الدخول الى الجامعة في مطلع الشباب من اجل الدراسة أمر عادي لكنه حين يحدث في سن الرابعة والثمانين فذلك بالطبع شيء آخر يتنوع معه الحديث ويتأثر ببعض الذكريات، والقصة بسيطة فلقد شرفتني الجامعة الاردنية بعضوية مجلس كلية الآداب عن المجتمع المحلي وقد ترددت في البداية خشية أن أكون غير ذي نفع لأني لست اكاديمياً لكني وجدت بعد قليل أن التفاعل مع جيل صاعد من الاختصاصيين في الادب والتاريخ والفلسفة واللغة العربية وعلم النفس يمكن ان يكون مفيداً وممتعاً خصوصاً حين يكون المجلس بقيادة امرأة واثقة من نفسها ملمة بشؤون وظيفتها، ومنذ الاجتماع الأول وقبل الدخول اليه كانت ملاحظتي الجادة المازحة حول اللوحة المعلقة على باب مكتبها ( العميد الدكتور غيداء خزنة كاتبي) التي نزعت منها تاء تأنيث دفعة واحدة كفعل ذكوري قد يكون مقصوداً وقد لا يكون لكنه بالقطع لا يليق باللغة العربية في عقر دارها بل قلعتها، فوجدتها ترحب فوراً باستبدالها بأخرى ( العميدة الدكتورة...).
وشيئا فشيئاً تبين لي أن مواضيع أخرى لم تكن على جدول الاعمال الروتيني تفرض نفسها على بساط البحث وتدفعني وزميلي العضو الآخر عن المجتمع المحلي الاستاذ عبدالله كنعان الأمين العام للجنة الملكية لشؤون القدس لتبادل وجهات النظر حولها مع باقي اعضاء المجلس وعميدتهم.. ومن الامثلة قضية الاستاذ الذي طالته عقوبة الجلوة العشائرية مع عائلته دون ذنب جناه سوى انتسابه لنفس عشيرة القاتل فعطلت بذلك عمله في الجامعة وتسببت باضطراب حياته، وكان ذلك مدعاة لمناقشة رصينة ( غير اكاديمية) لمهزلة بقاء هذا اللاقانون يحكم حياتنا باسم العادات والتقاليد وكلنا نمقت تداعياته رغم ان للبعض المتربصين خلف الستار مصلحةً في بقائه، ورغم أنني وسواي قد طالبنا بالغائه مراراً وتكراراً وتجاوبت معنا ذات حكومةٍ جريئةٍ في عام 1976 لكن عقوبة الجلوة تسللت من خلف الالغاء وتحت ذرائع متخلفة ! ومثل آخر لم يكن بالامكان تجنب بحثه ألا وهو العنف في الجامعة وما حدث مؤخراً من صدامات مؤسفة بين الطلبة برزت العشائرية على مسرحها جهاراً نهاراً ، أما الموضوع الاكثر التصاقاً بالتعليم الجامعي نفسه فقد كان عن بعض المناهج التي الغيت أو جرى تغييرها تنفيذا لقرارات سابقة لم يطلع اعضاء المجلس على حيثياتها أو يبدو أنهم لا يقبلون بها كمبررات للالغاء والاستبدال، وطُرح كمثال على ذلك كتاب التربية الوطنية الذي أُقر بديلاً لكتاب عن تاريخ الاردن رؤي انه قد يكون صالحاً لطلاب المرحلة الثانوية لا لطلاب الآداب ولدى اطلاعي عليه وجدت أن نفس مقدمة طبعته الثانية في عام 2016 المطروحة للتدريس تدينه إذ تقول بالحرف الواحد وشعر المؤلفون ان تطورات سياسية واقتصادية واجتماعية قد حدثت في الاردن وشهدها الوطن العربي خلال السنوات الخمس الاخيرة (هل قصدوا الثورات العربية وتجنبوا ذكرها؟) اقتضت إعادة النظر في الطبعة الاولى من الكتاب وحذف بعض المعلومات الواردة فيه وتحديث بعضها الآخر واضافة معلومات جديدة مهمة في ضوء ما استجد على الساحة الاردنية وهي إدانة للكتاب ولصلاحيته كمرجع علمي وهو نفسه خلطة من معلومات وآراء عن تاريخ الاردن وجغرافيته وسياسته وسلطاته الدستورية واقتصاده وسياحته وزراعته لم افهم علاقتها بالتربية الوطنية! وهكذا يمكن القول بانني كنت مخطئاً حين كدت أعتذر عن قبول المشاركة في منبر يفسح المجال لمناقشة قضايا هامة في جو ديمقراطي تنفتح ابوابه المغلقة وترتفع الستائر عن نوافذه كي يدخل الضوء والهواء.. حتى لو كان معهما بعض الضجيج !
وبعد.. فآخر ملاحظاتي تتعلق بحرم الجامعة الذي أتذكره في النصف الاول من القرن الماضي متنزها عاماً جميلاً كان سكان عمان يرتادونه ويرجع الفضل في أنشائه والعناية به كمستنبت لتدريب طلبة مدرسة الجبيهة الزراعية في الاردن لرجل عالم كان يحب النباتات والغابات كثيراً هو على نصوح الطاهر، لذلك أتألم الآن وأنا ارى الابنية الحجرية تتغول على حقوله وازهاره واشجاره بحجة نمو الجامعة والتوسع في نشاطاتها مع أني اعرف جامعات كثيرة في العالم تفعل ذلك خارجها في ارض الله الواسعة لأن القانون يحدد لها مساحة البناء من مجمل مساحة الحرم ، ولقد قيل لي ان مثل هذا القانون موجود عندنا في الاصل لكن الادارات المتعاقبة رأت أن تتجاوزه وتتجاهله أسوة بما يفعل آخرون بقوانين أخرى وهي لعمري ظاهرة لا ينبغي قط السكوت عليها..
مواضيع ذات صلة