يتسبب ازدياد التنافسية الشرسة بين مصادر المعرفة وتنوع طرق الحصول عليها، في خلق تحدي جسيم أمام المدرسة كأحد أهم منظمات المجتمع والمنوط بها مسؤولية إعداد النشء والمحافظة على تراث الأمة وقيمها، حيث لم تعد المدرسة بكوادرها إضافة إلى المناهج الدراسية التي تعتمدها هي المصدر الوحيد للمعرفة، فتعددت مصادر المعرفة وتنوعت، حتى باتت المدرسة في مرتبة متأخرة بين هذه المصادر.
ففي الوقت الذي يقدم المعلم لطلبته تعريفاً بالمجموعة الشمسية كأحد المواضيع التي يتم تعلمها في المدرسة على سبيل المثال وبطريقة تقليدية تعتمد مجرد توضيح مفهوم المجموعة ومكوناتها، يستطيع الطالب الولوج إلى موقع وكالة الفضاء الامريكية (NASA) الالكتروني من خلال حاسوبه المحمول أو هاتفه النقال ومشاهدة صور التقطت حديثاً لكواكب المجموعة الشمسية إضافة إلى البرامج التعليمية التي يتيحها الموقع، كما تساعد بعض البرامج الحاسوبية تقديم الكثير من المفاهيم في مناهج التعليم بطريقة التعلم باللعب أو التعلم الالكتروني التفاعلي.
يتسم التعلم من خلال مصادر التعلم الحديثة بالحرية والمتعة إضافة لإمكانية ان يحدد الطالب الوقت والزمان الذي يتعلم فيه، كما تيسر هذه المصادر المعرفة والمعلومة وفق اهتمامات الطلبة وميولهم مما يساعد في تنمية مواهبهم وابداعاتهم، وبالتالي مخاطبة انفعالاتهم ومشاعرهم.
عدم مراوحة المدرسة التعليم التقليدي وحرمان الطلبة من أوقات ممتعة واستراتيجيات تدريسية تعطي الطلبة أدواراً حقيقية ومسؤولية ذاتية، يجعل الطلبة بائسين وغير راغبين في التعلم واكتساب المعرفة بعيداً عن الحرية وتنمية قدراتهم الابداعية، وبالتالي فشل المدرسة في تحقيق أهدافها التي يحسبها المجتمع أهدافاً سامية.
في هذا السياق يرى بعض التربويين أن عدم قدرة المدرسة كمنظمة تعليمية على منافسة مصادر المعرفة الحديثة ومجاراة إمكانيات هذه المصادر يحقق نظرية الفيلسوف التربوي «إيفان إيليتش» التي نشرها في كتابه المعروف « مجتمع بلا مدارس» «Deschooling Society» في العام 1970 ويرى إيليتش أن المدرسة أصبحت بمثابة خطر على المجتمعات، كونها تحولت كمؤسسة تربوية إلى أداة تطويع تسلب الإنسان كل أسلحته التي تمكنه من الحياة الحرّة الكريمة، لتجعل منه كائنا بلا إرادة وبلا اختيار، يقبل كل ما يعرض عليه في سلبية وعجز تام، وهذا يعني أن تتحول المدرسة من هدفها الأصلي، تنمية الطلبة ليتحملوا مسؤولياتهم في المجتمع، إلى أن تصبح إحدى العراقيل في سبيل تحقيق المجتمع لأهدافه بل إنها، أي المدرسة، استنزفت قدراته وطاقاته، والنتيجة عكس ما يهدف إليه المجتمع.
المدرسة اليوم بحاجة إلى ثورة تعليمية يدعمها المجتمع بجميع مكوناته لإحداث تحول حقيقي في البيئة التعليمة ومناهج التعليم وأدوار الطلبة والإمكانيات التي توفرها الدولة حتى تبقى المدرسة المؤسسة الأساسية التي يتحقق بواسطتها أهداف الدولة، واهمها المواطن القادر على التكيف مع المتغيرات المتسارعة وبناء شخصيته المتكاملة.
Rsaaie.mohmed@gmail.com
مواضيع ذات صلة