كتاب

التعليم والتدريب في المجال المهني والتقني

انسجام خطط التعليم مع متطلبات سوق العمل، قد تكون في مقدمة الطروحات التي ينادي بها الجميع لإصلاح التعليم، وفي الحقيقة هذه التوصية المعتادة والمستندة إلى مسلمة التعليم للعمل والوظيفة وليس التعليم للتعلم والمعرفة قد تكون سبباً أساسياً وراء تدني مستوى التعليم وتشكيل الوعي الهش والفهم السطحي وفق ما يرى بعض المتخصصين بفلسفة التعليم .

النتيجة الماثلة اليوم وتحت ضغط الإيمان المطلق بمسلمة التعليم والعمل،هي الأعداد الكبيرة من خريجي الجامعات مقابل تضاؤل حجم فرص العمل المتاحة، مما بات يشكل تحدياَ جسيماَ أمام صانع القرار، إضافة لما تشكله الشهادة الجامعية لدى الخريج الجامعي في العادة من عوائق ذهنية تتسبب في إحجامه عن العمل المهني واليدوي، غير أن هذه المعطيات بدأت تدفع بقوة نحو ضرورة تغيير القناعات السائدة لدى المواطنين وفي ذات الوقت تبني سياسات جديدة للنظم التعليمية من قبل الحكومات.

منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة « اليونسكو» أشارت مؤخراً إلى أن (10) في المائة فقط من طلاب المدارس الثانوية في جميع انحاء العالم يلتحقون ببرامج التعليم التقني والمهني على المستوى المدرسي، لذلك تدعم اليونسكو بقوة تصميم برامج للتعليم المهني والتقني المرتكزة على الكفاءة، والموجهة للحصول على فرص العمل التي تتناسب مع السياق الاجتماعي الاقتصادي للدولة، وكذلك التطور التكنولوجي .

وفي ضوء هذا التوجه تقترح «اليونسكو» على دول العالم استراتيجية تدعم تحسين النظم والخطط الخاصة بالتعليم والتدريب في المجال المهني والتقني، وتقوم الاستراتيجية على إسداء المشورة في المراحل التمهيدية بشأن السياسات العامة، وتنمية القدرات ذات الصلة من أجل إعداد خطط وطنية شاملة للتعليم والتدريب في المجال المهني والتقني في مرحلتي التعليم الثانوي، وما بعد الثانوي، وعلى مستوى التعليم غير النظامي.

كما تؤكد استراتيجية التعليم والتدريب في المجال المهني والتقني على البرامج المتكاملة، والمتصلة بسوق العمل، والموجهة بالدرجة الأولى للفئات الاجتماعية ذات المستوى التنموي المتواضع، كما تحرص اليونسكو على إعداد المعلمين والمدربين وإصدار الشهادات الخاصة بهم.

الأهم في استراتيجية التعليم والتدريب في المجال المهني والتقني هو اهتمامها بشأن تنسيق الأنشطة بين جميع الشركاء في الدولة، بما في ذلك المجتمع المدني ولاسيما القطاع الخاص والنقابات المهنية ومراكز التدريب، ويجب أن يترافق جميع متطلبات تنفيذ الإستراتيجية مع الدراسات التقويمية التي تحدد الحاجات ونوع البرامج ومدى تحقيقها للتنمية المستدامة.

محلياً تجاوز عدد طلبات التوظيف في ديوان الخدمة المدنية أرقاماً مذهلة تغطي حاجة المجتمع للعشرين سنة القادمة، ويتضح جلياً تراجع المستوى المعرفي والمهاري لخريجي التعليم في مراحله المتعددة، ولكن قرار مجلس الوزراء مؤخراً بخصوص الموافقة على الاطار الاستراتيجي لتنظيم قطاع العمل والتدريب المهني والتقني انسجاماً مع توصيات الاستراتيجية الوطنية لتنمية الموارد البشرية للأعوام 2016- - 2025 يدلل على استجابة حكومية للتحدي التنموي، ولكن يجب البدء في تنفيذ الاستراتيجية على أرض الواقع.

Rsaaie.mohmed@gmail.com