أبواب

احترام المعلم وتقديره: قيمة راسخة في أذهان طلبته

في إحدى المناسبات الاجتماعية العامة، أقترب من المعلّم رجل وسيم، عرّف عن نفسه بأنه مسؤول رفيع في وزارة الخارجية، ليعلمه بأنه كان أحد طلبته في مرحلة الدراسة الثانوية وليشيد بأداء معلمه ورعايته لطلبته حرصاً على التواصل مع كل طالب منهم. وفي مناسبة أخرى اقترب منه رجل أمني رفيع الرتبة ليحييه ويقول له أنه لا يمكن أن ينساه، معلماً جامعياً له، وقد فاجأه مرة في مطعم الجامعة أثناء تناوله طعام الغذاء ليضع المعلِّم يده على كتفه ويسأله عن مدى رضاه عن نوعية الطعام الذي يقدّمه المطعم. وفي مناسبة ثالثة إقترب منه رجل أعمال بارز ليقول أنه وزملاءه الآخرين من طلبته في زمن مضى، لازالوا يذكرون ويقدّرون مشاركته لهم كمعلم بحضور النشاطات الطلابية، لا وبل المشاركة الفاعلة في هذه النشاطات ومنها الرحلات الداخلية والخارجية بعيداً عن التفكير السطحي بأن مثل هذه الممارسات تقلل من هيبة المعلم لدى طلبته.

وبطبيعة الحال، فإن ما ذُكِر أعلاه إنما يمثل نماذج من المواقف التي يواجهها هذا المعلم، هذه المواقف التي يستجيب لها في كل مرة بأنها الجائزة الكبرى لمهنة التعليم، مضيفاً أن الذي يختار هذه المهنة لا يهدف أصلاً تحقيق الثراء المادي، وإنما يكتفي بما يوفر العيش الكريم له ولأسرته، وأن مثل هذه المواقف إنما هي الثروة المعنوية الأغلى لمهنة التعليم ولا تعدلها أي ثروة مادية مهما بلغت.

بعد هذه المقدّمة، التي تؤكد ما للمعلم الكفؤ المؤهل لمهنة التعليم من تقدير وإحترام وإعتراف دائم بفضله من قبل طلبته، مهما طال الأمد، أقول بعد هذه المقدمة فإن من حق القارئ أن يتساءل عما آل إليه الحال في وقتنا الحاضر من تراجع لمكانة المعلم لدى طلبته، الى درجة مؤلمة في بعض الحالات تتمثل بالاساءة الكلامية بألفاظ نابية، وقد تصل في حالات نادرة الى الايذاء الجسدي للمعلم من قبل الطالب أو من يناصره من الاهل والاقارب.

هذا، وتأتي الاجابة على تساؤل القارئ دون تردد، بأن السبب الحقيقي إنما يكمن، في أغلب الحالات، في تدني مستوى التأهيل والإعداد لمهنة التعليم، من حيث الكفاءَة المعرفية والمهارات المسلكية والسمات الشخصية المطلوبة، إذ يُعتبر توافر هذه العوامل المفصلية متطلباً أساسياً لممارسة مهنة التعليم، وهي التي تؤدي بالضرورة الى رفعة مكانة المعلم وإحترامه وتقديره في نفوس طلبته. وإن أكبر دليل على ذلك إنما يتمثل في النماذج الواردة في المقدمة أعلاه، التي تنطوي على أهمية حرص المعلم على التواصل مع طلبته ورعايته لهم داخل الغرفة الصفية بالاسلوب المهني السليم، الذي يعزز التميز لدى الطالب المتفوق وفي الوقت نفسه يعالج الضعف لدى طالب آخر، فيحيله الى مشاركة فاعلة في إطار فهم وتَفهم لظروفه الثابتة والطارئة، على حد سواء. وبالاضافة الى ذلك، يحرص هذا المعلم على التواصل مع طلبته خارج الغرفة الصفية من خلال تشجيع النشاطات المهنجية المرافقة، لا وبل المشاركة فيها بعيداً عن الحواجز المصطنعة بين المعلم والطالب.

وفي الخلاصة، فإننا ندعو كل معلم متمرس، حريص على بناء علاقات طيبة مع طلبته، الى مراعاة العوامل المفصلية المشار إليها أعلاه. كما أنه يجدر بمؤسساتنا التربوية أن تعمل، في إطار برامج التدريب، على تأهيل المعلم لإنتهاج الاساليب التربوية السليمة بالتواصل مع طلبته ورعايتهم وحرصه على تقدمهم، لتتحقق بذلك نتيجة حتمية تتمثل في رفعة مكانة المعلم واحترامه وتقديره لدى طلبته كقيمة راسخة محفورة في أذهانهم مهما طال الأمد.