تلك المرة الأولى , التي يطل بها رئيس هيئة الأركان على محطة عالمية ويتحدث عبر (البي بي سي) , عن الوضع الداخلي والأزمة في سوريا والتحديات التي تواجهنا ...
لقد اعتدنا أن يطل قائد الجيش عبر (يسعد صباحك) أو برنامج (جيشنا العربي) ويوجه كلمات مختصرة , ومن ثم يغادر ..هذه المرة مختلفة تماما من حيث المضمون والدور , واجزم أنه يليق بالجيش العربي هذا النموذج من القادة ..فلقد قدم رئيس هيئة الأركان تشخيصا دقيقا للعلاقة مع سوريا , وتقييما استخباريا وافيا للوضع الداخلي السوري , والأهم أنه حذر ونبه ووجه رسالة إلى الإرهاب مفادها :- أننا في أعلى درجات الإستعداد ...
ثمة مقولات انطلقت مؤخرا , تفيد بأن الجنوب السوري سيشهد معركة عنيفة تشبه ما حدث في حلب , وأن الأردن سيدفع ثمنا في هذه المعركة ..ثمة تخوفات وتحليلات , وهناك نوع من الشماتة ..وهناك أيضا نوع من الترقب يمارسه البعض , وكأننا دولة كرتونية ..أو مجتمع هش ؟
في الصيف الذي مضى , زرت العمليات الخاصة من أجل كتابة سيناريو لفيلم تلفزيوني عن الجيش العربي , ما شاهدته هناك ..أبعد بكثير من تحليلاتنا وخوفنا ..ما شاهدته شيء مختلف عن الجيوش التقليدية , وعن الصور التلفزيونية فهؤلاء لا يخوضون , معارك بالدبابات ....والواقع الذي يتدربون ويقاتلون فيه , أخطر من واقع قتال المليشيات في حلب , أو قتال داعش في الموصل ....ثمة تقنيات متقدمة جدا , يتدربون عليها ...وتستغرب حين تجد ضابط صف , شارك في (14) عملية اقتحام , وأحضر أخطر المطلوبين ..تستغرب , حين تجد أن كل مرتباتهم وأفرادهم شاركوا في عمليات خطرة جدا ..لم تعلن ولم يعرف عنها الناس ...وتستغرب , حين تجد جيلا جديدا من أفراد الجيش العربي , سبقوا عصر الجيوش التقليدية ..وأسسوا عقيدتهم القتالية الخاصة ... في بلادنا لا يعرف السياسي ..أن العمليات الخاصة الأردنية لا تتدرب وفق منهج أمريكي أو روسي , بل يوجد عقيدة ومنهج أردني ..وهو عالمي وتتبعه جيوش كثيرة .
رئيس هيئة الأركان بنيته العسكرية ..ربما أراد من اللقاء توجيه رسالة للبعض , تؤكد أن العبث معنا لن يكون أمرا سهلا ...فنحن دولة حين تجد فيها , جندي أمن عام بوظيفة كاتب يحمل سلاحه ويقاتل ويخلص رهائن من قلعة الكرك..تسأل نفسك ماذا عن جنود من القوات الخاصة والذين تلقوا تدريبا للعمل ما خلف خطوط العدو ...؟
ربما لا تمنحنا الكتابة فرصة البوح بكل ما نعرف , ولكن ثمة مقولة أردنية مهمة يرددها كبار السن حين يشاهدون حدثا مفرحا وهي :- (اتنومست) وأنا في البداية استغربت حين شاهدت رئيس هيئة الأركان على (البي بي سي) ولكني (تنومست) ..حين استمعت للمقابلة كاملة , وأدركت أن رسائل الجيش أبلغ من رسائل السياسيين وأبلغ من رسائلنا , وأبلغ من رسائل الثرثرة التي يوجهها من يطلقون على أنفسهم (محلل استراتيجي) عبر الفضائيات ...
نحن أمام نمط جديد من القادة , وأمام دور جديد للمؤسسة العسكرية ..وأمام رسائل توجه من اصحاب العلاقة ... نحن أمام مؤسسة عسكرية , تستحق أن تكون عصب الدولة وميزانها , ونبضها ...وكرامة الوطن بكل ما تحمل الكلمة من معنى ..حماهم الله وكان معهم .
Hadi.ejjbed@hotmail.com
مواضيع ذات صلة