان) بات أسير المعادلة الطائفية المذهبية، وهو - كما لبنان دائماً - لم يعد قادرا على مغادرة هذا المربع الخانق، بعد ان استمرأت القوى والمكونات السياسية والحزبية هذه اللعبة الكريهة، وبنت امجادها السياسية والشخصية, على مخاطبة الغرائز والتحشيد المتكئ على إثارة النزاعات ذات البُعد الإنقسامي الآخذ في التجذر, على النحو الذي رأيناه في التحالفات الانتخابية التي سبقت اغلاق باب تسجيل الكتل والتحالفات, للانتخابات لدى الهيئة المعنية، حيث برزت الخلافات والانتهازية بين المكونات والقوى الطامحة لتصدر المشهد, وخصوصاً في استغلال هزيمة داعش لاستثمارها سياسياً وحزبيا,ً ولم ينج اي مكون سياسي او حزبي من هذه الآفة, سواء كان شيعياً أم سُنيّاً أم كرديّاً أم عابراً للطوائف والمذاهب, وان كان هؤلاء قلّة وأضعف من التأثير في المهشد الطائفي والمذهبي المُتغوِّل.
لبنان كذلك لن يخرج من «اللعبة» إياها الممتدة منذ سبعة عقود ونيف, وما يزال كثيرون يرفضون تطبيق أهمّ احد بنود الطائف الذي ينص على «إلغاء الطائفية السياسية»، ويرى البعض منهم انه «غطاء» لإعادة رسم «خريطة القوى» وِفق أبعاد «ديموغرافية» غيَّرَت عميقاً في المشهد اللبناني لصالح «المسلمين» رغم ان هناك من يتعهّد بالإبقاء على مبدأ «المناصَفة» بين عنصري بلاد الأرز.. المسلمين والمسيحيين.
لهذا ليس مفاجِئاً أن ينخرط البلدان المُبتلَيان بالصِراع الطائفي والمذهبي في لعبة تطيير أو تأجيل الانتخابات, وتوظيف «الساسة» لها لتعزيز نفوذهم, حتى لو استمر شعبا البلدين في معاناتِهما المعيشية وتراكم الأعباء الحياتية الهائلة.. عليهما.
kharroub@jpf.com.jo
لعبة «الطائفية والمذهبية» في... الانتخابات العراقية واللبنانية
11:00 21-1-2018
آخر تعديل :
الأحد
مواضيع ذات صلة