ما جرى مؤخراً في الكرك لم يكن حدثاً بكراً أو سابقة تثير المشاعر والتخوفات على أمن الوطن، لقد تعرض الأردن كما غيره من دول العالم لحوادث عنف وإرهاب عدة أصبحت خطراً يتهدد العالم أجمع، في الوقت ذاته لم تنجح هذه الأعمال الإرهابية إلا في تشويه فهم الدين الإسلامي، بل دفعت هذه الحوادث الكثير من الحكومات في العالم للتضييق على المسلمين من مواطنيها، كما كانت حوادث الإرهاب التي يتبناها المنحرفون عن المعنى الحقيقي للإسلام سبباً في حروب شنتها جهات عديدة على ديار الإسلام جعلت منها خراباً ودماراً .
وليس غريباً على الأردن أن يقدم الشهداء من جنوده وابنائه البواسل فهذا الوطن تروت أرضه عبر التاريخ بدماء الشهداء دفاعاً عن الاسلام والعروبة، منذ فروة بن عمرو الجذامي وزيد بن حارثة وصحبه في مؤتة وفراس العجلوني ومنصور كريشان ومعاذ الكساسبة، ونعلم أن هذه القائمة مستمرة ونعلم أن هذه الدماء الزكية هي خير دليل على أن هذا الوطن سيبقى صامداً عصياً على الحاقدين والمتآمرين.
ولكن أكدت لدينا أحداث الكرك إنَّ أمن المجتمع وتعزيز قدرته على تجاوز الأزمات في زمن الاعلام الحر وتكنولوجيا المعلومات لم يعد مهمة مقصورة على أجهزة الدولة ودوائرها الأمنية، بل يتعدى ذلك إلى أدوار باتت في غاية الأهمية لجهات عديدة في مقدمتها المواطن الواعي والمدرك للأخطار التي تتهدد وطننا العزيز، لقد كان لتبليغ أحد المواطنين عن ريبة وشك في مجموعة من الأشخاص سبباً قد يكون بعد لطف الله سبباً في إفشال مخططات المغرر بهم.
كما أنَّ للتعليم في جميع مراحله إلى جانب التشريعات والقوانين الحاكمة لجميع سياسات الدولة وعلاقتها بمواطنيها دوراً محورياً في قطع الطريق على تكرار ما تعرضنا له. وفي هذا السياق يتوجب على جميع من يتولى مهمة التعليم بناء معارف وقيم واتجاهات الطلبة في ضوء المرتكزات الأساسية لأمتنا وقيمها العظيمة المتمثلة في العدل والتسامح والرحمة ورفض الانانية وإقصاء الآخرين، إنَّ المعلمين في المدارس والجامعات عليهم مهمة اتاحة فرص متساوية والحرص على تعليم الطلبة كل ما ينفعهم ويحصنهم من الأفكار المتطرفة وتشكيل ثقافة تبث الأمل بمستقبل هذه الأمة التي لن يتحقق لها السيادة وإعادة هيبتها إلا من خلال الرسالة السمحة للدين الإسلامي الذي جاء رحمة للناس كافة دون تمييز «وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين».
ما يبعث في نفوسنا الطمأنينة على مستقبلنا هو ما لمسناه من أبناء الأردن كافة وقوفهم جميعاً إلى جانب أجهزة الدولة بشقيها المدني والعسكري، وتقديرهم لتضحيات رجال الأمن وقوات الدرك، إن هذا السلوك الجمعي الرافض لكل ما يعرض أمن الأردن للخطر هو دلالة واضحة على الصحة الاجتماعية، وتأكيداً على مفهوم الأمن الشامل.
كوكبة الشهداء في الكرك وتضحياتهم زادت لدينا الثقة بحرفية الجندي الأردني وقبل ذلك ثقتنا بأنه يرخص روحه دون الوطن، ندعو لهم بالرحمة وسيبقون خالدين في قلوبنا ومهجنا ما بقينا.
Rsaaie.mohmed@gmail.com
مواضيع ذات صلة