كتاب

الجامعات وإعادة بناء ثقافة المجتمع

في المجتمع الكبير إذا صحت التسمية مصادر عديدة لبناء ثقافة إيجابية، أو إحداث تحولات عميقة في الثقافة السائدة، وتمثل الجامعات في حالة مماثلة للمجتمع الأردني أهم المصادر في هذا المجال، كون نسبة كبيرة من المواطنين يتلقون تعليماً جامعياً ويتعرضون للخبرات والممارسات التي تؤسس لثقافة بناءة وإيجابية.

فلسفة إنشاء الجامعات تقوم على أنها أداة فاعلة لإعادة بناء ثقافة مجتمعية إيجابية، فالجامعات مؤسسات نظامية تتشكل فيها جميع التفاعلات استناداً إلى قوانين وتشريعات واضحة، كما تتبنى الجامعات ثقافة الحلول العلمية للمشكلات، واعتماد معايير الموضوعية وإتاحة فرص التغيير والإبداع، والارتقاء في السلم الإداري بالكفاءة. كما تؤسس الجامعات من خلال برامجها وأنشطتها المتعددة ثقافة النظام، وعدالة الفرص للتطوير من خلال التقييم المستند إلى المعايير.

أتجاه حركة التأثير بين الجامعة والمجتمع الأكبر هي معيار نجاح وقدرة عالية للجامعة في التأثير في ثقافة المجتمع وتخليصه من ثقافة التعصب ومخالفة الأنظمة والقواعد وانتشار الواسطة والمحسوبية، وحينما تفشل الجامعة في نقل حركة التأثير صوب المجتمع لا العكس، تصبح معظم التفاعلات في ساحاتها وغرفها الصفية مماثلة لما هو سائد في المجتمع المحيط، وعلى سبيل المثال انتقال الأطر المرجعية السائدة في المجتمع كالعشيرة والمناطقية لتكون قاعدة لاتخاذ القرار الإداري والأكاديمي في الغالب، كما تحدد هذه الأطر حركة الجسم الطلابي في جميع التفاعلات اليومية، وفي هذه الحالة يصبح من الضروري مراجعة الجامعة لخططها وبرامجها وآليات تنفيذها، بهدف المساهمة في إعادة بناء ثقافة المجتمع وتخليصها من السلبيات والشوائب بدلاً من تضخمها وامتدادها لتصبح من عموميات الثقافة.

ولكي تعمل الجامعة في هذا المسار يجب أن تكون الأنشطة والفعاليات وأنماط العمل الإداري الموجه للطلبة وأعضاء هيئة التدريس تنطلق من فلسفة تتبناها الجامعة إزاء خدمة المجتمع، والتأسيس لثقافة اجتماعية راقية يغلفها سيادة القانون، والحرية المسؤولة، وعدالة الفرص، وبناء مفهوم المواطنة، والاحتكام للقوانين والأنظمة والتشريعات التي تنظم العمل الأكاديمي برمته.

بموازاة الأنشطة المتعددة التي تنفذها الجامعة لغاية بناء القيم الإيجابية، تلجأ الجامعة إذا ما رغبت في قيادة عملية التغيير في المجتمع إلى تصميم مناهج التعليم بهدف تعميق حجم التأثير، وفي هذا الصدد ينصح خبراء المناهج باعتماد ما يسمى منهاج إعادة بناء المجتمع، حيث يرتكز هذا المنهاج إلى مفهوم التوعية وهي العملية التي يحقق بها الأفراد ليس بوصفهم متلقين للعلم وإنما من حيث كونهم متعلمين فاعلين يمتلكون وعياً عميقاً بالواقع الاجتماعي الثقافي الذي يشكل حياتهم وقدرتهم على تغيير هذا الواقع من خلال تعزيز التفكير النقدي.

Rsaaie.mohmed@gmail.com