قوات الدرك عبر التاريخ
بعد قدوم الملك المؤسس عبد الله الأول إلى عمان ليعلن عن تأسيس إمارة شرقي الأردن لتكون أنموذجاً لكل العرب، وواحة أمن عربية أردنية, اكتملت حكاية المجد العربي الأصيل.
ومنذ بداية العهد الأردني الهاشمي كانت قوات الدرك تسجل بداياتها الأولى في إعلاء كلمة الحق وتنفيذ القانون, ومع تشكيل أول حكومة أردنية في 11 نيسان 1921 بدأ الإنفتاح الأمني لقوات الدرك, حيث تولى سمو الأمير عبدالله الأول منصب القائد العام للقوة العسكرية, وتشكلت قوة الأمن من قوة الدرك الثابت وتعدّ هذه القوة هي نواة الأمن العام, وكتيبة الدرك الاحتياطي (الفرسان), وقوة الهجانة ولتشارك بذلك قوات الدرك بكتابة الأحرف الأولى في الذود عن حمى الوطن منذ ذلك التاريخ المجيد.
قوات الدرك...رؤية ملكية نحو مؤسسة أمنية عصرية
مع انطلاقة القرن الواحد والعشرين وبما حمله من متغيرات محلية وإقليمة ودولية, وبرؤية ثاقبة لمستقبل البلاد فيما يتعلق بتعزيز الأمن وضمان ديمومة الاستقرار, جاءت توجيهات جلالة القائد الأعلى الملك عبدالله الثاني –حفظه الله - بإعادة تشكيل قوات الدرك, وصدرت الإرادة الملكية السامية بالموافقة على قانون قوات الدرك بتاريخ 10 – 7 – 2008 بعد أن أتم كافة مراحله القانونية والدستورية من قبل مجلس الأمة, لتبدأ قوات الدرك تنفيذ واجباتها الوطنية المتمثلة بمواجهة كل ما من شأنه المساس بأمن الوطن والمواطنين والحفاظ على القيم والمبادئ والثوابت التي لا يمكن التنازل عنها أو المساومة عليها ليبقى الأردن كما كان دوماً دولة مؤسسات، وواحة أمن واستقرار يتطلع لغدٍ مشرق، ومستقبلٍ واعد.
ومن هنا كانت الرؤية الملكية لقوات الدرك مستوحاة من توجيهات جلالته: «نحو مؤسسة أمنية متميزة على المستوى المحلي و الإقليمي والدولي قادرة على المساهمة في تعزيز الأمن والاستقرار الداخلي».
البناء والتحديث:
شهدت قوات الدرك منذ تأسيسها العديد من التطورات في المجالات العملياتية واللوجستية والتدريبية والقوى البشرية كافة، وذلك بفضل الدعم الملكي الموصول الذي أولاه جلالة القائد الأعلى للقوات المسلحة الملك عبد الله الثاني ابن الحسين المعظم -حفظه الله ورعاه- لقوات الدرك.
فقد شهدت المديرية العامة لقوات الدرك تطوراً متسارعاً وملحوظا نال إعجاب الجميع على المستوى الوطني والإقليمي والدولي لتكون مؤسسة أمنية متميزة على المستوى المحلي والإقليمي والدولي قادرة على المساهمة الفعالة في تعزيز الأمن والاستقرار الداخلي.
ومنذ تشكيلها مرت المديرية العامة لقوات الدرك بمراحل من التحديث والتطوير، وتم رفدها بأحدث الوسائل، والمعدات، والأسلحة، والمهمات، وتطور نظام التخطيط في المديرية العامة لقوات الدرك، نتيجة لاستخدام الاستراتيجيات العلمية الشاملة، التي تقوم على الاستغلال الأمثل للإمكانيات المتاحة، ومن أهمها استراتيجية قوات الدرك الخمسية (2016-2020) التي جاءت استجابة لتوجيهات جلالة القائد الأعلى، والتي تستهدف تطوير الأداء الوظيفي لقوات الدرك وفق أرقى المعايير الدولية، وبشكل تدريجي وانسيابي يحافظ على انتظام الخدمة الأمنية.
استراتيجية قوات الدرك... نحو منظومة أمنية شاملة
وتعتمد استراتيجية قوات الدرك في مراجعتها للعملية الأمنية على تنفيذ الرؤى الملكية السامية في التصدي لأعمال العنف والشغب ومكافحة الإرهاب والتطرف من خلال الانفتاح الأمني لقوات الدرك في كافة محافظات المملكة ووضع خطط واضحة لتدريب وتأهيل مرتباتها, وتطوير العمل الوقائي والعمل العلاجي ضد الجريمة ومظاهر الإخلال بالأمن ومكافحة الإرهاب, والوصول بمنتسبي قوات الدرك إلى أعلى درجات الاحتراف والمهنية.
ولضمان استدامة الخدمة الأمنية وفق الزمان والمكان المناسبين، فقد انفتحت قوات الدرك جغرافياً ضمن مناطق اختصاص تُغطى من قبل قيادات الدرك المنتشرة على أرض المملكة وهي: قيادة درك الشمال، قيادة درك الوسط، قيادة درك الجنوب مع الاحتفاظ بتشكيلات أمنية نوعية تشكل احتياطاً استراتيجياً داعماً لها: وهي قيادة درك المهام الخاصة، وقيادة الشرطة الخاصة، ووحدة انضباط الشرطة، والاتحاد الرياضي لقوات الدرك.
ولتحقيق الأهداف الاستراتيجية لقوات الدرك عملت قوات الدرك على استحداث العديد من الوحدات والتشكيلات الأمنية الأخرى، حيث تم استحداث قيادة درك العاصمة لتكون القيادة المختصة، والمناط بها حفظ الأمن والاستقرار في العاصمة عمان، وكذلك جاء استحداث قيادة درك العقبة لتتولى تنفيذ واجباتها الأمنية الحيوية وحماية المنشآت والمقدرات الاقتصادية في هذا المنفذ البحري الهام للمملكة، كما تم استحداث وحدة حماية المنشآت الهامة لتمارس دورها في حماية المؤسسات الوطنية، وصون المقدرات، وقد جاء هذا التوسع الجغرافي والانفتاح الأمني في مختلف مناطق المملكة ضمن جهود المديرية العامة لقوات الدرك لمواصلة تطوير قدراتها الإدارية واللوجيستية، في دعم الكوادر البشرية، وتمكينها من توفير التغطية الأمنية الشاملة، لمختلف المواقع وفق الزمان والمكان المناسبين، وبما يكفل تعزيز المناخ الأمني، وديمومة الاستقرار في المملكة.
كما امتد التطور ليشمل إعادة الهيكلة التنظيمية لتنعكس على التطوير البشري وما رافقه من تطوير البنى التحتية وتوفير التجهيزات الفنية والتقنية الحديثة التي تمكن العاملين في قوات الدرك من القيام بواجباتهم على الوجه الأمثل .
تأهيل القوى البشرية وتوظيف الطاقات
ولضمان تمييز أداء الموارد البشرية في قوات الدرك اتخذت المديرية العامة منهجيات التمكين والتأهيل والانضباط للموارد البشرية أينما وجدوا وفي أي وقت كانوا يعملون من خلال خطط ونماذج عمل للتحصين الفكري والتثقيف الأمني والتوجيه المعنوي، وقد توج الانضباط المهني والمسلكي لمرتبات قوات الدرك من خلال الالتزام بمدونة قواعد السلوك وأخلاقيات المهنة المنبثقة موادها من الشريعة الإسلامية والدستور الأردني والقوانين الناظمة لقواعد العمل الأمني.
وتأكيداً للتطوير البشري والعملياتي واللوجستي جاء استحداث إدارة الرقابة والجودة الشاملة استكمالا لسياسة قوات الدرك في تطوير استراتيجيات وطرق وأساليب التقييم الشامل والأداء المتميز للنهوض بتشكيلات قوات الدرك كافة، والعمل وفق أعلى معايير الجودة الشاملة والوصول إلى الأداء المؤسسي المتميز والشفافية والنزاهة في سبيل تطوير أدائها والارتقاء بمستوى مرتباتها من خلال اعتماد المعايير الدولية في تقديم الخدمة الأمنية المثلى اعتماداً على الكفاءة والفاعلية والإنتاجية في محاور العمل المؤسسي كافة، والوصول إلى رضا العاملين والمتعاملين مع قوات الدرك.
وفي مجال تحسين ظروف العمل وتوفير الوقت والجهد والتكلفة وانسجاما مع مشروع الحكومة الالكترونية شهدت المديرية العامة تطوراً متسارعاً نتيجة لاستخدام أحدث النظم والنظريات العصرية في علم الإدارة والتخطيط، بالإضافة إلى الاستراتيجيات العلمية المدروسة دراسة علمية شاملة حيث استطاعت قوات الدرك أن تؤمن كافة المواد والأجهزة والمعدات والتقنيات الحديثة ووسائل الدعم اللوجستي ونظم الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات المعاصرة التي تمكنها من تقديم الخدمات الالكترونية والاستفادة منها في إطار التحول الالكتروني الذي تشهده وبما يمكّن قوات الدرك من القيام بمهامهما وواجباتها الموكلة إليها على أكمل وجه.
استراتيجية تدريبية عصرية
ولم يكن التدريب بمنأى عن التطوير، فقد انتهجت قوات الدرك منذ تشكيلها شعار «نتدرب لكي نعمل ونعمل كما تدربنا» استراتيجية عصرية تقوم على أساس الوصول بجميع مرتباتها إلى أعلى مستوى من الاحتراف والتميز من خلال التغيير المتدرج في العقيدة التدريبية والذي يخدم مفهوم عمل جديد ينسجم مع الواجبات المطلوبة والمحتملة، منطلقين من خطة تدريبية داخلية شاملة ومنفتحة خارجياً على القوات المسلحة والأجهزة الأمنية والدول المتقدمة ذات التجارب الرائدة في هذا المجال، وقد أعدت الاستراتيجية التدريبية في قوات الدرك انسجاما مع ما يدور حولنا من متغيرات إقليمية ومحلية، ومدركة لضرورة التقدم الأمني المعرفي لضمان تطبيق القانون، والمحافظة على كرامة الإنسان، فتطور نظام التدريب في قوات الدرك، وجاء تشييد المعاهد والمراكز التدريبية الحديثة، لتكون صروحا من العلم، ومقصداً للمشاركين من المملكة، والدول الشقيقة والصديقة.
دعم الرياضة الأردنية
ودعماً للرياضة الأردنية وخدمةً للجماهير الرياضية جاء استحداث وحدة أمن الملاعب وذلك تأكيداً من قوات الدرك على جعل الملاعب صروحاً حضارية يلمس فيها المواطن نعمة الأمن والأمان. وقد اعتمدت استراتيجية قوات الدرك عند استحداث الوحدة على إلغاء التواجد العسكري داخل حدود الملعب من خلال زي مدني خاص بمرتبات هذه الوحدة مع الاحتفاظ بالقوة الأمنية اللازمة القادرة على التدخل والتعامل مع أي خلل أمني عند الحاجة.
كما ساندت قوات الدرك المؤسسات الرياضية الوطنية، وقدمت قوات الدرك للأندية والمنتخبات، العديد من اللاعبين المتفوقين، ووقف منتسبو قوات الدرك رافعين راية الوطن خفاقة على منصات التتويج الدولية.
التعاون الدولي
وإيماناً من قوات الدرك بأهمية الانفتاح على أجهزة الأمن في العالم انتهجت قوات الدرك في سياستها الانفتاح على الشركاء الإقليميين والدوليين كافة وعززت من التشاركية الدولية مع الأجهزة الأمنية في العالم، وقد كان من ثمار هذه التشاركية توقيع العديد من إتفاقيات التعاون الأمني بالإضافة إلى عقد العديد من المؤتمرات والندوات الأمنية الداخلية والخارجية، وإيفاد العديد من الضباط والأفراد والقادة لتلقي دورات خارجية تساهم في رفد قوات الدرك بكافة الخبرات والمهارات والتجارب والكفاءات الأمنية المرجوة.
وقد تجسّدت هذه التشاركية في أبهى صورها برئاسة المدير العام لقوات الدرك اللواء الركن حسين الحواتمة للمنظمة الأورو-متوسطية لقوات الشرطة والدرك ذات الصبغة العسكرية (FIEP) خلال العام 2017م حيث تعتبر المديرية العامة عضواً فاعلاً في المنظمة منذ العام 2010م.
الدور الإنساني
واستجابة لرؤى جلالة القائد الأعلى بضرورة التفاعل الإيجابي مع المجتمعات المحلية، فقد التزمت قوات الدرك بدورٍ أخلاقي وإنساني كبير تجاه المواطنين والمقيمين على أرض المملكة، وقدمت جهوداً استثنائية في مجال الخدمة العامة, وأولت قوات الدرك ذوي الشهداء والمصابين العسكريين والمتقاعدين كل اهتمام, وعملت على متابعة الظروف والأحوال الإنسانية لجميع شرائح المجتمع، ومدت يد العون والمساعدة للأسر العفيفة، والمحتاجين, وقدم منتسبو قوات الدرك أدواراً مشرفة في مجال تقديم الخدمة الأمنية في مخيمات اللاجئين, من خلال مرتبات تتمتع بالاحترافية والمهنية والإنسانية.
وإيماناً بالرسالة الإنسانية لقوات الدرك جاءت مشاركة المديرية العامة لقوات الدرك في قوات حفظ السلام الدولي أكبر شاهد على نبل وسمو هذه الرسالة من خلال إرسال مستشارين ومراقبين دوليين وسرايا شرطة مهيكلة وفرق التدخل السريع لحماية المستضعفين في دول مزقتها الصراعات.
وحافظت قوات الدرك على ريادتها لقوات حفظ السلام الدولية لسنوات متتالية، وبلغ عدد المشاركين من قوات الدرك في قوات حفظ السلام منذ العام 2009 ما يزيد على العشرة ألاف ضابط وضابط صف، عملوا على نشر الأمن والسلام، ليضرب منتسبو قوات الدرك أروع الأمثلة في الجندية والانضباط، والتحلي بالأخلاق الحميدة.
في ظل راعي المسيرة ... نحو غد مشرق
تمضي قوات الدرك قدما في مسيرة التحديث والتطوير ورفع كفاءة منتسبيها، بما يمكنهم من التعامل مع أي مهمة لحماية أمن الوطن والمواطنين بأعلى درجات الجاهزية والاحتراف واحترام حقوق الإنسا،. وما كان لهذا التطوير والتحديث أن يرى طريقه إلى النور لولا الدعم الملكي الموصول
لقوات الدرك، هذا الدعم الذي كان وما يزال يتجسد في أبهى صوره من خلال حرص جلالة القائد الأعلى للقوات المسلحة على رعاية افتتاح المباني الجديدة لمختلف وحدات قوات الدرك، ومتابعة جلالته لكافة التمارين الأمنية والتدريبات العملياتية لقوات الدرك بين الحين والآخر.
ومجمل القول أن عيد الاستقلال هو محطة مفصلية مضيئة في مسيرة مملكتنا، وسيبقى الأردن بقيادته الهاشمية الأقوى بالرغم من كل العاديات وبالرغم مما يدور حولنا من دولٍ مزقتها الحروب وفتك فيها التطرف والإرهاب وتغلغلت فيها العدائية والطائفية واندلعت نيرانها مشتعلة.
ونعاهد جلالته بان نبقى في قوات الدرك مؤسسة أمنية وطنية راعية للمصالح العليا للوطن والمواطن وستبقى الرؤى الملكية السامية وتوجيهات جلالته نبراس تهتدي به المديرية العامة لقوات الدرك في الارتقاء بأدائها والنهوض بدورها في المحافظة الأمن والاستقرار, فالدرك قصة نجاح ما كانت لتتحقق إلا بفضل التوجيهات الملكية السامية الحكيمة, وإرادة أردنيين شرفاء تتلمذوا في مدرسة أبي الحسين وارتووا من طيب الوطن، وما عرفوا يوماً غير أهلهم وإخوانهم من الأردنيين عزوة وعشيرة، السهر على خدمتهم شرف, والذود عن حماهم واجب تبذل من أجله الأرواح, كيف لا واحترام حقوق الانسان يتصدر القيم الجوهرية التي تحكم قوات الدرك في عملها وواجباتها.
وسنبقى بإذن الله الجند الأوفياء للعرش الهاشمي الحامي للبلاد والعباد بقيادة جلالة الملك عبد الله الثاني ابن الحسين المعظم –حفظه الله ورعاه- وأدام ملكه، وسدد على طريق الخير خطاه إنه سميع مجيب الدعاء.