محمد خروب
رغم انها الدورة الأولى التي «لن» يُعرّف فيها, إسم رئيس الجمهورية الفرنسية العتيد، بعد ان انتهت فترة الرئاسة «اليتيمة» لرئيس الصدفة «الاشتراكي»هولاند, الذي احتفظ لنفسه بأقّلِ الرؤساء شعبية في تاريخ الجمهورية,والرئيس الأكثر «إمبريالية» وعدوانية ورغبة في التبعِيّة لواشنطن, والإعجاب المُفرِط بكل ما هو اميركي,فاقت ما شكّله نيكولا ساركوزي في المشهد الفرنسي خلال دورته الرئاسية الوحيدة ايضاً,حتى بات الفرنسيون يتندرون بالقول انه (ساركوزي) «مُمثِّل»اميركا في فرنسا. جاء هولاند لِيتفَوّق عليه في الأمرِكة وسياسات واشنظن العدوانية,وبخاصة دعم المُعارَضات العربية,ذات الإرتباطات الإرهابية المعروفة والمُوثَّقة والمُعلَنة وبخاصة,المُعارَضات السورية حيث تزعّمت باريس جوقة أصدقاء «سوريا»,الذين كانت مهمتهم وما تزال,إطالة الحرب في سوريا وعليها,فضلاً عن لعبة شراء الوقت الذي قام هولاند ووزير خارجيته السابق فابيوس,بالمبادرة اليها لصالح حكومة نتنياهو الفاشية, عندما «أَقْنَعا» سلطة اوسلو في رام الله, بأن لا تذهب الى الأمم المتحدة لطلب العضوية «الكاملة» لدولة فلسطين, وأن تنتظِر مؤتمر باريس «الدولي»,الذي «سيُلبّي» المطالب الفلسطينية,واذا فشِل هذا المؤتمر,فان باريس ستقوم بالاعتراف»الفوري» بدولة فلسطين.
باقي القصة بات معروفاً، وفشل المؤتمر الذي رفضته اسرائيل بصلف واستكبار وتم نزع صفة «الدولية» عنه, وكان مجرد «اجتماع»عابر قامت باريس بعده بِ»لَحسِ» وعودها,ولم تعترف - ولن تعترف - بدولة فلسطين, وغادر فابيوس مبنى الكودورسيه..ليخلِفه ايرولت, الذي يتبجح الآن بأن لدى بلاده «حقائق» دامِغة,تُثبِت ضلوع النظام السوري في مجزرة خان شيخون,ولم يَكشِف عنها حتى الآن,ولا يبدو ان لديه من الأدلة ما يُقنع, لكنها لعبة التضامن «الامبريالي».. المعروفة.
ما علينا..
اليوم.. يذهب الفرنسيون الى صناديق الاقتراع,»لا» لحسم اسم الرئيس الجديد الذي سيخلف هولاند في قصر الإليزيه,بل لتحديد هوية «المُرشَّحَيْن» الأعلى أصواتاً من بين الأحد عشر مُرشّحَاً ومُرشّحَة,يتنافسون على مقعد الرئاسة في اطار قانون إنتخاب,يستوجِب حصول الرئيس «العتيد»من «الجولة الأولى» على نصف عدد الناخبين زائداً واحداً,وهو امر لم يتحقّق حتى الآن منذ إقرار القانون,الذي جعل من الماراثون الرئاسي معركة مُتعِبة وصعبة,حافلة بالمشقة والإنقلابات التي لا تتوقف,في التحالفات السياسية والحزبية,على نحو تبدو فيه وكأنها حرب «سكاكين» حقيقية,لا تتوقف إلاّ عند معرفة أي «الإثنيْن»اجتاز خط النهاية.هذا الخط الذي اكتسب أهمية اضافية,بل أضفى على معركة الرِئاسة بُعداً أكثر دراماتيكية وتشويقاً وإثارة للمخاوف والكراهية,منذ صعود اليمين الفرنسي المُتطرِّف الى «المنصة», مُنافِساً على المقعد الرئاسي في الجولة الثانية,عندما دشّنها ماري لوبن زعيم ومؤسس حزب الجبهة الوطنية المتطرفة,بِوصوله وجاك شيراك في العام 2002 الى جولة «التصفية»,وكان ان اجتمع والتقى كل الافرقاء في فرنسا,على اختلاف «هوياتهم» الفكرية والايديولوجية والحزبية,كي يحولوا دون وصول لوبن الأب الى قصر الاليزيه,بصرف النظر عن موقفهم من شيراك الذي حصد اكثر من 86% من اوراق الإقتراع,في تصويت بـ «الأقدام»من الفرنسيين,الذين هالهم ان يجدوا»لوبين الأب»هذا الكارِه للمهاجرين والاجانب خصوصاً منهم المسلمين, مُقرِّراً المصائِر في القصر الجمهوري.
مياه كثيرة تدفّقت في نهر السين الباريسي,منذ ذلك التاريخ الذي طوى خمسة عشر عاماً تغيرت وتحولت فيها فرنسا كثيراً وعميقاً,وبخاصة نحو اليمين,حيث»ورِثَت» البنت والِدها,ولم تكتف بذلك.. بل طردته من عضوية الجبهة التي أسّسها,وباتت»هِي» الرقم «واحد»,في قائمة المتنافِسين,وجدت البيئة الفرنسية والهيستيريا الغربية المُعادِية للمهاجرين العرب والأفارِقَة والمسلمين في الغرب الاستعماري (فضلاً عن الذخيرة التي وفرتها لهذا اليمين الغربي الفاشي,حركات وجبهات الإرهاب الإسلاموية,التي فرّختها ورعتها وشغّلتها وموّلتها الغُرَف الإستخبارية السوداء في الغرب وفي المنطقة العربية,وآخِرها عملية الشانزليزيه الخميس الماضي)فُرصة ملائمة, كي تُحرّض وتثير الغرائز وتلعب على وتر الخوف وشعارات الاسلاموفوبيا,التي ملأت صحافة وإعلام وجدران وفضاء الغرب الإمبريالي المُتصهين وبخاصة في فرنسا وهولندا والمانيا (دع عنك اميركا ترامب).
اليوم.. «أَحَدٌ» حاسم في التاريخ الفرنسي الحديث, لأن المعركة الدائرة الآن غير مسبوقة في شعاراتها وخطاب المرشحين فيها,وخصوصاً في غموضها وارتفاع نسبة «المتردِّدين» الذين سيُقررون «الثنائي» الصاعد الى معركة السابع من ايار(الأحد المُقبِل),ووسط ارتفاع اسهم اوباما فرنسا الجديد»إيمانويل ماكرون»,الذي أسّس ويقود حركة أنشأها للتو اسماها «إلى الامام»(تماماً كحركة ارئيل شارون «إلى الامام» عندما انشقّ عن الليكود وتعني بالعبرية «كاديما»,مع فارق ان ماكرون ليس بفاشية.. شارون)الذي إن وصل الى نهاية السباق,فانه سيُلحِق هزيمة مُدوّية بمارين لوبن,وإن كانت الاخيرة,ستُحقِّق نتيجة أفضل مما حصل عليها والدها امام جاك شيراك بداية الألفية (2002), تلك الفترة التي كان صعد الى مقدمتها رئيس اميركي مهووس بالحروب وخاضع في «كُليَّتِه»لِعصابة المحافظين الجُدد, على النحو الذي هوعليه الآن» دونالد ترامب مع رموز اليمين الاميركي المُتطرِّف وزعماء «حزب الحرب»,الذي يُوجِّه خطواته العدوانية تجاه سوريا وايران وكوريا الشمالية,وخصوصاً تجاه قضية الشعب الفلسطيني ودعمه غير المحدود للفاشية الصهيونية في تل أبيب.
عنوان المقالة, لا يشي بأننا ننظر بـِ «عدمية» الى ما يحدث حوالينا,من مُتغيرات ومفارقات وتطورات, لكنه وفي الحال الإنتِخابية الفرنسة,فإنه وباستثناء برنامج المرشح اليساري جان ــ لوك ميلانشون,الذي «يُعيب» عليه الرئيس الأقل شعبية في تاريخ فرنسا فرانسوا هولاند,»صداقته» للرئيس الفنزويلي الراحل تشافيز والروسي بوتين والسوري الأسد، فإن برنامجي ماكرون او فيون لا يختلفان كثيراً ازاء قضايا منطقتنا (دع عنك مارين لوبن,التي لن تصل الاليزيه في ما يبدو). لذلك جاء عنوان المقالة اشبه باللامبالي.. ما همّ لو فاز واحد من الثلاثة... المذكورين؟
[email protected]