كتاب

دبلوماسية «الغولف» أم دبلوماسية .. «البينغ بونغ»؟

في انتظار ما ستُسفِر عنه «قمة الاحلام» المنعقدة الآن بين ترامب ونتنياهو, والتي يمكن التكهّن بنتائجها, في ضوء اعلان «الرفض» لحل الدولتين الذي خرَج به على العالم مصدر مسؤول في الادارة الاميركية, عندما قال: ان رئيسه يدعم هدف السلام بين اسرائيل والفلسطينيين, حتى اذا لم يتضمّن «حل الدولتين»، مُبرِّرا ذلك بعبارة مغسولة وتافهة بالقول: «السلام هو الهدف النهائي»، وكأني به قصد الاستسلام... الفلسطيني والعربي.

في انتظار ما سيُتحِفنا به رئيس الصدفة الاميركي والزعيم الفاشي الاسرائيلي، يمكن للمرء ان يتابع «نطنطات» سياسة الرئيس ترامب المتناقضة وغير المعهودة, في بلد يزعم انه يقود العالم ويريد لِشعوب المعمورة, إعتناق «القيم» الاميركية والتغني بالاستثنائية الاميركية, التي تُصر واشنطن على الزام دول العالم السير على هديها، ونموذج ذلك كله, تبدّى مؤخرا في «الرسائل» التي اراد ترامب ايصالها الى «الصين» حيث يُراد للاخيرة,ان تبدو وكأنها «الهدف الاول», الذي يُصوِّب عليه تاجر العقارات وممثل تلفزيون الواقع...نيرانه, بعد ان لم تعد «روسيا» بوتين في هذا الموقع المتقدم للعداء الأميركي, لكل ما هو رافض هيمنتها وسياستها الامبريالية ودبلوماسية الاساطيل والغزو العسكري التي تنتهجها منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية, ودائما, وفي شكل عدواني سافر وبلا اقنعة, بعد انتهاء الحرب الباردة, التي يبدو انها أطلّت برأسها من جديد، رغم بروز علامات على بدء انتشار «الفوبيا الروسيِّة» في اوساط الإدارة الأميركية, بعد نجاح المُعسكَر المُعادي لموسكو, في «إجبار» مستشار الامن القومي الجنرال مايكل فلين، على الاستقالة, بذريعة محادثات اجراها, ووعود بذَلها للسفير الروسي في واشنطن.

ما علينا..

تراجع الرئيس ترامب عن تهديده، (في بداية عهده وخلال حملته الانتخابية، وخصوصا بعد اتصال رئيسة تايوان الهاتفي به، بان «كل شيء مطروح للبحث، بما في ذلك الصين الواحدة»... وتجلّى ذلك التراجع في الاتصال «الهاتفي» الذي أجراه ولأول مرة مع نظيره الصيني شي جين بينغ، متعهداً (ترامب) باحترام مبدأ «الصين الواحدة» الذي يحظر (كما هو معروف منذ بداية ثمانينيات القرن الماضي، عندما تم تطبيع العلاقات بين بيجين وواشنطن)، اي اتصال «دبلوماسي» مع تايوان.

التعهد»الترامبي»..الجديد للصين، لم يُلغِ ولا يُلغي, احتمالات تدهور العلاقات بين البلدين والتي تُعكِّرها جملة ملفات وقضايا خلافية, لا تبدأ بنشر منظومة الدفاع الصاروخي الاميركية ((THAAD فوق الاراضي الكورية الجنوبية, التي تُعارضِها الصين وترفض الذرائع الاميركية والكورية الجنوبية، بان هذه المنظومة تستهدف الصواريخ الكورية الشمالية. بل تقول: انها ستضر بالتوازن الاستراتيجي في المنطقة. وابعد من ذلك تقول وكالة الانباء الصينية الرسمية «شينخوا»: انه «بمجرد استكمال النظام والبدء في التشغيل، ستكون الولايات المتحدة قادرة على النظر الى عمق الاراضي الصينية والروسية، بطريقة ملائمة لاغراضها». ولا تنتهي بالطبع القضايا والملفات الخلافية, عند مسألة الميزان التجاري بينهما والمائل بشدة لصالح الصين، فضلا عن الخلاف «الطازج» والمرشح للتفاقم حول السيادة على بحر الصين الجنوبي وخصوصا الجزر الخلافية بين بيجين وطوكيو, وبخاصة بعد الزيارة التي قام بها رئيس الوزراء الياباني شينزو آبي إلى واشنطن والحفاوة «غير المعهودة» التي استقبل بها ترامب ضيفه الياباني, وما رافق تلك الزيارة من اشارات ورسائل سياسية بدت وكأنها موجهة الى الصين تحديدا, ما يعكس هواجس مشروعة لدى الاخيرة التي قامت علاقاتها مع الولايات المتحدة على اساس ما بات يعرف بدبلوماسية البينغ بونغ، التي دشّنها كيسنجر بموافقة ودعم الرئيس الجمهوري نيكسون، وفي ظل خلاف صيني سوفياتي مرير، استفاد منه الاميركيون واستمالوا من خلاله, الدولة الصينية, التي بدأت الآن تزاحمهم (وخصوصاً سلمياً)، على قيادة العالم ,وفق سياسة الصعود السلمي التي ما تزال تتمسك بها بيجين.

ترامب الذي استضاف شينزو آبي في نادي ترامب الوطني للجولف في ولاية فلوريدا, بعد ان كان استقبله (كأول زعيم في العالم)، في ترامب تاور في نيويورك, مباشرة بعد فوزه في انتخابات الثامن من تشرين الثاني الماضي، اعتبر ان التحالف بين واشنطن وطوكيو هو» حجر الزاوية من اجل السلام والاستقرار في منطقة المحيط الهادئ»، وبالطبع لا يمكن لأحد ان يمنعه من قراءة المسألة على هذا النحو، ولكن البيان المشترك الذي صدر عن الزعيمين وبعد اربع ساعات من لعب الجولف, حرص «آبي» على التأكيد ان ترامب «ابرع» منه في هذه اللعبة، جاء فيه (البيان المشترك):ان المعاهدة الأمنيَّة الاميركية اليابانية «تنطبق» على جُزُر سيكاكو (وهي التسمية اليابانية للجُزُر, فيما تطلق الصين عليها اسم.. دياويو) المُتنازَع عليها بين طوكيو وبيجين، ويعلِن الطرفان رفضهما لأي عمل احادي بهدف إعادة النظر في ادارة اليابان لهذه الجزر».

ما يعني ان الاستعراض العسكري الذي تقوم به البحرية الاميركية في تلك المنطقة، انما هو محاولة, ليس فقط لمحاولة منع الصين من الاستمرار في توظيف الجزر الصناعية التي تقوم باقامتها في بحر الصين للاستخدامات العسكرية والاقتصادية، وانما ايضا في ان «الصدام العسكري» سيكون وارداً, او على الاقل ايصال الامور الى «الحافة» قبل ان يتراجع احدهما ولا تبدو بيجين في وارد التراجع. وهنا على واشنطن ان تُقرِّر – ضمن امور اخرى بالطبع – ما اذا كانت ستُواصِل العمل بـ»إرث» دبلوماسية البينغ بونغ, ام ان ترامب سيُفضِّل عليها دبلوماسية « الغولف»... التي يعشقها؟.خصوصاً انه قال:اُريد ان يفهم الجميع وان يعرِف تماماً, ان «الولايات المتحدة,تقِف وراء اليابان,حليفتنا العظيمة, 100 بالمئة.

kharroub@jpf.com.jo