تعيش معارضات الخارج السوري وخصوصاً منصات الرياض2، في تيه وتخبّط وتجد نفسها في حال بطالة حقيقية, بعد أن انكشف خواء خطابها وعجزها عن تقديم اي رؤية سياسية ذات قدرة على البقاء او الصمود في وجه حقائق الميدان السياسية وخصوصاً العسكرية, وبعد ان تخلّى المشغلون عنها واعترفوا - مرغمين - بهزيمتهم وفشل مشروعهم الاجرامي لاسقاط الدولة السورية واشاعة الفوضى في المنطقة, وبخاصة في «تسهيل» وتسريع عملية تصفية القضية الفلسطينية, التي بدأت تتكشّف - هي الاخرى - حلقات التآمر مع دولة العدو الصهيوني والدوائر الاميركية المتواطئة لإطلاق هذه العملية الخبيثة, التي فشلت طوال سبعة عقود انقضت على قيام الدولة الصهيونية, ثم وجدت فرصتها السانحة في مشهد عربي مأزوم ومتواطئ ومنشغل بقضايا وملفات وخلافات مفتعَلة, تارة تحمل عناوين الخلافات الطائفية والمذهبية والدعوة الى تحديد العدو «الحقيقي» للأمة (..) الذي اكتشفه عرب اليوم في ايران والمذهب الشيعي, وطوراً في ان المنطقة... دولها والشعوب, قد «تعِبَت» من صراع كهذا, وان الوقت قد حان لأن يعترف العرب وخصوصاً الفلسطينيين بـ»الواقع» الذي فرضته اسرائيل, هذه الدولة «القوِية» بل والاقليمية «العظمى» غير القابلة للهزيمة (..كذا).
معارضو الخارج السوري باتوا في عزلة, ولم يعودوا قادرين على مواصلة الزعم بأنهم يمثلون الشعب السوري او حتى جزءاً وازناً منه،وقد تلبّسهم الرعب واحتمالات سحب بساط التمثيل «الحصري» المزعوم للشعب السوري, والذي «تحصّلوا» عليه تزويراً وتواطؤاً في غفلة من الزمن وفي لحظة وصلت فيها المؤامرة ذروتها, عندما جيء بهؤلاء الى «المنصّات الدولية» كي يجلسوا على مقاعد المعارضة, بزعم النطق باسم الشعب السوري، لكن «اللعبة» وصلت الى نهايتها, ولم يُقنِع ثوار الفنادق وفرسان الميكروفونات أحداً, بأنهم الذين «انتدبهم» الشعب السوري لتمثيله. وراحت الاضواء تنحسر عنهم تدريجياً, بعد ان قالت الميادين كلمتها وانكشفت حلقات المؤامرة التي ارادت تقويض الدولة السورية ومصادرة دورها وموقعها الجيوسياسي في المنطقة.
هنا والان وبعد ان وصل قطار استانا في محطته الثامنة الى توافقات بين الدول الثلاث الضامنة، باتت الطريق الى مؤتمر «سوتشي1» سالكة, بل وبتسارع بعد أن ازيلت - او في طريقها - معظم العقبات والألغام التي حاول الاميركيون وادواتهم في معارضات المنصات زرعها في الطريق اليه, وخصوصاً في تمسّكهم بما ورد في بيان الرياض2 الذي يقول بوقاحة وصلف وانعدام قدرة على التنفيذ بـ»عدم بقاء الأسد وزمرته في السلطة».
كلام تافه لا يستحق التعقيب عليه او محاججته, وبخاصة ان قائمة المدعوين الى «سوتشي1» طويلة وواسعة ومتنوعة ومُمثَّلة لمختلف شرائح واطياف الشعب السوري، ومن يريد الوصول الى سوتشي بعد شهر من الان (حُدّد موعده في 29 و30 كانون الثاني الوشيك) عليه التزام قواعد وأُطر هذا المؤتمر الذي يقول الضامنون الثلاثة انه مفتوح لكل «مَنْ يعتبِر نفسه ممثلاً للشعب السوري» على ما أكد المبعوث الخاص للرئيس الروسي فلاديمير بوتين الى سوريا، الكسندر لافرينتييف. هذا المؤتمر الذي سيرعى حواراً وطنياً سورياً موسّعاً تكون الكلمة فيه للسوريين والأمر لهم وحدهم ,ولن يُسمح لأحد غيرهم المشارَكة في مداولات المجتمِعين، خصوصاً ان الدول الثلاث الضامنة ستكون في وضع «المراقب» كذلك سيكون حال الولايات المتحدة الاميركية في دور «المراقِب» إن رغبت بالحضور, علماً ان الدعوة ستوجّه اليها وهي التي ستُقرِّر ما إذا كانت ستحضر أم ترفض الحضور, على أمل مواصلة تخريب جهود التسوية التي يسعى مؤتمر سوتشي لإنضاجها, ودائماً في اطار تطبيق القرار 2254 وليس بعيداً عنه, او كما يشيع المعارضون ومَنْ تبقى من مشغليهم اليائسين بأن الهدف هو «إعادة انتاج النظام» واختزال القضية السورية بـ»الانتخابات» وان هناك «مؤشرات على ان الروس أعدّوا مشروع حل يتوافق مع مصالحهم, ويطلبون من المشارِكين التوقيع عليه»، على ما تُردّد بغباء اوساط في هذه المعارضات المفلِسة.
لا بد من عملية جنيف للتسوية السورية والمشارَكة في سوتشي لن تُلغي مسار جنيف او تقفز عنه, بل ستكون عملية مُسهِّلة ومحطة رئيسية في الطريق اليه، لكن الحصول على «تذكرة» لحضور سوتشي, مرتبِط بشروط اجرائية وعملية, وهي ان على مَنْ يريد الحضور «أن يكون متمسكاً بسيادة واستقلال سوريا ووحدة اراضيها ويؤيد الحرب ضد داعش, وان يكون مع الطابع العلماني للدولة السورية»، على ما قال لافرنتييف. أما غير ذلك فضرب من المستحيل.
المهمة الاساسية لجلسات «سوتشي1» هي عمل المتحاوِرين على منح شرعية لـ»لجنة دستورية» تقوم بوضع دستور جديد للبلاد, تجري الانتخابات على اساسِه. لإن الإنتخابات ستكون على ضوئه (الدستور) وعلى اساس الإنتخابات تجري تشغيل مؤسسات السلطة التنفيذية الجديدة، ويكون إقراراً بالالتزام الصارم بالدستور الحالي ومرتبطاً بالتشريعات السورية. والتي تقول - وبموجب قواعد الدستور الحالي - ان يوافِق على تلك «اللجنة».. الرئيس السوري الحالي.
بمعنى آخر.. لن تكون الجلسات مجرد لغو وكلام فارغ او بعض اوهام تسيطر على عقول بعض المعارضين الذين تم «تصنيعهم» في الخارج, كي تُسلّم لهم مفاتيح السلطة ويدخلون دمشق فاتحين.. بل الكلمة ستكون للسوريين وحدهم وليس احداً غيرهم.... مهما علا صراخه واستغاثاته.
مواضيع ذات صلة