بحجم فرحة عائلة «راشد» بعد ان أنهى بامتياز شهادته الجامعية الأولى ، كانت صدمته عندما توجه للبحث عن عمل ، بعد انتظار اربع سنوات بفارغ الصبر والمعاناة ، فأضحى يواجه تحدياً جديداً بالإضافة لإعاقته ،ونفس الظروف عانت منها سهى ذات الاعاقة السمعية لمدة سبع سنوات ،في سعيها للبحث عن عمل ملائم علّها تتمكن من تقديم العون لأسرتها في ظل الفقر الذي يعيشونه، الا ان الرفض كان رد من يقابلها من أرباب العمل.
أما «ياسر» فقد أضطر للقبول بوظيفة متواضعة وبأجر متدنٍ لأنها كانت خياره الوحيد وقريبه من سكنه ،حيث يواجه صعوبة كما غيره من ذوي الإعاقة للوصول لأماكن عملهم وحاجتهم لركوب وسائل النقل العام.
وبمرارة شديدة تروي ليلى نبهان تجربتها في البحث عن وظيفة ، فهي واحد من اولئك الذين ضاقت بهم السبل في رحلة البحث عن عمل مناسب في ظل اعاقتها الحركية ، فلم يشفع لها حصولها على درجة البكالوريوس في اللغة الانجليزية من الالتحاق بعمل ثابت يلبي طموحها المهني ، فنظرات الاستغراب والتردد كانت أول ما يواجهها إذا ما تقدمت لعمل ما ، حتى وصل بها الأمر أن تتقدم لوظيفة معلنة في أحد الفنادق، للعمل في قسم الاستقبال ، لتتفاجأ أن عملها سيكون في أسفل الطوابق كموظفة أمن لا أكثر، و كلما طرقت بابا واجهها صاحب العمل بنظرة تدفعها للانسحاب بهدوء.
تحديات تفعيل القانون
وتنص مواد الاتفاقية الدولية لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة والتي تٌعتبر مٌلزمة التطبيق، كون الأردن من أوائل الدول التي صادقت عليها عام 2008 بعدم التمييز على أساس الإعاقة كما وردت في المادة(2) وكذلك الترتيبات التيسيرية المعقولة، المادة(2) ومبدأ تكافؤ الفرص (المادة 3) والحق في العمل المادة (27).
ونصت المادة 25 من قانون حقوق الأشخاص المعوقين رقم 20 لسنة 2017 على أن « تلتزم الجهات الحكومية وغير الحكومية، التي لا يقل عدد العاملين والموظفين في أي منها عن (25) ولا يزيد على (50) عاملاً وموظفاً، بتشغيل شخص واحد على الأقل من الأشخاص ذوي الإعاقة ضمن شواغرها، وإذا زاد عدد العاملين والموظفين في أي منها على (50) عاملاً ،وموظفاً تخصص نسبة تصل إلى (4%) من شواغرها للأشخاص ذوي الإعاقة وفقاً لما تقرره وزارة العمل. كما نصت المادة نفسها على أنه « لا يجوز استبعاد الشخص من العمل أو التدريب على أساس الإعاقة أو بسببها، ولا تعتبر الإعاقة بذاتها مانعاً من الاستمرار فيهما».
من جهتها تحدثت المحامية بثينة فريحات مديرة إدارة الفئات الأكثر حاجة للحماية في المركز الوطني لحقوق الانسان عن التحديات التي تواجه هذا القانون ومن أهمها ضعف الرقابة على أصحاب العمل بتشغيل ذوي الإعاقة من قبل وزارة العمل ، مشددة على ان توظيف ذوي الاعاقة يعد حقاً مشروعاً ويجب أن لا تندرج تحت بند الحالات الانسانية ،حيث أفادت آخر احصائية لتعداد السكان في عام 2015 ان ذوي الاعاقة يشكلون نسبة 10% من سكان المملكة .
وتلفت فريحات إلى أن مسؤولية تشغيل ذوي الاعاقة وادماجهم في سوق العمل تشاركية بين وزارة العمل والمجلس الأعلى لحقوق الاشخاص المعاقين ومنظمات حقوق الانسان والاعلام بشتى اشكاله.
وتضيف فريحات أن من أهم تحديات تطبيق القانون هو عدم وجود بنية تحتية في الكثير من الشركات تتناسب وطبيعة الاعاقات، مشيرةً إلى أن البيئة في الكثير من الشركات لا تسمح بوجود أشخاص من ذوي الاعاقات، على الرغم من التسهيلات البيئية والتي ورد ذكرها في القانون « تطبيق كودة متطلبات البناء الوطني الرسمي الخاص بالأشخاص المعوقين الصادرة عن الجهة ذات العلاقة في جميع الأبنية في القطاعين العام والخاص والمتاحة للجمهور ويطبق ذلك على الأبنية القائمة ما أمكن».
والأهم من ذلك حسب رأي فريحات الاستعداد عند صاحب العمل والزملاء وتقبلهم للمعاقين، وإيمانهم بقدراتهم، على مستوى أسرة المعاق فهناك ضعف بالبرامج التوعوية الموجهة لهم ، حتى أن اكثر الأسر أضحت لا تفضل عمل أبناءها من ذوي الاعاقة لعدة أسباب منها الخوف لتعرضهم للاستغلال وسوء المعاملة .
وعلى العكس فإن تشغيل ذوي الاعاقة يساهم في عدم وضعه في دائرة الاعتمادية السلبية على الأسرة، وبالتالي المساهمة في نموه الشخصي وتطوره، وبذلك تغير الأسرة من نمط تعاملها مع ابنها على أساس أنه فرد مستقل وليس سلبياً، وبأنه قادر على اتخاذ قرار، لذلك، فإن دور الأسرة قد يأخذ دور المؤثر في تطور الشخص المعاق وتهيئته لعالم العمل والنجاح فيه والحفاظ عليه.
ومن المشاكل الأخرى التي تساهم في زيادة بطالة المعاقين بحسب فريحات هو عدم تهيأة مراكز التدريب المهنية لاستقبال ذوي الاعاقة ، وعدم توزعها في كافة محافظات المملكة بما يسهل لهم الاندماج والعمل .
وبحسب احصائيات وزارة العمل فقد بلغ عدد الأشخاص ذوي الإعاقة المشتغلون عن طريق وزارة العمل حوالي 839 شخصا ما بين الفترة من عام 2014- 2017 مقابل 998 شخصا باحثا عن عمل في ذات الفترة.
من جهتها ذكرت رئيسة جمعية «أنا إنسان» آسيا ياغي وجود عدة عوائق تواجه ذوي الاعاقة منها استغلال من بعض اصحاب العمل بأجور اقل من غيرهم بالإضافة لتهميشهم من خلال اعطائهم وظائف هامشية ليست بذات علاقة بالمهارات التي يتمتعون بها والشهادات التي يحملونها، كذلك قلة توافر التسهيلات مثل لغة بريل أو لغة الاشارة في المنشئات المختلفة .
وبحسب التقرير العمالي الاردني الصادر في الثاني من كانون الاول للعام 2017 فإن نسبة تشغيل الاشخاص من ذوي الاعاقة في القطاع العام لا تزيد عن 1.0% فيما تقارب 0.5 % في القطاع الخاص الأمر الذي يحرم القادرين على العمل منهم من حقهم في العمل بشكل لائق.
وبحسب البيانات الاحصائية للمجلس الاعلى لشؤون الاشخاص المعوقين لعام 2015 فإن 24% من الاشخاص ذوي الاعاقة ممن اعمارهم 15 سنة فأكثر ، نشيطون اقتصادياً ، وبلغت نسبة الذكور غير النشيطين اقتصادياً منهم 20% في حين بلغت نسبة الاناث 80% . كذلك أشارت البيانات أن نسبة الذكور المشتغلين من ذوي الاعاقة بلغت 79% مقابل 21% من الإناث.
وفي نهاية المطاف يعتبر الاشخاص ذوي الاعاقة طاقة انسانية ينبغي الحرص عليها، فهم جزء لا يتجزأ من الموارد البشرية التي ينبغي أخذها بعين الاعتبار للنهوض بالمجتمع بأكمله.
أبواب- رزان المجالي
مواضيع ذات صلة