يجدر بنا ونحن نجتر مآسينا أن نتذكر مآسي الآخرين، ليس لأن الاحزان تهون بالمشاركة بل لأن في ذلك عبرة لنا وعظة. فنحن في هذا العالم المتلاطم لسنا وحدنا المستهدفين بالاحداث الجسام والحروب والاعتداءات وذنبنا أننا عرب أو مسلمون كما يحلو لعشاق نظرية المؤامرة ان يوهمونا، ولسنا نحيا في جزيرة معزولة لها شؤونها وشجونها الخاصة بها دون باقي البشر كما يتمنى البكّاءون أن يغرقونا معهم في لجة اليأس والقنوط، إذ تكفينا لادراك ذلك مثلاً لفتةٌ موجزة الى ماض غير بعيد في اليابان ليس قبل آلاف السنين بل قبل اثنتين وسبعين سنة فقط، ففي السادس من مثل هذا الشهر آب عام 1945 كانت مدينة هيروشيما الوادعة تُفاجأ بنيران هائلة تلتهمها دفعة واحدة وتسوى بالارض مبانيها وفي ثوان معدودات تتفحم وتتبخر تماما أجساد عشرات الآلاف من سكانها المدنيين ويموت مثلهم بعد ذلك جراء الحروق غير الشافية والاشعاعات المسرطنة القاتلة البطيئة منها والسريعة ليبلغ المجموع اكثر من مائتي ألف ضحية، وقد تم ذلك الحدث الفظيع يومئذ بأمر مباشر من الرئيس الاميركي هاري ترومان وبكبسة زر من طيار اميركي كان يحلق بطائرته العسكرية المشؤومة فوق المدينة النائمة، ولم يكن ذلك كافيا لبلوغ أميركا هدفها المعلن من وراء تلك الغارة وهو استسلام اليابان الكامل في الحرب العالمية الثانية فقد قام الرئيس ترومان مرة أخرى وبعد ايام ثلاثة باصدار أمره بالقاء قنبلة ذرية ثانية على مدينة ناغازاكي قتلت فقط سبعين ألفاً !! فرضخ امبراطور اليابان ووافق على الاستسلام بلا قيد ولا شرط.. ولقد كشفت لنا الوثائق السرية التي تم الأفراج عنها لاحقاً أن اليابان كانت قد استجابت للتهديد وأرسلت الى حكومة الولايات المتحدة عبر عدة دول موافقتها على وقف القتال والاستسلام لكن البنتاغون تجاهلها وأصر على الرئيس مواصلة تنفيذ خطة إلقاء القنبلة الثانية لا ليرغم اليابان وحدها على الاستسلام بل ليرغم كل بلاد العالم المرعوب على التسليم بأن الجبروت الاعظم على هذا الكوكب هو أميركا وأميركا فقط بعد ان باتت تملك أضخم قوة تدمير في التاريخ !
وقد حفزتْ ذكرى هذه الغارة الاكبر إجراماً في التاريخ كلاً من إيمي غودمان ودنيس مونيهان في 10/8/2017 لكتابة مقال على Democracy Now للتحذير وأخذ العبرة بعنوان (لا تَدَعو رئيسنا الذي يضع اصبعه على الزناد يبدأ حرباً نووية) جاء فيه: لقد هدد الرئيس دونالد ترامب من منتجعه الفاخر في نيوجيرسي كوريا الشمالية بأنها لو استمرت في تهديدنا سوف تشهد ردّنا بنار هائلة وغضب جبار كما لم يشهد العالم أبداً.. فبمثل هذا الكلام تبدأ الحروب عادةً وبمثل هذه الكلمات ذات يوم هدد الرئيس ترومان اليابانيين لينهي الحرب العالمية الثانية قائلاً: إذا لم يقبلوا شروطنا بالاستسلام الكامل فعليهم ان يتوقعوا منا دماراً شاملاً يمطر عليهم من السماء ما لم تعرفه الكرة الارضية من قبل قط، ولقد نفذ تهديده باصدار أمره بالقاء القنبلتين الذريتين!
ثم مضى الكاتبان في تذكيرنا بالمأساة المروعة فقالا إنه ما زال هناك في اليابان حتى اليوم بعض الناجين من تلك النار الجهنمية وهم موضع الاحترام الكبير ويطلق عليهم اسم Hibakusha ومنهم سيتسوكو ثيرلو التي قابلتهْا ايمي غودمان في الحديقة التذكارية للسلام في هيروشيما قبل بضع سنوات فاستمعت لها وهي تصف اليوم الرهيب وكان عمرها فيه 13 سنة: (رأيت عبر النوافذ تلك الومضة الهائلة من الضوء الأبيض المزرقّ وشعرت كأني أطفو فوق الهواء ورأيت حولي جميع الابنية منهارة محطمة بفعل الانفجار والمبنى الذي انا فيه يتساقط وأتهاوى معه بجسدي، وعندما صحوت من غيبوبتي كانت هناك اصوات رفيقاتي في المدرسة يصرخن في الظلام ويطلبن النجدة والعون)... وعندما خرجتْ سيتسوكو من بين الركام كان اول ما شاهدته لكي تشهد عليه في المستقبل أن مدينتها قد أزيلت تماماً من على وجه الارض، وأن اجساداً كثيرة جداً تحترق في كل مكان !
وبعد.. ترى هل أدركنا معنى السطور الأولى من هذا المقال ؟!
مواضيع ذات صلة