كتاب

دي ميستورا... إن «استقال»!

فيما يصل المبعوث الخاص للأمم المتحدة ستيفان دي ميستورا، الى عمّان اليوم لحضور اجتماعات القمّة العربيّة التي ستلتئم في منطقة البحر الميت نهاية الأسبوع الحالي، كي يضع «العرب» في صورة ما آلت إليه مهمته, في العمل على ايجاد حل سياسي للأزمة التي دخلت عامها السابع, وسط إصرار اقليمي مدعوم دولياً على مواصلة إشعال الحريق السوري وتدمير ما تبقى من اسباب الحياة والعمران في ذلك البلد العربي المنكوب، تُلاحِق المسيو دي ميستورا شائعات متواترة عن استقالته (مع انتهاء مهمته رسمياً في الحادي والثلاثين من الشهر الجاري)، ما فتح القراءات والتحليلات السياسية والدبلوماسية وخصوصاً الإعلامية, ليس فقط في «التنبؤ» بالأسماء المُرشَّحة لخلافته, والتي بدأت ترتفع فيها أسهُم مُنسِّقة شؤون الامم المتحدة في لبنان سيغريد كاخ، مُترافِقة مع اسم وزير الخارجية السابق للبوسنة والهرسك حارث سيلادتش والجزائري جمال بن عمر المبعوث الاممي السابق لليمن,وإن كانت حظوظه ليست قويّة، ولن تتوقف البورصة عند الاسماء الثلاثة هذه بالطبع, كون القرار في النهاية لأمين عام الأمم المتحدة انطونيو غوتيرش، الذي لن «يُغامِر» هذه المرة بالتسرُّع في ترشيح مبعوث جديد, سيحمل الرقم «4» في سلسلة المبعوثين «الخاصِّين» الى سوريا, والذين انتهى المطاف بـ»ثلاثتهم» الى الاستقالة, وان كان دي ميستورا هو الاكثر «صموداً» بينهم, اذ اقتربت ولايته من انهاء ثلاث سنوات (تم تعيينه في تموز 2014) فيما لم يمكث أمين عام الامم المتحدة السابق كوفي انان سوى ستة اشهر في العام 2012, مُعلّلاً استقالته عبر القاء اللوم على مجلس الأمن الدولي لعدم اتخاذ موقف «مُوحَّد» من الازمة السورية، ثم جاء الدبلوماسي الجزائري الدولي المخضرم الأخضر الإبراهيمي, الذي انتهى الى ما انتهى اليه سلفه أنان, لكن الابراهيمي دأب منذ تسلّم مهمته على القول (وكأني به يلتمس العذر لنفسه.. مُسبَقاً): إن مهمتي شبه مستحيلة.

وحتى لا تبدو تبريرات المسيو دي ميستورا سبباً رئيساً لاستقالته (او انتهاء ولايته) وبخاصة في الإتكاء على ما نشرته الصحافة الغربية حول مرض السيدة زوجته ورغبته البقاء الى جانبها – وهو حق وواجب انساني مُقدّر –علينا ان لا ننسى ان دي ميستورا نفسه, كان قد طلب اعفاءه من منصبه ليس لاسباب شخصية كما قيل حينذاك أواخر عام 2016، بل لِإنه عبّر عن «إحباطه» حيال ما وَصَفَتهُ أوساطه «الطعن في صدقيته كمبعوث محايد» وكانت المصادر ذاتها اشارت بِاصبع الإتهام وقتها الى موسكو, بأنها مَن تُشكِّك في صدقيته، اضافة الى دمشق ايضا التي رفضت مؤخرا استقباله, وبخاصة بعد التصريح غير المألوف وغير المحايد الذي ادلى به ومفاده «انه يصعب كتابة دستور جديد في ظل النظام الحالي»، ليُضاف الى تصريح اكثر خطورة واكثر انحيازا الى صفوف المعارضين للدولة السورية، وبخاصة دول الاقليم وعلى رأسها تركيا التي قيل انها دفعت دي ميستورا للإدلاء بتصريحه فاقع الإنحياز, فوقَع في الفخ التركي دون ان يجني اي فائدة سياسية اوشخصية, بل بدا وكأنه يُطلِق النار على مُهمَّته وعلى نفسه ايضا عندما «دعا» الى انشاء (منطقة حكم ذاتي، في احياء حلب الشرقية ) ومعروفة الآن وبخاصة بعد تحرير حلب الشرقية وتوحيد الشهباء، كيف كان لاقتراح»غير بريء» كهذا,لو تم الأخذ به, ان يأخذ الازمة السورية الى مطارح وسيناريوهات تقسيمية وكارثية، لا تتحول «الشام» الى صومال جديدة فقط, بل الى كانتونات وفوضى «غير خلاّقة» وانتشار للعصابات الارهابية واستتباع وهيمنة ووصاية من كل طامع وموتور وحاقد.

نَعْي مهمة المسيو دي ميستورا, لا يُشكِّل كارثة سياسية او دبلوماسية, ولن يُغيّر كثيراً في مشهد الازمة السورية وسيرورتها، رغم ما تضج به اوساط المعارضات السورية من فحيح وترهات وتصريحات رغائبية, لا سند لها على ارض الواقع وبخاصة بعد فشل مغامراتهم العسكرية التي افتعلوها في شمال شرق دمشق وارياف حماة وبعض المناطق والجبهات التي يتوهمون ان بمقدورهم تشكيل «فقاعة» اعلامية, يمكن ان تؤثر على مفاوضات جنيف «5» التي ستنتهي يوم الجمعة القريب, وهو الموعد الذي تنتهي فيه, مهمة دي ميستورا... رسمياً.

بل يمكن القول: إن «ذهاب» هذا الدبلوماسي الحريص جداً على البروتوكول والظهور الاعلامي – مُعظمه غير مُبرَّر, ولم يكن يأتي بجديد في معظم إطلالاته – قد يفتح الطريق على اسلوب ومحتوى جديدين, ينهض (او تنهض) بها المبعوث العتيد, الذي لن يتأخر الكشف عن اسمه، وخصوصا لجهة الإستفادة من اخفاقات وعثرات وانحيازات المبعوثين السابقين وفي مقدمتهم دي ميستورا نفسه, الذي «وُرِّط» او أوقَع نفسه في مواقف وتصريحات غير مُوَفّقة, كان بمقدوره ان يتفاداها وأن يطيل من عمر مهمته, وربما ينجح في إحراز تقدم ملموس، على عكس الحصيلة البائسة لمهمته التي باتت «صفرية» تماماً، رغم ما قيل عن انه حقق خطوة مهمة عندما نجح في (جَمْعِ المتفاوضين على طاولة واحدة) لكن ماذا بعد ذلك؟.. لا شيء.

كوفي انان، التزم الحياد وخرج مُسرِعاً, كذلك فعل السيد الابراهيمي وإن كان يحرِص طوال الوقت على»الغمز» من قناة النظام في دمشق، إلاّ أن دي ميستورا أخفق في محطات كثيرة, ويمكن أن يكون لمغادرَته.. بعض الفائدة.

kharroub@jpf.com.jo