كتاب

خريطة سوريا المتحركة

ليس هناك بلد في الدنيا تتغير خريطته بالقدر الذي تتغير فيه خريطة سوريا ، ففي كل شهر تظهر خريطة جديدة توزع مناطق النفوذ بالألوان ، وهي على علاتها تعطي صورة عن الوضع الراهن ، وتبين بأنه متحرك ، وأن الاتجاه أصبح واضحاً بين جهات تتقدم وأخرى تتقهقر.

آخر خريطة أطلعت عليها توزع الأراضي السورية إلى أربعة أقسام ، أكبرها تحت سيطرة الحكومة المركزية ، تتلوها الأراضي التي يسيطر عليها الأكراد (حصة أميركا) ، وأصغرها على الإطلاق ما بقي تحت سيطرة ما يسمى المعارضة.

وهناك مساحة بيضاء في صحراء شرق سوريا لجأت إليها فلول داعش وهي في حالة انكماش ، ويتوقع الرئيس الفرنسي أن تختفي تماماً قبل شهر شباط القادم.

هذا عن الجغرافيا فماذا عن الخريطة السياسية؟ هنا انقسام واضح بين مؤيدي سوريا الدولة ممثلة بالاسد من جهة وخصومه المتحالفين ضده من جهة أخرى.

القوى الرئيسية في الجانب الإيجابي المؤيد لوحدة سوريا تضم روسيا وإيران وإلى حد ما تركيا بقدر ما يتعلق الامر بالاكراد. وفي الجانب السلبي المعادي للنظام السوري ويتمثل اساساً في الولايات المتحدة وإسرائيل وبلد عربي أو أكثر.

روسيا دخلت المسرح في 2015 ، وضمنت لنفسها دوراً قيادياً فيما يخص مستقبل سوريا. وتركيا تحارب الأكراد ليس حباً في النظام ولا كراهية لأميركا التي تدعمهم بل بسبب الحساسية المعروفة داخل تركيا من اتجاهات كردية استقلالية. أما إيران فيهمها الحصول على كرادور بري يربطها بحزب الله في لبنان عبر العراق وسوريا.

أكراد سوريا يحاربون تحت قيادة أميركا بحيث تحصل أميركا على دور ونفوذ دون أن ترسل قواتها البرية ، أما السعودية فليس لديها مشكلة مع النظام السوري بل مع إيران في سوريا وغير سوريا.

الغريب أن الخريطة المتحركة داخل سوريا لم تؤد ِ إلى حالة متحركة خارجها وليس هناك تغييرات جوهرية في مواقف الدول تجاه سوريا ، فالمواقف يشوبها الغموض ، والقدرة على التغيير في ضوء الواقع محدودة للغاية ، وهي حالة غريبة بعد أن اتضح الحصان الرابح الذي تجوز المراهنة عليه.

المهم أن الغموض الذي كان يكتنف مستقبل سوريا لعدة سنوات انتهى الآن وأصبح الوضع النهائي معروفاً ، المراقبون الخارجيون يعرفون الطرف الذي يمكن المراهنة عليه.