كتاب

عن المفرق..

أنا لا أرد على أحد, ولا أدافع عن أحد في هذا المقال ..ولكني سأكتب عن المفرق كما أعرفها ..أو ليس كما يقال عنها, أو قيل عنها ...

حين كنا في الجامعة الأردنية, كان الطالب الذي يأتي من المفرق مختلفا تماما عنا, فجميعهم يحفظون اليسار عن ظهر القلب ...وجميعهم سواء من بدو المفرق أو حضرها ..شكلو أرقاما مهمة وصعبة في الحركات الطلابية .

ليس هناك أبلغ من حالة النائب السابق (ميسر السردية) البدوية التي جاءت من أقصى الصحراء, كي تعمل صحفية في عمان ...وفي لحظة قررت أن تصبح نائبا في البرلمان, في حين أننا جميعا جيل ميسر .. بقينا على أدراج المقالات ..وبعضنا رحل وترك البلد, وبعضنا ..ظل على علاته ..

كان أحمد سلامة ... حين عملت لديه في الهلال يقول عنها :- ( الشيخة ميسر) ..وكانت تلك البنت ترجمة فعلية لكلمة (شيخة) ..

ليس هناك أبلغ من حالة المرحوم , سامي الزبيدي ..الذي كان منظرا وصحفيا, وعلمنا جميعا الجنون ..وقاد صحفا مهمة مثل البلاد وشيحان وهو بعد لم يدخل في عمر الثلاثين ...

ليس هناك أجمل من لحظة صفاء, تجلس فيها مع عبد الكريم الدغمي وتكتشف أن مظفر النواب لديه أزمة نسيان فهو لم يحفظ كل ما كتب, بالمقابل يوجد نائب أردني .. ورئيس مجلس نواب سابق, حفظ كل ما كتب مظفر النواب وحين كنا نسأل الدغمي كيف ذلك ؟ ..كان يخبرنا بأنه حين بدأ الدراسة في المفرق ...أمضى من الوقت مع منشورات مظفر النواب أكثر مما أمضى مع نفسه ...

أكثر فروع الحزب الشيوعي نشاطا فترة الخمسينيات, كانت في المفرق ...وزير الإعلام الأردني نفسه (محمد المومني) عاش هناك وتربى هناك أيضا حين كان والده ضابطا في الجيش ....

مالك حداد مدير عام شركة (جت) والشخصية الإقتصادية الأكثر جذبا وحبا ولد وعاش على تراب المفرق ..ومنها خرج للحياة, ينتج من الحب أكثر مما أنتج البشر من الكره ...

لا أريد أن أعرج على حالات ..فردية أكثر, ولكني لا أعرف أن الجغرافيا تعاب أو تشتم ..تلك المرة الأولى في حياتي التي أرى فيها أحد يهاجم جغرافيا ...

في الحملات الإنتخابية التي كنت أذهب فيها هناك, لزيارة صديقنا عبدالكريم الدغمي, شيء واحد كان يخطف قلبي حين أرى الناس وجدائل البنات في المفرق وهو :- أنها الأرض التي, تبرز هوية الوطن فيها ليس فقط في لكنة الناس بل في الوجوه ..والحجارة والمباني , والسواري العالية ...حتى الهواء في المفرق ..أردني.

حمى الله المفرق