بعد شهر ونصف (أي في 14 و15الجاري) من إعلان ترمب الاعتراف بالقدس عاصمة لدولة العدو الصهيوني، مِنْ المُقرَّر ان يلتئم المجلس المركزي لمنظمة التحرير الفلسطينية في دورة تحمل الرقم 28 وهو الاجتماع «الاول» منذ عامين تقريباً (آذار 2015) , كان التقى فيه اعضاء هذا المجلس «المهّم» ولكن على الورق, والذي هو «صلة وصْل» بين اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير والمجلس الوطني الفلسطيني, وكلاهما من اسف, دخلا مربع التعطيل والتهميش, ولا يُدعَيا الا في مناسبات او احداث تكون قد فقدت «وهَجَها» ولم تعد لقراراتهما ثمة اهمية, ليس فقط لان قراراتهما (اقرأ توصياتها) لا يُؤخَذ بها وايضا وهذا هو الاساس، لأنهما لا يُشكلان خطرا على مركز القرار الفلسطيني, الذي هو الآخر محكوم بالتردّد والإنفعال والمناكَفة, على قاعدة تصفية الحسابات الشخصية او الفصائلية.
ما علينا..
بعد اسبوعين «من الان» سيعقِد المجلس المركزي دورة جديدة تحت عنوان «القدس العاصمة الأبدية لدولة فلسطين», وهو عنوان بات جزءا من الفلكلور السياسي, حيث تم رفعه منذ السادس من كانون الاول الماضي وتواصَل تكراره في اكثر مناسبة وتصريح وتعليق وتحليل، ولم يخرج بعد الى حيز الوجود او دائرة الفعل, ما يجعل منه عنوانا لمرحلة جديدة يتم فيها ومن خلالها، طي صفحة وممارسات ومقاربات واتفاقات وتنسيقات استمرت ربع قرن من الزمن، دون ان تُسهِم في إحداث اي تغيير جوهري على ارض الواقع الفلسطيني المُدمّر, رغم ما حفل به خطاب القيادات الفلسطينية ,سلطوية كانت ام فصائلية، من وعود وتفاؤل غير مُبرَّر وتهديدات لم تُنفَّذ، فيما كانت المستوطنات تتزايد في شكل سرطاني وفيما كانت عملية تهويد القدس تجري بتسارع وخطط مُعلَنة, دون ان تلقى اي رد فعل من الجانب الفلسطيني, غير تلك المصطلحات والعبارات التي فقدت معانيها ولا يعيرها العدو الصهيوني اي اهمية, ما دامت لا تخرج عن اطار «الكلام» الذي حفظه الصهاينة عن ظهر قلب, تماماً كالبيان المُصاغ باللغة الخشبية والفارغة ذاتها, الذي اصدرته حركة فتح يوم امس ردا على قرار مركز حزب الليكود الفاشي بـ»ضم المستوطنات اليهودية في الضفة الغربية الى اسرائيل» وقرار حكومة نتنياهو «إلزام الوزارات بالتعامل مع الضفة الغربية المحتلة كجزء من اسرائيل» فيما ذهب بيان فتح الى اعادة انتاج اللغة السقيمة للبيانات والمصطلحات السابقة, كوصف قرار الليكود بانه «لعِب بالخطوط الحمراء» و»نسف لكل الاتفاقات الموقعة» و»استفزاز لا يمكن السكوت عنه» و»انتهاك لقرارات الامم المتحدة ومجلس الامن التي آخرها القرار 2334» و»اسرائيل تتحمّل المسؤولية الكاملة عن تبعات هذا القرار» والاكثر اثارة للسخرية والغضب في الآن نفسه, ما جاء في البيان ذاته من «الأسف لان اسرائيل استغلّت قرار ترمب المرفوض والمنافي للشرعية الدولية, من خلال التمادي الى حد اعلان الحرب على الشعب الفلسطيني».
ليس ثمة ما يدعو للتفاؤل بامكانية خروج دورة المجلس المركزي العتيدة (إن عُقِدت) بقرارات او مواقف ذات تاثير ووقع على العدو الصهيوني او الادارة الاميركية, فضلا عن كونها ستكون مناسبة للمزايدة بين الفصائل التي افتضِحَ خطابها ولم تعد تجد في «رصيدها اللغوي» (دع عنك النضالي, الذي وَضُحَ حجمه الضئيل خلال الاحتجاجات الشعبية التي اعقبت قرار ترمب الاجرامي) ما يُقنع الجمهور الفلسطيني بان لديه «قيادات» قادرة على اغتنام فرصة انهيار «برج» عملية السلام، لاستعادة الوحدة الوطنية الفلسطينية وإعادة بنائها على اسس نضالية تلحظ حجم النكسات والهزائم والانكسارات التي لحقت بالمشروع الوطني الفلسطيني، طوال ربع قرن على توقيع اتفاق اوسلو. الذي كان مثابة نكبة ثانية الحقها المناضلون الواهمون..بقضيتهم وشعبهم, دون ان يعتذروا عنه, او يسعوا الى التنصل منه والدعوة الى اعادة بناء منظمة التحرير الفلسطينية وفق منظور جديد بعيدا عن عقلية احتكار الوطنية والاقصاء والزبائنية التي حكمت سلوك السلطة/المنظمة منذ ايلول 1993 حتى الآن.
لن يغير كثيرا حضور حماس والجهاد الاسلامي (ان حضرا) دورة المجلس المركزي رقم 28في المشهد الفلسطيني, اذا ما بقيت «اللغة والممارسة» السائدتان الآن على ما هما عليه, من ارتباك وتردّد وانعدام رؤية او مقاربة جديدة للمشهد الفلسطيني. الذي اخذ اصحاب السلطة وقادة الفصائل «يعتادان عليه» وانحصرت ردود افعالهم في «الانضمام الى مزيد من منظمات وهيئات ووكالات الامم المتحدة» ولم يتعد موضوع الذهاب الى محكمة الجنايات الدولية لمحاكمة مجرمي الحرب الاسرائيليين «التهدديد والتلويح بذلك»، وخصوصا محاولة غمز الادارة الاميركية باستدراك الامور وابداء نوع من المرونة كي يتم حفظ بعض ماء الوجه للذين راهنوا كثيرا وطويلا على «الوسيط الاميركي النزيه» الذي ادار ظهره بازدراء لهؤلاء, وراح يتحدث عن عقم اي اتفاق سلام اذا لم يكن «الحائط الغربي» في يد اسرائيل. وها هو قرار الليكود يقول:انه بـ»مرور 50 عاما على تحرير أقاليم يهودا والسامرة بما فيها القدس, عاصمتنا الخالدة،يدعو مركز الليكود للعمل للسماح ببناء حرّ, ولإحلال قوانين اسرئيل وسيادتها على كل مجالات الإستيطان المحرّرة في يهودا والسامرة»(المنطقة ج)..... يترك هؤلاء المراهنين على الوساطة الاميركية «عُراة», لا يستر شيء عورات سياساتِهم ومراهناتِهم البائسة على واشنطن.
فهل تخرج دورة المجلس المركزي بمواقف جديدة, تقطع مع الماضي التفريطي وتؤسس لحاضر فلسطيني جديد؟
لست من المتفائلين رغم كل ما يُقال... والأيام ستقول.
kharroub@jpf.com.jo
مواضيع ذات صلة