أدق مرحلة في عمر الأنثى , هي اللحظة التي تقف فيها على المرآة ..وتمسك أحمر الشفاه , وتسيره على فمها ...وتنظر للمرآة , تلك لحظة خطرة جدا فيها تفاصيل غاية في الدقة ...فهي مثل أيلول تماما , حين يختلط عليه المدى ولا يدري هل هو شتاء أم اخر الصيف ...
هنا يختلط على البنت وجهها هل ما زالت طفلة , أم أنها تركت عمر الصبا وشهدت ثورة الأنوثة في قلبها ...واصبحت في مرحلة الغزل ...
في المرة الأولى , تسير أحمر الشفاه على فمها ثم تمسحه ..مثل أيلول يرسل لسعة برد في الصباح , ثم يحكم الشمس في قلب السماء ويعود للصيف ...ثم تعود وتضعه , وتخرج ..وحين تراها العائلة والصديقات , يقابلنها بضحكة خجولة وسؤال مفاده :- (حاطه حومرة) ؟ ...أخيرا تمتلك الجرأة أن تخرج وتقابل الناس فيه ..وتدري أن البعض سيضحك والبعض سيؤيد ..وربما ستنهاها الأم عن ذلك بدافع العيب , وربما سيحتار الأب ماذا يقول لها ؟
أيلول في نهايته , يستسلم للشتاء , ولا ضير أن يختم مروره علينا بقليل من المطر , ويستسلم المحيط من عائلة واصدقاء لمشهد البنت ...فقد كبرت واصبحت صبية , ومن المنطق أن تضع أحمر الشفاه ...
تلك مرحلة فاصلة في العمر , فهي لم تعد طفلة تتسلى في الألوان ..وتضع لعبتها بجانبها حين تنام , وتلهو في الليل قليلا مع إخوتها ...صارت صبية وأول مسحة (حومرة) على الشفاه , كانت إيذانا بالإنتقال من مرحلة لأخرى
الربيع العربي كان مثل صبية , أرادت أن تنقل إلى عالم الأنوثة ...كان إحراق البوعزيزي لنفسه , يشبه بنتا تريد أن تعلن عن صباها وأنوثتها ..وكان من الممكن أن تكون الثورات العربية كذلك ...ولكن أحيانا حين تضع البنت أحمر الشفاه , يصرخ عليها الوالد وتنهاها الأم ...وتصبح كأنها ارتكبت ضربا من الرذيلة ,وهذا ما فعلناه ...حين (عهرنا) المشهد تماما وحرقنا مؤسسات الدولة في ليبيا , ودمرنا كل ما بناه السوري عبر تاريخه من إنجازات وأحرقنا مشروع الدولة في العراق ..وفي النهاية أنتجنا نهجا طائفيا في اليمن
الثورة مثل الأنثى يجب أن تعلن عن نفسها , يجب أن تتجمل بالدم ..مثل الأنثى حين تتجمل بأحمر الشفاه ...ولكن كيف تتجمل والعربي ينظر للانوثة على أنها خدش للحياء , ويتعامل مع إعلان البنت عن نفسها كأنه مس بشرف العائلة ...نحن اعتبرنا ما أنتجته الأنظمة الديكتاتوريه هراء لهذا هدمنا المؤسسات في ليبيا , ونظرنا إلى علمانية الدول في سوريا على انه خدش في شرف القبيلة فاستبدلناها بالتعصب , وأختطفنا العراق وحفاظا على العرض حشرناه في زاوية الطائفية والعمائم ...
حين نبتسم للمرة الاولى التي تضع فيها البنت احمر الشفاه , سنعرف كيف ننتج ثورة ...لأن الثورة تشبه الأنثى ..والأنثى في أول فورتها تكون ثورة من الغزل والحياء ..
ماذا فعل بنا الربيع العربي ؟ كل ما فعله أنه قرر اغتيال أحمر الشفاه من على افواه البنات ..اي أمة تلك التي تغتال الشفاه ؟
Hadi.ejjbed@hotmail.com
مواضيع ذات صلة