محمد خروب
في ردّه على مقالنا المنشور في الرأي يوم الخميس الماضي (عدد الرأي 17011 تاريخ 29/ 6) بذل الدكتور منذر حدادين,جهداً مُضاعَفاً لإبراز مواهبه الأدبية والبلاغية,متكئاً كغيرِه (هذه الأيام) على بطولات و«فصاحة» مالئ الدنيا وشاغل ناس عصره,جدّنا الرائع ابو الطيِّب المتنبي,الذي يستحضره الكثيرون في زماننا الرديء هذا، كلما ضاقت بهم الزوايا وتمّت مواجهتم بالحقائق الصادمة التي يسعون بجهد كبير - لكن في فشل دائم - كي يُغطّوا عليها ويطمسوها،عبر توظيف المزيد من الشعارات والكلام الكبير والمصطلحات الملتبسة,التي لم تعد تثير حماسة او أدنى اهتمام لدى الجمهور العربي, ولا أقول الإسلامي أو المسيحي,كما حاول د. حدادين الإيحاء «المباشر» ذات ردّ على مقالاتي الكاشفة للصفقات المُريبة؟, التي عقدتها وتعقدها البطريركية الارثوذكسية (الروميّة أو اليونانية.. لا فرق) وخصوصاً في عهد البطريرك ثيوفيلوس,الذي جاء الى منصبه الرفيع الحالي,عبر معركة شرسة تم توظيف كل امكاناته والفريق الذي يؤيده, لإزاحة سلفه ارينيوس وتجريمه, وإظهاره كـ(مُفرِّط) بأملاك ووقف الكنيسة الارثوذكسية, مُتعهِداً (ثيوفيلوس) عندما دانت له السلطة الأرفع، بوقف تلك البيوعات (اقرأ الصفقات) واسترجاع ما تم التفريط به من قبل سلفه،لكن شيئاً من هذه الوعود الخُلّبِية لم يتحقق, بل ازدادت الصفقات والبيوعات الضخمة, لم تكن صفقة قيسيارية ذات «الألف» دونم.. الأخيرة,بل تسرّبت الصفقة المعروفة الآن بصفقة رحافيا - الطالبية, والتي لم يأت ردّ الدكتور حدادين على ذكرها أبداً,مع سابق تصميم وإصرارٍ (عدد الرأي 17011 تاريخ 2/7)،على إبعاد أنظار الجمهورَيْن..الأردني والفلسطيني,عن خُبْثِ وخطورة الصفقة الأخيرة,التي مركزها «القدس» بكل ما تعنيه هذه المدينة المقدسة النازِفة,من رمزية وخصوصاً درب الآلام الذي سار فيه السيد المسيح عليه السلام,في طريقه إلى «الصَلْب»..وهو أيضاً ما واصل د.حدادين تجاهله, ليستحضر لنا «حكاية» البطريرك صفريونيوس مع الفاروق عمر, وكأنه بذلك يردّ او يكشف ملابسات صفقة الخمسماية دونم «المقدسية» التي باتت في يد الصهاينة.
ما نحن في صدده يا د. حدادين..هي صفقة رحافيا - الطالبية,وما تم الكشف عنه في الدعوى التي اقامها البطريرك ثيوفيلوس (نعم هو لا غيره) لدى المحكمة الإسرائيلية,يُطالِب فيها بلدية القدس المُحتلّة التي يرأسها اليميني المتطرف ومؤيد الاستيطان الليكود نير بركات,).. إظهار الوثيقة التي تقول ان الكنيسة الارثوذكسية (لا تملِك) الأراضي, التي بيعت لشركة مشبوهة تحمل اسم «ميوت قمونيوت للاستثمار».وعندما تسربت «الاخبار»هذه الى نشطاء الكنيسة الارثوذكسية «يا دكتور» سارع محامي البطيرك ثيوفيلوس الى طلب تأجيل الدعوى.وهذا ما استجابت له المحكمة الصهيونية ليصبح الموعد الجديد في ايلول القريب). فلماذا تتهمنا بأننا «لا نعرِف» ما نتحدث عنه يا دكتور؟
هذا ما دارت مقالة الخميس الماضي حوله,وليس حول غبطة الراحل صفريونيوس أو الفاروق عمر، ولا حكاية متاهة الأسماء والتوصيفات والشعارات التي ادخلتنا فيها, حول الكنيسة اليونانية والرومِية واختلاف «كنائس القوميات ثيولوجيا, عن كنائس أصحاب المذاهب عابرة القوميات والأجناس,مثل كنيسة اللاتين الكاثوليك وكنيسة الروم الكاثوليك وكنيسة الروم الارثوذكس وسواها»؟ والتي لم تنجح من أسف «مرة أخرى ودائماً» يا د.حدادين,في الإضاءة على بيوعات وصفقات الكنيسة الارثوذكسية في عهد البطريرك ثيوفيلوس,منذ تسلم عصا الصليب المقدسة, ومسلسل الصفقات هذا يتواصل, ودائماً تردون «انتم انصاره وحوارييه» بشعارات كبيرة وبلاغة تُحسدون عليها,لكنكم من اسف ايضا,تَفشلون في وضع الإصبع على الجرح وتبتعدون عن ملامسة الحقيقة التي تعرفون,أو كما جاء في انجيل يوحنا «تعرفون الحق.. والحق يُحرّركم»(32 - 8) لكنكم.. تواصلون الابتعاد عن الحق وتريدون الطمس عليه وليس نحن.
عندما اتّهمتَني بـِ»انني لا ادري شؤونه,ولا أنا عارف بشجونه» وهذا اتهام خطير قد يستدعي مني رفع شكوى ضدكم بالتحقير والتهكّم، لكنني ما زلت أفضِّل السجال والحوار الحضارِيين بعيداً,عن لغة الاستكبار التي تحاول تلبُّسها،فيما هي مكشوفة حدود العُري, للكثيرين وبالتأكيد لديّ شخصيّاً.
ما علينا..
أنت تقول يا د. في ردّك الطويل على مقالتي أن «... معركة البطريركية مع العقارات في فلسطين المحتلة،ضاريّة منذ العام 1952، وهناك معارك مع إسرائيل لكنائس أُخر ثلاث ورابعها حرّاس الأراضي المقدسة,لأسباب مماثلة لا تدري يا صديقي تفاصيلها أبداً «,لِتواصِل الغمز من قناتي بالقول».. ويقيناً انك لا تدري ان استراتيجية المواجهة مع السلطات الإسرائيلية لهم جميعاً هي استراتيجية مُشترَكة»..
حسناً، سأُسلّم بكل ما جاء في ادعائك هذا، لكنك تواصل نهج الانكار ذاته: ماذا عن صفقات الكنيسة الارثوذكسية وبيوعاتها؟.وهل اعادت البطريركية أي «شبر» من الأراضي التي فرَّط بها ارينيوس؟ وهل كانت صفقة قيسارية (1000دونم) والآن صفقات رحافيا/الطالبية (500دونم), مجرد تسريبات من يديعوت احرونوت ومعاريف وكالكسيت الاقتصادية؟ أم انها حقيقة تدمغ الصفقة ومَن وقَّع عقودها؟. واين هي ــ بـ»الله عليك ــ هي «نتائج» المعركة الكنسِية «الضارِية»,التي تُخاضُ ضد سرائيل منذ العام 1952؟
ثم..
ما هي حكاية اليونان واليونانية والعلاقات الدبلوماسية التي اقامتها اثينا مع العدو الصهيوني بعد أوسلو؟هل كانت هي محور النقاش؟ام انك تريد إبعاد الانظار عن حقيقة الصفقة وخطورتها,والمُخطّط الذي يجري تنفيذه بهدوء وسلاسة.. وتواطؤ؟.
وهل إبعاد الارثوذكس العرب من رعية الكنيسة الارثوذكسية لصالح اليونانيين،وحيث تذهب كل أموال الوقف الى «اليونان» ولا يستفيد منها الارثوذكس العرب ولا كنائسهم،ولا اوقافهم الآخذة في التسرّب على نحو مُتسارِع،هو في صالح الارثوذكس العرب كما حاولت - دون جدوى - إظهاره, وكأنه انتصار لـ»أممية» الكنيسة؟وليس احتكار واحتقار العرب الارثوذكس؟حيث تتواصل سياسة إبعادهم عن مراكز القرار، والاطّلاع على حقائق ما يجري,والتنكيل بكل مَن يُحاوِل رفع رأسِه او إعمال عقلِه؟
د. حدادين مع كل الاحترام.. ادعوكَ الى مراجعة مواقفك ولِلحظة صدق مع الذات,والشروع في ترجمة فِعلية شجاعة, لما جاء في انجيل يوحنا: «تعرفون الحق... والحق يُحرّركم»
..والسلام.
[email protected]