كلما فتحت الفيس بوك وجدت :- رسالة إلى جلالة الملك , وأحيانا مناشدة إلى جلالة الملك , وفي بعض المرات نصائح إلى جلالة الملك , وبعضهم يكتب (حاشيتك يا جلالة الملك )...وذات مرة كتب أحدهم في موقع إخباري :- أرجو أن تسمعني يا جلالة الملك.
كم من الرسائل التي أرسلناها للملك ؟..حتى أن سيدة شكت ذات يوم من نقص الدواء الذي تستعمله وتحدث معها (يوسف العيسوي ) ولبى النداء واشترى الديوان لها الدواء المفقود..
نحن أكثر شعب يرسل برسائل للملك , وأحيانا يرسل نصائح..وفي بعض المرات تكون الرسائل خارجة عن نطاق المألوف...
وكلنا نعرف في السياسة وإدارة الدولة , ونحدد الخلل..ونحذر ونشخص المرحلة بدقة..
في الرحلة الأخيرة لواشنطن , سافر الملك في طائرة صغيرة تتسع لـ(17) شخصا على أكبر تقدير , استغرقت الرحلة (6) ساعات لمطار (شانون) بعد ذلك (7) ساعات أخرى لواشنطن...ثم نزل في المطار , وبدأ بسلسلة من اللقاءات , في كل لقاء عليك أن تحضر الكلام وتعرف عن خلفية الشخص الذي ستقابله..وأقصر لقاء يستغرق ساعة واحدة , ثم تعود بعد ذلك للتحضير للقاء الاخر...وعليك أن تتناول وجبة صغيرة بين اللقاءات , وعليك أن تقتنص الفرصة..للحوار والحديث وإقناع المسؤولين هناك بوجهة النظر...عليك أن تحلق في ظروف جوية صعبة جدا , وتتحمل الالام المعدة وقلة النوم وتتحمل الوعود...وعليك أن توصل الرسالة الأردنية بدقة , دون أي خطأ..
في رأس الملك ألف قصة :- القمة العربية , الأسعار , أداء الحكومة , جاهزية الجيش والإرهاب , والتقارير التي تحط على مكتبه كل صباح...
ذات يوم سافرت إلى نيويورك , وحين عدت أمضيت (3) ايام في النوم , الملك في اليوم الثاني من عودته قام بزيارة للجيش...
حين تفكر في حياة الملك , تسأل نفسك أحيانا...هل يقيس ضغطه كل يوم , وكيف يحتمل صداع السفر الطويل , وكم يمضي في قراءة التقارير الأمنية , وما هي الإتصالات التي يجريها من أجل إنجاح القمة العربية , ومن يلام إذا جعنا ومن سيتحمل كامل العبء إذا مس سوء جفن وطني , ومن يكابد الحزن حين يصله خبر استشهاد مجموعة من جنوده في عملية إرهابية , وما هو شعوره حين يسمع أن طيارا أردنيا حرقته داعش , وهذا الطيار حين تسلم الملك السلطة..كان ما زال طفلا في المدرسة وكبر , وأنهى الدراسة وأصبح ضابطا في عهد الملك عبدالله الثاني.
وما هو الوقت المخصص للعائلة , وكم من وقته مخصص للقلق , وكم من وقته مخصص للطعام , وكم من وقته يمضي في التفكير ومحاولة الخروج من أزمة اقتصادية خانقة...
وفي ظل كل هذا الألم , وفي ظل ثقل الحكم وتعبه..يخرج أحدهم ويوجه نصائحه للملك..عبر رسالة مليئة بالأخطاء النحوية , وخالية من المضمون.
في الرحلة الأخيرة لواشنطن , شاهدت كل لقاءات الملك...وأنا حين أكتب مقالا أحتاج لساعتين , وأنهيه منهكا..فالجهد الذهني أقسى من الجسدي بألف مرة , يا ترى كم من الجهد الذهني والتفكير ومحاولات الإقناع والحوار..يستهلكه الملك من صحته وقوته وسلامة بدنه , في اللقاءات والحوارات والسفر والقلق ؟
في النهاية هو قائد البلاد والمؤتمن على الأرض والعرض والمصير...وأظنه يتعب أكثر منا جميعا , فنحن تعبنا مرتبط بفاتورة وباسعار , وهو تعبه مرتبط بوطن كامل محمول على كتفيه..وقدره أن يحتمل..
للذين يرسلون الرسائل تلك اقول , أجلوا الرسائل قليلا...فالشيب الذي يزداد يوما بعد يوم على رأسه , ربما يوحي بحجم الهم والقلق والتعب لدى الملك.
Hadi.ejjbed@hotmail.com
مواضيع ذات صلة