أبواب

الأم العاملة .. هل مازالت تائهة بين حاجة أبنائها وتحقيق ذاتها ؟

بإعداد وجبة الفطور لعائلتها وتجهيز حاجات أطفالها بسرعة البرق تبدأ «سوسن» يومها قبل أن تذهب إلى عملها.

كونها مدرّسة في إحدى المدارس الثانوية.. يدفعها حرصها على وصول قبل تلاميذها إلى الفصل الدراسي، مما يجعلها تعتمد على زوجها في اصطحاب الأطفال إلى دور الحضانة. تقول»سوسن»: «زوجي يبدأ عمله في وقت متأخر، ما يجعلنا نتقاسم المهام فيما بيننا، فهو يصطحب الأطفال صباحا وأنا أحضرهم مساء».

تسعى «سوسن» إلى الموازنة في أداء دورها كأم لطفلتين وكمدّرسة من خلال تنظيم وقتها وتؤكد على أن مهنة التدريس تناسب جميع الشابات اللواتي يرغبن في بناء أسرة وإثبات أنفسهن في المجتمع. حال «سوسن» كغيرها من الأمهات العاملات ولكن مع إختلاف وظائفهن ، فـ»ليلى» أيضاً تصر على تحقيق حلمها في تشكيل أسرة رغم منصبها العالي، فهي تعمل كرئيسة لقسم مهم في إحدى الشركات ، وتسعى إلى الاعتماد على دور الحضانة للتوفيق بين مهمتيها، وتؤكد انه دون مساعدة زوجها لما تمكنت من الاستمرار في أداء عملها !.

أما «نهى» فترى الامر بطريقة مختلفة، فرغم دراستها للهندسة المعمارية إلا أنها فضلت أن تصبح ربة منزل على ممارستها للعمل الهندسي، وتوضح السبب قائلة :»إن واجب المرأة القيام بأعمال المنزل والاهتمام بأطفالها وزوجها».

وتنتقد الأمهات العاملات اللواتي يعتمدن على دور الحضانة في تربية أطفالهن.. حيث تقول: «إن تكوين الطفل يكون في الفترات الأولى من عمره ومن الخطر أن نترك أطفالنا لمربيات لا نعلم مدى ثقافتهن»!.

البحث عن الذات في العمل والعائلة

مع اختلاف الأراء يبقى للمرأة كيانها التي ترغب في إثباته وتحقيقه.. وعن ذلك يقول دكتور علم الإجتماع «فيصل الغرايبة» :» لا شك أن الجمع بين تدبير شؤون البيت والأسرة والأطفال وبين الإنتظام بالوظيفة والعمل خارج البيت يشكل عبئاً كبيراً على أي إمرأة عاملة، خاصة إذا كان لديها أطفال صغار يحتاجون إلى رعاية وعناية متواصلة طوال اليوم مع قلة الإمكانيات لدى الأم خاصة والأسرة، فتقع الأم العاملة بين عملين كبيرين أو مسؤوليتين ضخمتين تحتاجان إلى جهودها سواء داخل البيت أو خارجه في الوظيفة أو الدائرة التي تعمل بها وهي تواجه تحدي التوفيق وتوزيع الجهود والإمكانيات بين عملين وهذا التحدي يواجه الأمهات أكثر من البنات غير المتزوجات أو الأمهات اللواتي كبر أبناؤهن أو بناتهن وأصبحن يعتمدن على أنفسهن في تدبير شؤون حياتهم «.

وتابع حديثه قائلاً :»لا سيما أن الأسرة تضطر في كثير من الأحيان إلى تشغيل عاملة لتبقى مع الأطفال دون سن المدرسة ، أو تضطر الأسرة لإرسال طفلها إلى دور الحضانة مادامت سوف تذهب للإلتحاق بعملها كل صباح وخاصة أن لحظة خروجها من البيت في الصباح الباكر حيث تشتد البرودة في أشهر الشتاء وهذا تحدٍ آخر تواجهه هذه الأم العاملة وهناك تحدٍ ثالث يكمن عند رب الأسرة أو الزوج فلديه مسؤولية في تخفيف الأعباء الملقاة على زوجته والمفروض أن يتحمل هذا الزوج قسطاً من هذه الأعباء مثل توصيل الأبناء إلى مدارسهم أو إلحاق الطفل قبل سن المدرسة في الحضانة أو لدى أمه أو بيت أهله إذا كانوا من الذين يودعون أطفالهم لدى الأهل ، وفي ظل غياب الأم عن البيت والتحاقهم بوظائفهم بصورة يومية «.

وبين الغرايبة أهم الحلول التي توفر الراحة للأم العاملة بالقول :» لقد كان من بين الحلول لهذه المشكلة وتذليل الصعوبات أمام الأم العاملة بأن فتحت بعض الوزارات والمؤسسات قاعات للحضانة داخلها بحيث تصطحب الموظفة الأم طفلها معها إلى داخل المؤسسة وتضعه في القاعة المخصصة للحضانة وتحت إشراف مربية دائمة الوجود مع هؤلاء الأطفال ولكن للأسف هذا ليس متوفراً في كافة الوزارات والمؤسسات ، وهذه فرصة لدعوة جميع الدوائر والوزارات إلى فتح الحضانات والتي ممكن أن تتناوب الأم العاملة لرعاية إبنها بين ساعة وأخرى بترتيب دوري. وكما أن من المقترحات أن تعطى الأمهات اللواتي لديهن أطفال حديثي الولادة إجازة مفتوحة ولمدة سنة مثلاً بدون أجر أو بنصف أجر على أن لا تحرم من الأقدمية والمزايا الخاصة بالترفيع والراتب التقاعدي «.

أمهات مختلفات

وتابعنا حديثنا مع العديد من الأمهات العاملات وغير العاملات اللواتي أخبرننا عن كيفية تنسيقهن بين عملهن وتربية أبنائهن وهذا ما رصدناه.

وعن تجربتها تخبر «سوسن الدابوقي « بالقول :»بالنسبة لي ومن خلال تجربتي الأم العاملة يقع عليها عبيء أكبر من غير العاملة ، لكنها تستطيع توزيع الوقت وتنظيمه أكثر بسبب محدودية الوقت لديها ، ولكن الجميل أن جرعة الحنان لأطفالها تزيد لديها لكي تعوضهم عن الوقت التي غابت به عنهم».

تضيف «وبالنسبة لتربية الأطفال فمعاييرها واحدة لا تختلف ولكن الاستقرار المادي لدى المرأة و تنمية شخصيتها و قدراتها واكتساب مهارات من الحياة العملية تفيدها أكثر و بالتالي تأثرعلى الأطفال إيجابياً «.

أما «إيناس» فهي أم غير عاملة ولكن أرادت أن تبعث رسالة تقدير لكل أم عاملة.. فتقول بها :» أود أن احيي كل أم عاملة وأقدم لها كل الاحترام والتقدير ، لأني أم وغير عاملة وأعاني في تربيتي لاولادي واهتمامي ببيتي وزوجي ولا اتخيل الأم العاملة كيف تستطيع السيطرة على كل هذا «.

فيما تعتبر «أم ورد» أن الأم العاملة يجب أن تكون هي التي تتنازل عن كثير من امور حياتها من أجل أطفالها وعملها.. وتقول :»قد تصل الأم العاملة إلى مرحلة أنها لا تستطيع ضبط أمور حياتها فتضطر إلى إسقاط مسؤولية من مسؤولياتها وتكتشف أن مسؤولية العناية بنفسها هي المسقطة ، والعديد من الناس ستتحدث عن وجوب تنظيم الوقت حيث ان حياة الأم العاملة تصبح مبعثرة بشكل منظم ، وفي النهاية تبقة الأم هي الضحية التي يجب أن تتنازل عن حياتها الخاصة ليرتاح الجميع «.

في حين تعتبر»لارا» أن الأم العاملة تكون منظمة أكثر من غير العاملة فتقول :» من المؤكد أن الأم العاملة لديها عبيء كبير ولكن أشعر أنها منظمة اكثر من الأم غير العاملة وأنا لا أقلل من شان الأم غير العاملة ولكن الأولى تدرك أهمية الوقت وتنظمه حتى تستغله بالكامل في عملها ومع أولادها واحياناً لنفسها وهذا يشكل تعب كبير عليها ولكن لأنها اعتادت على العمل فمن الصعب تركه «.

أم «ضياء الخطيب « فعبرت عن رأيها بكلمات قليلة بالقول :» كل شيء له ثمن عندما تريد المرأة تحقيق ذاتها وطموحها واستقلالها المادي على حساب صحتها و اعصابها حتى تتمكن من التوفيق بين عملها وبيتها واولادها».

«ميسون» كانت لها وجهة نظر مختلفة فهي تعتبر أنها عندما تذهب لعملها تتنظم حياتها أكثر من أيام العطلة.. فتقول :» بالنسبه لي في العطلة لا اقوم بعمل أي شيء مفيد وأشعر أنني غير قادرة على تنظيم الوقت ولا أتمكن من عمل شيء حتى لا أستطيع إلزام اولادي بنظام معين فالعطلة عبارة عن فوضى ، ولكن عندما أعود للعمل أشعر أن هناك بركة بالوقت والحياة منظمة مع اولادي وعلى الرغم من تقديم الكثير من التنازلات ولكن اشعر أنني انجز العديد من الأمور».

واعتبرت «أم سيف» أن عمل المراة يؤثر على أولادها وتربيتهم فقالت :» عمل المرأة يؤثر على اولادها وتربيتهم فنحن العاملات دائمات التوتر وهذا ينعكس على اولادنا فنوترهم معنا ونتوقع منهم اكثر مما تتوقعه ربة المنزل من حيث المساعدة وتحمل المسؤولية ، فالموضوع ذو حدين ففيه الايجابي والسلبي فالمرأة العاملة لا تجد الوقت الكافي للجلوس والتحدث والضحك واللعب مع اولادها وفي المقابل ابناء المرأة العاملة يتحملون المسؤولية ويستطيعون تدبير امورهم بانفسهم هذا على سبيل المثال لا الحصر».

أما «هبة « التي كانت موظفة فقالت :» بالنسبة لخبرتي القليلة بالعمل ألاحظ ان المرأة العاملة تتنازل عن العديد من الأمور عند تربية أبنائها ولا تبحث عن الكمال في كل شيء فهي ضائعة بين تربية أبنائها وعملها ، وما بين التفكير في أبنائها بسبب تركها لهم في دور الحضانة ، وبين انهاء عملها ، وعندما تعود من العمل تحاول تعويضهم عن كل شيء نقصهم فترة غيابها «.

ويبقى السؤال هل تستطيع الأم العاملة دائما تنظيم وقتها بين العمل والاولاد ؟